عمان /14 أكتوبر/ رويترز: بعد أن حل الملك عبد الله عاهل الأردن برلمانا منتخبا عقب مرور نصف دورته يرجح أن يحجم عن إجراء إصلاحات سياسية حقيقية.ولم يثر الحل المفاجئ الشهر الماضي للبرلمان البالغ عدد أعضائه 110 غضبا يذكر وربما يعكس هذا شعورا منتشرا بين الجماهير على نطاق واسع بارتكاب مخالفات في انتخابات عام 2007 التي أفرزت هذا المجلس.ولم يفسر الملك (47 عاما) الذي تولى العرش عام 1999 لماذا حل البرلمان.غير أن بعض الاقتصاديين يشيرون إلى أنه تم حل المجلس حتى يتسنى للحكومة تمرير ميزانية تقشف لكبح جماح الإنفاق الذي خرج عن نطاق السيطرة وسن قوانين لتعزيز الاستثمار بمرسوم.ولا يتوقع الكثير من دعاة الإصلاح حدوث تغيير جذري.ويقول طاهر كنعان النائب السابق لرئيس الوزراء “في الأعوام الأخيرة أصبحت التغييرات في البرلمان أو مجلس الوزراء مجرد جزء من صناعة الترفيه بالأردن.”كان الملك طلب من الحكومة صياغة قانون انتخابي جديد قبل الانتخابات التي ستكون “نموذجا للشفافية والعدالة” وهو اعتراف ضمني بهشاشة الانتخابات الأخيرة التي كان معظم الفائزين بها من الموالين من القبائل ورجال الإعمال.والبرلمان الذي رفض مشروع قانون لإصلاح الضرائب في أغسطس وسعى إلى زيادة الضرائب على قطاعات البنوك والتعدين والاتصالات ربما يكون عرقل ميزانية تهدف إلى خفض العجز إلى 3.9 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في عام 2010 عن نسبته البالغة 3 ر7 بالمائة.ويواجه سكان الأردن البالغ تعدادهم ستة ملايين نسمة اقتصادا منكمشا بعد ازدهار دام عدة سنوات أذكاه تدفق الاستثمارات الأجنبية وتحويلات الأموال من الأردنيين الذين يعملون بمنطقة الخليج العربية. وأغرت أوقات اليسر الحكومة بالإنفاق بحرية.وأضاف ميشيل مارتو وزير المالية السابق ورئيس مجلس إدارة بنك الإسكان للتجارة والتمويل “ألان أدركوا أنهم لا يستطيعون الاستمرار على هذا النهج وأن هذا يزعزع استقرار الاقتصاد بكامله.”ومن المتوقع أن يصل الدين العام إلى رقم قياسي يبلغ 14 مليار دولار هذا العام مقتربا من السقف القانوني ونسبته 60 في المائة من إجمالي الناتج المحلي حيث يقلل الكساد من الدخل المحلي والمساعدات الخارجية. ونسبة البطالة 13 في المائة تقريبا.غير أن مارتو قال إن الاقتصاد في حالة أفضل كثيرا مما كان عليه عام 1989 حين وصل الدين إلى ما بين 180 و200 في المائة من إجمالي الناتج المحلي وانهار الدينار.وكانت هذه الأزمة قد أسفرت عن أعمال شغب دفعت الملك حسين العاهل الأردني الراحل إلى إعادة البرلمان وإلغاء حالة الطوارئ التي فرضت منذ عام 1967. وفاز الإسلاميون بأربعة وثلاثين مقعدا من جملة 80 مقعدا في انتخابات عام 1989 التي خاضها المرشحون وسط موجة من الجدل السياسي.وضمن تطبيق نظام جديد للاقتراع عام 1993 بالتزامن مع مناطق انتخابية قسمت بعناية إلا يتكرر نجاحهم أبدا. ومال التمثيل نحو الدوائر الانتخابية الريفية القبلية المؤيدة للملكية وبعيدا عن المدن التي يغلب على سكانها الفلسطينيون حيث المشاعر الإسلامية قوية.وظل هذا الانحياز قائما ويرجع ذلك جزئيا إلى خشية المعارضة لمعاهدة السلام التي أبرمها الأردن مع إسرائيل عام 1994 وتحالف المملكة الوثيق مع الولايات المتحدة.وأضاف كنعان النائب السابق لرئيس الوزراء “أسفرت بارانويا الإسلام السياسي عن انتكاسة للديمقراطية لعل من أمثلتها القانون الانتخابي المثير للانقسامات والذي يجعل المنافسة السياسية قائمة على المشاعر القبلية وليس البرامج السياسية.”ولم يفز الإسلاميون سوى بستة مقاعد في انتخابات عام 2007 بعد أن كانوا فازوا بسبعة عشر مقعدا عام 2003 في تراجع يقول بعض المحللين انه يعكس فقد شعبيتهم وليس المعوقات التي ينطوي عليها النظام الانتخابي فحسب.ووصف ليث شبيلات وهو إسلامي معتدل الأردن بالدولة البوليسية التي لا يسمح فيها بوجود معارضة حقيقية.وقال “انا إسلامي لكن لم يسبق قط أن كان لي برنامج يتصل بالدين ولكن كان لي برنامج يطالب بالحريات والديمقراطية” متهما الغرب بالرياء في دعمه “دكتاتورية.”وأضاف شبيلات الذي سجن عدة مرات أن خمسة رجال اعتدوا عليه بالضرب في أكتوبر بعد أن انتقد الملك.وأمام الحكومة أربعة أشهر لتحديد موعد انتخابات جديدة لكن ساسة يقولون إن الدستور يسمح للملك بإرجائها.واستبعد نواف التل المسئول بوزارة الخارجية الذي يرأس مركز الدراسات الإستراتيجية بجامعة الأردن اتخاذ خطوات جريئة نحو الديمقراطية ما دام الصراع بالشرق الأوسط محتدما.وقال لرويترز “لا يمكن تدشين إصلاح سياسي مؤسسي على مسار مستديم ومتين ما لم يتحقق تقدم حقيقي على الأرض على صعيد القضية الفلسطينية.”وربما يمثل الثقل العددي للفلسطينيين في الأردن ومستقبلهم المحاط بالشكوك مشاكل حساسة لكن الدول العربية كثيرا ما استغلت الصراع كذريعة لإرجاء الإصلاح السياسي.ويدفع العنف في لبنان والعراق والأراضي الفلسطينية الأردنيين إلى التفكير مرتين قبل المناداة بالتغيير.وهناك الكثير من المتعاطفين مع الجماعات المناهضة لإسرائيل مثل حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) وحزب الله ألبناني لكن التفجيرات الانتحارية التي استهدف بها تنظيم القاعدة ثلاثة فنادق في عمان عام 2007 عززت المخاوف من انتشار أعمال العنف في المملكة.وقال التل “ألان يقدر الرأي العام الأمن ولم يعد يأخذه كأمر مسلم به.”وإذا كانت قيمة الاستقرار بالنسبة للأردنيين اكبر من قيمة الديمقراطية فربما لا يكون هناك حافز يذكر يشجع الملك عبد الله على الترويج لإصلاحات موجعة أو مواجهة مؤسسة راسخة متحفظة تجاه التحديث الذي قد يزعج شبكات المحسوبية الخاصة بها.وقال رامي خوري المحلل الذي يتخذ من بيروت مقرا له “حين تلقي نظرة على أنحاء العالم العربي (تجد أنه) ليس هناك الكثير من المجتمعات الهادئة المستقرة.“الأردن نموذج ناجح شئنا أم أبينا.”
أخبار متعلقة