الدعوة إلى الأفضلية والأسبقية ليست إلا شكلاً جديداً من أشكال انفصالية .. انها انفصالية جديدة .. ولئن كان بعض أصحابها يصدرونها عن جهل وحسن نية فإن البعض الآخر- وانتم تعرفونهم جيداً - مغرضون يتعمدون هذه الدعوة لإظهار بعض الهيئات والعناصر الوطنية بمظهر العدو لعدن وللعدنيين بغية تمزيق وحدة الوطنيين وضرب أبناء الجنوب بعضهم ببعض...وهكذا يلتقون مع الانفصاليين والقدامى .. ويستعيرون نفس أسلحتهم المسمومة القذرة .وما أسخف وأعجب ما يقوله دعاة الانفصالية الجديدة لتبرير دعوتهم :يقولون : (إن التعدين مشروع خاص بالوظائف ليس له أي علاقة سياسية) .ونحن مستعدون أن نتقبل مثل هذا الكلام من إنسان جاهل لم يقرأ شيئاً من المشروع ولا يدرك طبيعة الاستعمار .. أما أن يصدر هذا الكلام من ناس مسؤولين في هيئات سياسية ونقابية ويفترض فيهم الفهم والوعي .. أمر يدعو إلى الرثاء والاشفاق .أفلم تنشر الحكومة بياناً عن المشروع يعرف العدني حسب المفهوم الانفصالي ؟ أليس معنى ذلك أن المشروع ليس الا تطبيقاً عملياً للسياسة الانفصالية الرسمية تحت ستار التعدين ؟ وهل هناك من يجهل أن الاستعمار لا يوظف في المراكز الحساسة الخطيرة إلا إتباعه وعملاءه والذين ارتبط مصالحهم ببقاء الاستعمار ليكونوا أعواناً له ومخالب قط ضد الوطنيين الأحرار تماماً كما هي سياسة الاستعمار في كل زمان ومكان ؟أذن فمشروع التعدين مشروع سياسي بالدرجة الأولى لخدمة أهداف سياسة استعمارية ..ويقولون : (إننا لانريد أن يشعر مولود عدن أن القومية العربية ستكون على حسابه).أهذا كلام يقال ؟ ألا يوجد من يقول لهم : عيب .. اسكتوا إنكم بذلك تسيئون إلى مولود عدن العربي نفسه .. أليس هو عربياً وقومياً أيضاً .. أليس هو واحد ممن يصنعون القومية العربية في هذا الديار بالاشتراك مع أخوانه من أبناء اليمن والإمارات .. فكيف تكون القومية خطراً عليه ؟وإذا كان هناك من مواليد عدن العرب من يتوهم ذلك فهو أما أن يكون جاهلاً مخدوعاً .. وواجبنا في هذه الحالة أن نشرح له خطأه ونبصره الاتجاه الصحيح .. وأما أن يكون مغرضاً وصاحب مصلحة شخصية.ومثل هذا الإنسان لايمكن إقناعه ولا داعي حتى للاهتمام به .. بل علينا محاربته وعزله عن الشعب .ومن ثم فالذين يدعون إلى الأفضلية لكي لايشعر مولود عدن أن القومية العربية ستكون على حسابه كما يدعون .. إنما يعالجون الخطأ بالخطأ. ولكي أزيد الأمر وضوحاً وأقربه إلى الأذهان أضرب مثلاً كبيراً مجسداً فأقول : أن مثلهم كمثل الذين يطلبون من سوريا أن لا تشتري السلاح من الاتحاد السوفيتي وأن لا تعقد معه أية اتفاقية لكي لاتتهمها أمريكا بالشيوعية .. ولا يهمهم في شيء أن تبقى سوريا ضعيفة ولقمة سائغة لإسرائيل والاستعمار الأمريكي . وهكذا يعالجون خطأ موقف أمريكا من سوريا بخطأ آخر أكبر وأشنع .وأكثر من ذلك أن دعاة الانفصالية الجديدة فيما يبدو لايثقون بالشعب .. وهم يتوهمون أن مولود عدن العربي لايمكن أن يفهم الحقيقة مهما شرحت له .وعلى هؤلاء أن يذكروا مصير الانفصالية (القديمة) .. انفصالية الحكم الذاتي .لقد حاول أولئك الانفصاليون في الماضي أن يوهموا مواليد عدن العرب أن مواليد اليمن والإمارات يشكلون خطراً عليهم ، فهل صدقهم أحد ؟.. وهل وجدوا من يتبعهم سوى قلة من الناس معظمهم من أصحاب المصالح وطلاب الترقيات والعلاوات؟.الم يقف في وجههم الكثيرون من مواليد العرب الأحرار الشرفاء جنباً إلى جنب مع أخوانهم من مواليد اليمن والإمارات؟إذن .. فلماذا الدعوة إلى الأفضلية إن لم يكن لغرض إثارة الخلافات والانقسامات وتفريق سير الركب الوطني ؟..أن شعبنا يكافح ويناضل من أجل مجتمع جديد سعيد تظلله مبادئ القومية العربية .. ويقوم على أساس من المساواة وتكافؤ الفرص للجميع .. لا من أجل أن يتربع البعض على الكراسي والمناصب في كنف الاستعمار.. ولا من أجل أن تصبح عدن ضيعة أو قطاعية لحفنة من الناس يستأثرون بخيراتها.. وهم الذين لوح لهم الاستعمار بمشروع تعدين الوظائف فسال لعابهم وخلعوا عنهم أردية القومية العربية .. وظهروا على حقيقتهم كمهوشين ومهرجين وطلاب وظائف.إننا نحن الذين ندعو إلى الاتحاد الوطني .. نريد اتحادا صلباً نظيفاً .. ولا نريد أن نتحد مع المنحرفين ودعاة التفرقة والعناصر المخربة.فلنعرف أن الميوعة السياسية التي يقابل بها البعض مثل هذه الدعوات الانفصالية لا تخدم الحركة الوطنية بل هي تفريط شائن مخز يجب أن يتنزه عنه جميع الوطنيين .[c1]*عبدالله باذيب البعث - العدد 151 - 1 أكتوبر 1957م[/c]
دعاة الانفصالية الجديدة
أخبار متعلقة