دخلت السياسة منذ كنت صغيرا،واكتشفت في نهاية المطاف ،أن إقحام الدين في السياسة يضر بالدين ،لهذا أجد لزاما عدم إقحام الدين في السياسة،فالإقحام يعقد الأمور ويزيد من أوجاع الدين والمجتمع.ألا تعتقدون أن رجل الدين إذا أراد الجلوس في خيم السياسة، فعليه ان يتحدث باسمه الشخصي وليس باسم الدين.مشكلة عالم الدين إذا دخل دهاليز السياسة يقيس مواقف الناس بمقدار مايمتلك من معايير أخلاقية أو قيمية فيفصل للناس ثيابا سياسية حسب معايير دكان الخياطة الذي سجل باسمه .،فمن لايتناسب ومزاجه يصبح خارجاً على الدين ،ومن يتوافق مع آرائه فله الفوز بالدنيا والآخرة ،وهو أول الداخلين إلى الجنة.بسبب هذه الرؤية العقائدية الضيقة واستخدام السكينة الشرعية تجاه من يختلفون مع رجل الدين ،أجد إقحام الجبة الدينية في القضايا السياسية تزيد من تعقيد الساحة ،وتسبب إرباكات سوسيولوجية وسياسية وثقافية.هذا لايعني أن يفرض على رجل الدين الإقامة الجبرية في إحد مخادع الايديولوجيا ،وليس له الحق في أن يقدم آراءه ،ولكن إذا ما أراد الدخول لابد أن يلتزم بنقد الساحة ،وان يعترف ببشرية خطاباته وآرائه ،وانه لاتتعدى أن تكون خطاباته بشرية مثل بقية البشر وليست بالضرورة مباركة من السماء.رجل الدين كي يدخل للسباحة في البحيرات السياسية يجب ان يعتمد الخطاب العلمي وليس المنهج الفتوائي.أكثر ما أضاع الأمة الإسلامية هو إقحام ثقافة الفتوى في السياسة ،فأضاعت الأمة في كل شيء.الفتاوى صالحة لامور خاصة ومحدودة ،وقد تخطئ ،اما السياسة فلاينفع معها الا فكر المؤسسات.المشكلة بالطبع تكمن في الجمهور أيضا ،فهو يلاحق رجل الدين للافتاء في كل الحياة ،في السياسة وفي الاقتصاد وعلم الاجتماع والهندسة والوراثية والرياضات حتى يصدق هذا العالم أن الإفتاء أصبح سفرة نجاة لحلول كل قضايا العالم.شاهدوا التلفاز العربي ستجدون عالم الدين يسأل حتى في الذرة وهذا خطا يضر به وبالدين وبالعالم لان رجل الدين رجل محترم في تخصصه .هذا التماهي الاسقاطي السيكولوجي في تحويله الى العبقري الملهم والأسطورة والبطل الضرورة في عين المجتمع يقود إلى خلق مزيد من السلطات الأحادية البطركية في المجتمع.ومن شان ذلك أن يزيد من تعقيد الساحة وتحويل كل رجل دين الى امة تمشي على الأرض.إن ضرورة فك الاشتباك مابين الدين والتنظيم مسألة في غاية الأهمية، فإذا قلنا حزب إسلامي فهذا يعني انه يمثل الإسلام والاختلاف معه هو اختلاف مع الإسلام ذاته وهذا من شأنه أن يتحول الحزب مع مرور الزمن الى حزب صنمي لايمكن لك أن تختلف معه ،وإذا ما اختلفت معه في أي انتخابات او قضايا معيشية يصبح اختلافك مع الله ومع الملائكة ومع الأنبياء وهذا يعني في نهاية المطاف وجوب شنقك امام الملأ.يقول نيتشه:(من أراد أن يرتاح فليعتقد،ومن اراد ان يكون من حواريي الحقيقة فليسال).السؤال والمساءلة والنقد تقود الإنسان إلى التشكيك المعرفي وتقوده للخروج من سجن الايديولوجيات والمذاهب، من رجل مفتون بها أو بالخرافات البشرية التي علقت بها بسبب البشر والمصالح إلى رجل ناقد يأخذ ايجابياتها ويترك سلبياتها.عالم الدين بحاجة إلى عقل نقدي وليس إلى عقل وثوقي قطعي إذا ما أراد الإبحار في عالم السياسة ،ويحتاج لئن يمتلك عقلية تقوم على البرغماتية الايجابية والتحالفات والى المرونة مع الحياة والعصر وليس إلى الإحكام القطعية المسبقة حتى في قضايا السياسة.مشكلة رجل الدين ايضا انه يتعاطى مع المتغيرات برؤية مؤدلجة وذلك من شانه ان يربك الواقع والمجتمع أيضا.يقول اوسكاروايلد (إن الذي يغير العصر نحن وليس فقط المبادئ)) .ويقول هنري ثورو (الأشياء من حولنا لاتتغير نحن الذين نتغير)).من خلال تجارب عميقة أجد أن إقحام ديننا المقدس في سياسة مليئة بالشوائب والطحالب يقود إلى تشويه الدين ،خصوصا اذا اقحم الدين في دكاكين السياسة البرغماتية.فالدين دين وليس علبة سردين، فلنعمل على حفظه والحفاظ عليه بدلا من تحويله إلى مسلخ للأفكار على عتبات الأحزاب العصابية أو المجتمعات الراديكالية.ماشهدناه من ركامات متكدسة من الفتاوى على الشوارع العربية خلال سنوات مديدة يوصلنا إلى قناعة أن الدين يجرجر في القضايا الصحيحة وغير الصحيحة.نجد الفتاوى ونقيضها في الحرب والسلم في عهد الدولة العثمانية وفي عهد عبدالناصر والسادات وفي حرب الخليج الأولى والثانية وهكذا دواليك.فلنرحم الدين ولنقل للعالم هذه اراؤنا وليست بالضرورة اراء الدين.هل نمتلك الجرأة- نحن علماء الدين- بمصارحة الناس أن بعض مانقوله ليس بالضرورة هو موقف الشرع وموقف الدين؟وهل نعلم الناس ان من حقهم نقدنا بالاسلوب الحضاري ،وأننا بشر مثلهم ،لسنا ملائكيين لافي الآراء ولافي النقد، وأننا لسنا فوق النقد كماهي الحكومات والأنظمة وبقية الأحزاب؟نعم يوجد من علماء الدين من يرون ذلك في العالم الإسلامي ،ولكنهم قلة، فهل من أناس ليعلقوا جرس النقد في عنق الأسد؟أتمنى ذلك! [c1]- كاتب وسياسي بحريني[/c]
|
فكر
لهذه الاسباب.. لايجوز لعالم الدين التدخل في السياسة
أخبار متعلقة