أبوح لكم
بادرني بسؤاله قائلاً : ما الذي حدث لأغنيتنا اليمنية في الأعوام الأخيرة؟.. تلك الأغنية صاحبة الأمجاد الرائعة .. ما الذي حدث لها حتى وصلت إلى ما هي فيه، بعد ذلك الماضي المشرق؟!والواقع .. أنني لم أفاجأ بسؤال صديقي العائد من الاغتراب.. لأنّه سؤال دائماً ما يبادرني به كثير من محبي الأغنية اليمنية.. وفي رأيي أنّ السؤال بصيغته تلك فيه نوع من التجني على أغنيتنا اليمنية!!فهل هي سيئة إلى هذا الحد؟!.. وهل هي حقاً في أزمة مثلما يحلو للبعض أن يقول؟!الواقع الراهن للأغنية يقول : نعم .. هي في أزمة فعلاً .. فما سمعناه في الأعوام الأخيرة يؤكد هذا .. ولكن، ما نسمعه حالياً، هل هو أفضل ما يمكن سماعه من أعمال غُنائية من فنانينا المبدعين؟!أقول بثقةٍ، ومن واقع معايشتي لكثيرٍ من فنانينا، وخصوصًا الشباب منهم، في مختلف المحافظات اليمنية، وسماعي لأعمالهم.. أقول : لا .. فما نسمعه من أعمال، وبالذات في المناسبات الوطنية أو من الفضائية والقناة الثانية، ليس هو افضل ما في جعبة مبدعينا!!إذاً.. لماذا لا نسمع هذا الأفضل؟.. سيسأل البعض؟!فأجيب : نحن السبب .. نعم وبمنتهى الصراحة أقول : نحن السبب .. ونحن هذه تنطبق على كل من يتحمل مسئولية فنية في هذا البلد!!نحن في الصحافة الفنية .. من خلال صمتنا الغريب عن كل ما يحصل في حياتنا الفنية، من خلال تجاهلنا لبعض الأعمال الجميلة التي ظهرت دون أن تجد قلماً يقول لأصحابها (أبدعتم)!!.. ونحن نسمع ونشاهد الأعمال الرديئة تطرد الأعمال الجيدة وتستولي على فعالياتنا الفنية.. فلا نصرخ بأصحابها : كفاكم عبثاً بأذواق الناس!!نحن .. من خلال سماحنا لبعض الكتابات الضعيفة والمنافقة أن تسيطر على صفحاتنا الفنية دون التصدي لها بالكتابات الجادة والجيدة، والاكتفاء بمصمصة الشفاة، والانكفاء في إحباطاتنا وانغلاقاتنا هازين "أكتافنا : ونحن ما لنا؟!نحن، في وزارتي الثقافة والإعلام.. ماذا عملنا لتطوير وحماية وتوثيق فننا الغُنائي ونحن مسئولون عنه عملياً؟!.. هل خططنا ونفذنا؟! هل خدمنا الأغنية فعلاً، أم اكتفينا بانتظار المناسبات الوطنية لتقديم حفلات ضعيفة المستوى.. ما أن تنتهي المناسبة حتى نتنفس الصعداء في انتظار مناسبة أخرى بعد أشهر.. وكأن الفن هو فن المناسبات التي تتيح لمديري مكاتب الثقافة ومسئوليها في المحافظات ممارسة الهبر على حساب المبدعين.. بل أننا لا نقيم حتى ما قدمناه سلباً وإيجاباً!!أما زملائنا في الإذاعة والتلفزيون (الفضائية اليمنية / ق 2/ البرنامج العام البرنامج الثاني فإنني أقول صراحة : إنّهم يتحملون أكبر مسئولية في ضعف مستوى أغنيتنا وهبوط مستواها!!فقبل سنوات.. وفي ظل اختفاء الحفلات العامة من حياتنا، كانت الإذاعة والتلفزيون همزة وصل بين الجماهير وفنانيهم الذين كانوا يقدمون الأعمال الفنية العظيمة، من خلال تسجيلهما لهذه الأعمال وتقديمها بشكل دائم.. وقبل سنوات كان تلفزيون عدن يقدم أجمل السهرات الفنية لكبار فنانينا، ويسجل أعمالاً رائعة لفنانين من مختلف المحافظات اليمنية.. وكان التلفزيون يقدم هذه السهرات والأغاني بشكل دائم، واستطاع التلفزيون أن يؤرشف أهم وأعظم الأعمال والأغاني اليمنية لكبار فنانين اليمن.ولكن .. رميت هذه الأعمال المهمة والوثائقية داخل أشرطة في غرف مغلقة كئيبة عبثت بها الأتربة والإهمال.. وحتى عندما نقلت بعضها إلى الفضائية اليمنية، لم تجد الاهتمام والاحترام الذي تستحقه كثرات فني عظيم لمبدعين كبار رحل بعضهم، وتوقف بعض آخر عن العطاء، وانتقلت فقط من مكتبة تلفزيون القناة الثانية الكئيبة إلى مكتبة الفضائية الأكثر أناقة ونظافة!! هذا موضوع سنتحدث عن تفاصيله قريباً؟!