عبد العزيز العلي الخلوة غير الشرعية أو الخلوة المحرمة مصطلح لم نكن نسمع عنه من قبل إلا في برامج الفتاوى الإذاعية كبرنامج نور على الدرب أو في الخطب ومجالس الوعظ وذلك في سياق تحريم الخلوة بين الرجل والمرأة، فلقد كانت تصدر كثير من الفتاوى المحرمة لكثير من الممارسات الاجتماعية بحجة أنها من الخلوة المحرمة.وكانت اللجنة الدائمة للإفتاء وكبار العلماء يفتون أن كل لقاء بين رجل وامرأة أجنبية عنه يعتبر خلوة غير شرعية بالاطلاق ولو كان على مرأى من الناس سواء كان في فضاء أم سيارة أو سطح بيت ونحو ذلك. وكذلك ركوب المرأة لوحدها مع السائق من غير محرم تعتبر من الخلوة المحرمة وركوبها لوحدها مع التاكسي وركوبها أيضا مع رجل أجنبي في المصعد وخلوها مع الرجل في المتجر وعند الطبيب إلى غير ذلك من الصور حتى أصبحت مثل تلك الفتاوى تجمع في كتيبات تحت مسمى (فتاوى تحريم الخلوة والاختلاط) ويتم توزيع ملايين النسخ منها في كثير من الأماكن العامة, ومع استحداث وسائل التقنية كالجوال والانترنت اتسعت وازدادت لديهم صور الخلوة المحرمة لتشمل برامج المحادثة وغرف الدردشة (الشات والماسنجر) والهاتف المرئي.حتى أصبح لدى عامة أفراد المجتمع من جراء ذلك الزخم الهائل من تلك الفتاوى هوس بتحريم الخلوة حتى طالعتنا إحدى الصحف المحلية بخبر تطليق رجل سعودي لزوجته بسبب مشاهدتها لبرنامج تلفزيوني يقدمه رجل محتجا بأنها أقدمت على خلوة محرمة مع رجل فطلقها لذلك وطلب منها ترك البيت لأنه يعتبر مشاهدة زوجته لرجل على شاشة التلفاز لوحدها هو خلوة محرمة وطلب من المحكمة توثيق ذلك الطلاق!!ولكن وفي السنوات الأخيرة لم تعد مسألة الخلوة المحرمة مسألة فتوى وموعظة وخطبة فحسب بل أصبحنا نسمع ونقرأ مؤخرا عن أحكام وعقوبات قضائية تصدر بتهمة الوقوع في الخلوة المحرمة ليس لأنها لم تكن موجودة من قبل بل لان الانفتاح الإعلامي جعلها تطرح علنا في وسائل الاعلام حتى أصبحنا نقرأ من حين لآخر عن قضية هنا وعن قضية هناك جامعها التهمة بالخلوة غير الشرعية.فلقد نشرت صحيفة الوطن يوم الأربعاء الموافق 30 اكتوبر2008 أن هيئة التحقيق والادعاء العام في العاصمة السعودية الرياض بدأت بالنظر في قضية مسنة سعودية في السبعين من العمر اتهمت بخلوة غير شرعية حيث قامت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في شهر رمضان باعتقالها من منزلها بتهمة الاختلاء مع رجل أجنبي عانها علما أن تلك المرأة المسنة فقيرة وليس لديها عائل ومصابة بعدد من الأمراض ولديها 4 بنات، إحداهن معاقة وتعتمد بعد الله على إعانات المحسنين في إعالتهم.وقد كان أحد المحسنين يقوم بزيارة لتفقد أوضاعها واحتياجاتها ومساعدتها ماديا فتم في وقتها اعتقالهما من قبل الهيئة بحجة الخلوة المحرمة!ليست هذه الحادثة من النوادر وليست هي الأولى من نوعها فلقد شهد العامان الماضيان العديد من حوادث الاتهام بالخلوة الغير شرعية على مستوى شرائح مختلفة ومتنوعة بالمجتمع . فقد نشرت صحيفة (المدينة) قضية الدكتور محمد ابورزيزة الأستاذ بكلية التربية بجامعة أم القرى والذي حكم عليه بسجن 8 اشهر وجلد180جلدة بتهمة الخلوة بإحدى الطالبات في احد المقاهي العامة، والذي صدر بحقه بعد ذلك أمر سامي بتبرئته وتبين بعد ذلك أن ماحصل معه إنما كان مكيدة مدبرة من قبل بعض منسوبي هيئة الأمر بالمعروف وذلك بعد صدور انتقادات منه لبعض ممارسات أعضائها .