المؤتمر القومي الإسلامي الذي انعقد في نهاية عام 2006 في العاصمة القطرية الدوحة، لم يخرج لا في صياغاته ولا في خطاباته ولا في أسلوبه ومواضيعه عن المؤتمرات القومية الإسلامية التي شهدنا انعقادها وتابعنا بياناتها وخطاباتها طوال العشرة أعوام الأخيرة. ولعل ما ميّز وامتاز به المؤتمر الأخير توافق واتفاق جميع من حضروه ومن شاركوا فيه “وهم يمثلون الطيف القومي الإسلامي من المحيط إلى الخليج” على التغني والإشادة وتمجيد الانتصارات “الوهمية” للأمة العربية التي كانوا يرثونها ويهجونها حيناً ويمجدون انتصاراتها أحيانا أخرى، وهي مفارقة تحتاج إلى طبيب ومحلل نفساني بارع يقف على ازدواجيتها بين المدح والهجاء، وبين الإشادة والرثاء وبين أوهام النصر وواقع الهزيمة.. وهي الهزيمة من الداخل التي تحولت بقدرة قادر في أعمال وفي خطابات المؤتمر القومي الإسلامي إلى “نصر مبين”، يتغنى بانتصارات العراق وانتصارات لبنان وانتصارات فلسطين على المشروع الأمريكي الاستعماري الصهيوني الماسوني..!!ودعونا نأخذ “الانتصارات” الموهومة واحدة واحدة لنقف على تباشير وتفاصيل نصرها العظيم الذي جاء ذكره في خطابات القوميين والاسلاميين الذين تغنوا به في مؤتمرهم.هل ما يجري في العراق من ذبح يومي وتفجيرات يذهب ضحيتها كل يوم، بل كل ساعة من ساعات الليل والنهار يعتبر انتصارا ويعتبر فتحا مبينا؟ حدثوا العاقل بما يليق يا جماعة “القومي الإسلامي” فما يجري في العراق لا يمكن النظر له من زاوية تورط الجيش الأمريكي وخسارة أفراده اليومية.. فهناك شعب عراقي بأكمله مرهون كل ساعة، بل كل دقيقة لموت مجاني بشع، أما تفجير في الأسواق وفي الطرقات، وفي المدارس والجوامع والمراقد والشوارع، وإما خطف وإما ذبح على الهوية.. ناهيك طبعا عن حالات الاغتصاب والتعذيب والسجن والاعتقال.. فحرب الميليشيات، في العراق هي الكارثة الكبرى التي يذهب ضحية لها الشعب العراقي البريء. لا يمكن أن نحكم على ما يجري في العراق ولا يمكن اعتباره انتصارا كما قال المؤتمر القومي الإسلامي فقط لأن الجيش الأمريكي يفقد جنودا هناك، أو لأن أحزابا وأفرادا من المجتمع الأمريكي يطالبون ويضغطون على الإدارة الأمريكية للانسحاب وحتى لو انسحبت أمريكا.. ماذا سيجري بين العراقيين وماذا سيجري بين الميليشيات المسلحة.. الوضع العراقي متمزق ومرشح لمزيد من التمزق على أيدي ميليشياته وطوائفه العراقية المدعومة للأسف ماديا وعسكريا ولوجستيا من بلدان في المنطقة، سواء بعض الدول العربية أو من إيران وهي التي تستقوي بها الحالة العراقية في حروب الميليشيات والأحزاب والطوائف وهي الكارثة التي تهدد حاضر ومستقبل العراق، ولا يمكن لعاقل منصف ان يعتبر ما يجري في العراق “انتصارا”، لكنه المؤتمر القومي الإسلامي الذي لا ينظر إلى الأمور ولا يحكم عليها إلا من زاوية واحدة فقط هي الخسارة الأمريكية حتى لو جاءت هذه الخسارة على حساب أرواح المواطنين العرب واحتراق بلدانهم عن بكرة أبيها، كما يحدث في العراق من اقتتال ومن ذبح عراقي - عراقي..!!وبنفس النظرة وبنفس المقياس والمعيار تناول المؤتمر القومي الإسلامي ما يجري في فلسطين وفي لبنان.. واعتبره انتصارا مبينا.. ولا نعلم من انتصر على من في فلسطين التي جرى الاقتتال فيها بين حماس وفتح وتعطلت الدولة والثورة وتورطت حكومة حماس في مسؤوليات ومهام اكبر من طاقتها ومن قدراتها، وجاع الشعب الفلسطيني أو كاد وهو يبحث الآن عن امن يحفظ به حياته بعد أن كان في مطلع استلام حماس للحكومة يطالب برواتبه التي انقطعت منذ شهور وشهور. فعن أي انتصار حدثنا المؤتمر القومي الإسلامي الذي “يصنع” داخل قاعاته الفخمة انتصارات وهمية يبني عليها خطابات “ثورية”مستعارة من الخمسينات والستينات في لغتها وفي مفرداتها وكلماتها وشعاراتها التي تبدأ بشتم الصهيونية والامبريالية والأمريكية والماسونية، وتنتهي بنفس السلسلة من الشتائم ورفع الشعارات المكرورة منذ اكثر من نصف قرن من الزمان العربي. وما زال المؤتمر القومي الإسلامي يرى أن “المقاومة هي السبيل الوحيد للتحرير”.. ولم يسأل المؤتمر نفسه.. مقاومة ماذا وكيف.. ومتى.. فالكارثة في العراق ليست بسبب الوجود الأمريكي الذي لا يرغب أصلا في البقاء.. ولكن الكارثة في القوى والأحزاب الطائفية والشوفينية والعرقية والعصبية وفيما يجري بينها.. أما “المقاومة” في فلسطين فهي مرد شعار لا ينسق مع واقع الاتفاقيات الدولية التي عقدتها المنظمة والتزمت بها دوليا، كما لا يمكن له الاتساق مع واقع حال الدول والأنظمة العربية ولا مع واقع حال النظام العالمي الجديد.. باختصار الدعوة لاعتماد المقاومة بوصفها “السبيل الوحيد للتحرير” هي دعوة للانتحار المجاني والجماعي ليس للشباب الفلسطيني وحده، وانما لشباب الامة العربية بأكمله الذي لم تهتم مؤتمراتنا القومية والقطرية بإعادة وبتجديد خطابها له على ضوء المتغيرات والتبدلات الكونية الكبيرة ومازلت تزج به مشحونا في معارك خاسرة أين منها معركة البقاء والتحدي بالعلم والمعرفة.ومع كل مؤتمر عربي سياسي أو فكري أو ديني أو ثقافي يعقد وتنفق عليه مئات الألوف من الدولارات يوميا وأسبوعيا وشهريا ودوريا.. يتبين لنا مدى حاجتنا الملحة لثقافة عربية جديدة تقدم خطابها الجديد بناء على الواقع لا على الأوهام ولا على الشعارات القديمة والتفكير القديم. نحتاج خطابا.. نحتاج فكرا.. نحتاج ثقافة تتجاوز بنا ثقافة الأزمات وأسلوب تدوير الأزمات.. ثقافة تفهم الواقع الكوني الجديد وقادرة في ذات الوقت على أن تتفاهم معه. وما عدا ذلك فسيكون تكرارا وإعادة إنتاج للأزمات والكوارث.----------[c1]* إعلامي بحريني[c1]
|
فكر
المؤتمر القومي الإسلامي.. تأخرت الساعة نصف قرن!
أخبار متعلقة