تلاشى إذن الدور العظيم الذي كانت تؤديه الإذاعة والتلفزيون، حين اكتفى التلفزيون بنقل بعض الفعاليات المتواضعة من المسارح، أو تقديم سهرات فنية يشارك فيها نخبة مختارة من أصحاب الأصوات المشروخة.. بينما يحسب لإذاعة البرنامج الثاني اعتمادها على ما لديها من أغانٍ قليلة قديمة وتقديمها الدائم لهذه الأعمال الوثائقية المهمة.اسألوا المسئولين في الإذاعة والتلفزيون كم عدد الأغاني التي تم تسجيلها (توثيق) خلال العشر سنوات الأخيرة، ولمن من الفنانين؟!أسألوهم ماذا تعمل أقسام الموسيقى والمنوعات عندهم.. ومن يشرف من الموظفين / لا المبدعين!!/ على هذه الأقسام .. وما هو دورها في تطوير وتوثيق الأغنية اليمنية وتقديمها بأفضل شكل ممكن!!إنّ انتماء هؤلاء المبدعين إلى هذه الأرض، وإيمانهم بأنّ أعمالهم الفنية يجب أن تقدم من هنا، من الداخل.. جعلهم يعانون الإهمال الفني لإبداعاتهم.. ونتيجة طبيعية لكل هذا الذي يحدث.. اصبحنا نسمع أغانينا اليمنية من الخارج بعد أن تتعرض للسرقة والتشويه، أو نسمع بعض الأعمال الجديدة عبر الكاستات التي تصلنا من الدول المجاورة لمجموعة من مبدعينا الذين أحسوا بأهمية إيصال إبداعاتهم إلى جماهيرهم.. فاضطروا إلى تقديمها عبر هذه الطرق التجارية، بعد أن عجزوا عن تقديم هذه الأعمال عبر القنوات الطبيعية في الداخل!!والحل .. ما هو الحل أيُّها الأخوة؟!أؤكد أنّه ليس حلاً صعباً.. الحل هو الاستفادة من الكوادر المبدعة في جهازي الإذاعة والتلفزيون ووزارتي الإعلام والثقافة، وإلغاء قرارات إحالة أهم المبدعين إلى المعاش.. وتنظيم أقسام المنوعات والموسيقى ليقومان بدوريهما في التنسيق بين هذه الأجهزة وفنانينا لتسجيل وتوثيق إبداعاتهم واستضافتهم في مختلف برامج السهرات والمنوعات، بدلاً من استضافة كل من هب ودب في هذه السهرات.. وأهم من هذا هو إذاعة هذه الأعمال الجميلة بدلاً من الأعمال والأغاني الضعيفة المستوى التي نشاهدها أسبوعياً في الفضائية والقناة الثانية.الحل هو أن لا يتحول جميع موظفي الإذاعة والتلفزيون إلى معدّين لبرامج المنوعات حيث يعدون السهرات بالتلفون لمجرد الهبركيشن. بل عليهم أن يستعينوا بكوادر إبداعية وقادرة على تغطية هذه الجوانب مثلما تعمل إذاعات وتلفزيونات العالم!!الحل هو تقديم حفلات فنية تليق بالمناسبات العظيمة التي تُقام من أجلها هذه الحفلات.. وأن يكون اختياراً موفقاً للمشاركين في هذه الحفلات، لا أن تتحول إلى فرصة لمجاملة بعض على حساب الإبداع الحقيقي وعلى حساب الفنانين الحقيقيين!!الحل .. هو أن يتخلى السيد وزير الثقافة عن المزاجية في اختيار المبدعين في الفعاليات الخارجية، وأن يتم اختيار أعضاء وعضوات الوفود المشاركة في هذه الفعاليات عبر لجنة فنية، دون الخضوع لمزاج الوزير في اختيار المقربين منه من الأحباب والأصحاب!!الحل.. هو أن نتيح الفرصة لهؤلاء المبدعين لتقديم إنتاجاتهم.. وبعد ذلك نتحدث عن مستوى وأزمة الأغنية.. وأن تشكل لجان مصنفات تختار الجيد وتلغي الردئ!!.. وتجيز أصوات كثير من المواهب التي ظهرت، وتقدم لها دعماً حقيقياً للظهور والتطور.. الحل هو أن نعطي العيش لخبازينه!!وما زال الموضوع يحتاج إلى مزيدٍ من النقاش.. فهل تشاركون أيها الزملاء والأحباء بدلاً من هذا الصمت المريب!!