ونشرت صحيفة الحياة في 1 مارس2006 أن عاملة فلبينية لم يمض على إسلامها سوى سنة واحدة تم القبض عليها بحجة خلوة محرمة وذلك عندما كانت تتجول برفقة زوجها في أسواق البطحاء بمدينة الرياض ورغم أن الزوج ابرز لهم وثيقة الزواج الموثقة من السفارة الفلبينية الا أن ذلك لم يشفع لهما حيث أمضت تلك المسكينة مالايقل عن عشرة أيام في سجن الملز النسائي إلى أن تم إطلاق سراحها بحجة أنه لم تثبت عليهما تهمة الخلوة المحرمة !!وكذلك نشرت صحيفة (ارب نيوز في) 5 فبراير 2008 أن سيدة الأعمال السعودية يارا البالغة من العمر 40 سنة والتي تعمل مستشارة مالية في إحدى الشركات بجدة كانت قد قدمت لمدينة الرياض من أجل افتتاح الفرع الجديد للشركة واضطرت بسبب انقطاع الكهرباء أن تتناول القهوة مع زميلها في مقهى ستارباكس لتفاجأ بأحد أعضاء الهيئة يطلب منها ركوب سيارة الهيئة لتحويلها للمركز بحجة وجودها في خلوة محرمة و إجبارها بعد ذلك على توقيع إقرار بذلك وتحويلها بعد ذلك لسجن الملز النسائي حيث أمضت بضع ساعات إلى أن علم زوجها بالأمر وتدخل لإطلاق سراحها. ونشرت صحيفة عكاظ في 8 أكتوبر 2008 حادثة مفادها أن شابا أصيب بنزيف وكسر في الأنف وذلك نتيجة اشتباك وقع بينه وبين أعضاء من الهيئة وذلك لمنعهم من اقتياد فتاة كانت برفقته إلى دورية الهيئة وذلك بعد أن تم إيقاف سيارته واعتراضها بالقوة من قبل دورية الهيئة والذي اتضح لاحقا بأن الفتاة التي كانت برفقته هي زوجته وبناء على ذلك أبطلت شرطة المدينة المنورة تهمة وقوعهما في خلوة محرمة لعدم ثبوت ذلك عليهما. أحداث متنوعة وعجيبة لدينا تكون نهاياتها بالتعهدات والايقافات والسجن والجلد والقاسم المشترك بينها تهمة الخلوة المحرمة فمن سبعينية إلى أكاديمي جامعي إلى سيدة أعمال إلى حديثة عهد بإسلام جميعهم انتهكت حقوقهم تحت ذريعة الخلوة غير الشرعية. تلك الحوادث تدل على أننا نعاني من خلل كبير في توصيف وتحديد مفهوم الخلوة غير الشرعية التي نهى عنها النبي عليه الصلاة والسلام, فكثير من الفقهاء يرون أن الخلوة المحرمة هي بأن يكون الرجل والمرأة في مكان يأمنان من أن يطلع عليهما أحد من الناس فإذا كان يمكن لأحد أن يفاجئهما بالدخول في أي وقت دون إذن أو تنبيه فلا خلوة حينئذ ويعبرون عنها كذلك بأنها ماتغلق فيها الأبواب وتسدل فيها الستر بحيث يتمكن الشخص من فعل مايشاء وهو آمن.جاء في الموسوعة الفقهية «من الخلوة المباحة انفراد رجل بامرأة في وجود الناس»وجاء في فتوحات الوهاب المعروف بحاشية الجمل «وضابط الخلوة اجتماع لا تؤمن معه الريبة عادة بخلاف ما لو قطع بانتفائها عادة فلا يعد خلوة».وقد سأل المروذي الامام احمد بن حنبل كما في الفروع 5/109»عن الكحال يخلو بالمرأة وقد انصرف من عنده هل هي منهي عنها؟ قال أليس على ظهر الطريق قيل: نعم قال إنما الخلوة في البيوت» ما يدل صراحة على أن الخلوة المحرمة لاتعتبر في الأماكن العامة كالأسواق والمتاجر وأماكن العمل والمنتزهات ونحو ذلك . إن ما يقوم به بعض أعضاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من القبض على عدد من النساء والرجال بحجة الخلوة المحرمة مسوغه ومبرره هو تلك الفتاوى التي أعطتهم الحق لتلك التصرفات والتي تمنحهم الحق في توجيه الاتهام والقبض على أي امرأة تركب مع التاكسي أو مع السائق الأجنبي أو تكون مع رجل أجنبي لوحدها في المصعد أو العيادة أو المتجر بحجة أنها خلوة محرمة!! ومن الغريب أن كبار العلماء يفتون بأن ركوب المرأة لوحدها مع السائق داخل المدينة خلوة محرمة وكذلك مع التاكسي حتى لو اضطرت إلى ذلك لعلاج أو عمل وفي المقابل يحرمون على المرأة أن تقود بنفسها السيارة!! فلاهي تستطيع أن تقود سيارة ولاهي تستطيع أن تركب مع سائق اذ لا يمكن عقلا أن يلازمها محرم وظيفته المحرمية فحسب! وقد سئلت اللجنة الدائمة السؤال التالي فتوى رقم (20914) والدتي مصابة بمرض الفشل الكلوي، وهي تذهب إلى المستشفى ثلاث مرات كل أسبوع، وهي تذهب مع سائق، وهو متزوج ويوجد لديه أولاد، وتذهب الوالدة معه دون وجود محرم؛ نظرا لقسوة الظروف وشدة الحاجة، ولأن الوالد مقعد ولا يستطيع الذهاب معها. فهل يجوز للوالدة أن تقوم بالركوب مع السائق دون محرم؛ نظرا لأن لديها أولادا ولكن لا يكونون متواجدين في الوقت الذي تذهب مع السائق فيه، فهم يكونون في المدرسة، ولكن الحاجة ماسة وضرورية جدا. أفتونا جزاكم الله خيرا. فكانت الإجابة إذا أرادت والدتك أن تذهب إلى المستشفى فإنه يذهب معها أحد محارمها، ولا تذهب مع السائق الأجنبي وليس معهما محرم؛ لعموم قوله -صلى الله عليه وسلم-: «ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما» ووجودها مع السائق في السيارة بدون محرم خلوة. وبالله التوفيقفهل ياترى يجب على تلك المسكينة أن تنتظر إلى أن يتفاقم معها مرضها بسبب عدم وجود محرم لها يرافقها من أجل أن تنتفي خلوتها مع السائق! كذلك يرون أن خلو المرأة مع الرجل في المتجر هو خلوة محرمة وهم في الوقت نفسه منعوا وحرموا أن تقوم المرأة بالبيع في محلات الملابس النسائية واعترضوا على ذلك بشدة وهذا تباين غريب وعجيب منهم ! لقد غدت قضية الاتهام بالخلوة غير الشرعية هاجس يؤرق الكثيرين من الرجال والنساء في المجتمع السعودي فلم يعد أحد في مأمن أن توجه إليه تلك التهمة بكل سهولة ويصدر تجاهه إيقاف وحكم قضائي بسبب ذلك. حتى الرجل مع زوجته هو مهدد في أي لحظة لمثل ذلك الاتهام وعليه حينها أن يثبت أن المرأة التي معه هي زوجته, وقد حصلت حوادث اتهام لبعض المتزوجين في بعض الأماكن العامة كالمنتزهات البحرية والبرية بالخلوة غير الشرعية فإذا لم يكن يحمل وثيقة الزواج فليس أمامه من خيار إلا التوجه إلى مركز الهيئة للتحقق والتثبت من العلاقة بين الرجل والمرأة.وأصبح الكثير من الرجال و النساء لدينا من المثقفين ورجال الأعمال وغيرهم ممن يحتاجون للقاءات عمل أو دعوة أو ضيافة في الأماكن العامة كالمقاهي والمطاعم ونحو ذلك يخشون من التسلط عليهم بسيف الخلوة المحرمة خصوصا أن الفتوى والقضاء الشرعي يساند ويدعم إصدار عقوبات بالسجن والجلد لمن تثبت عليه تلك الخلوة المزعومة وان كانت على ملأ من الناس. ذلك كله يجعلنا أن نعيد النظر بجدية في مفهوم وحدود الخلوة غير الشرعية خصوصا مع الانفتاح الحضاري الكبير الذي تشهده بلادنا. [c1] كاتب سعودي[/c]
|
فكر
عجوز في خلوة غير شرعية!!
أخبار متعلقة