محمد زكريا لم تحظ شجرة بالاهتمام وإذا شئت قل بالعشق والحب من قِبل كثير من الشعراء الشعبيين اليمنيين مثلما حظيت به شجرة القات التي هاموا بحبها ، ووقعوا في شباك غرامها ، فتفنن البعض في مدحها ، فوصفها بأنها غصن ( البانة ) باللهجة اللحجية العريقة النابعة من أعماق بيئة لحج الخضراء , وغصن البانة تعنى الفتاة الرشيقة ، هيفاء القوام أو قل الغزال في حركته و الطاؤوس في مشيته ، والبعض ذكر أوراق القات بلون الزمرد ومثلما كان للقات أنصاراً كثر من الشعراء الشعبيين ، كان أيضاً للقات خصوماً لا يستهان بهم من الشعراء الشعبيين الذين هاجموه هجوماً شديداً بسبب أضراره الناجمة وانعكاساته الخطيرة على الحياة الاجتماعية. ولقد سجل الرحال ابن بطوطة المتوفي سنة ( 779 هـ / 1378م ) في رحلته إلى اليمن عن القات في عهد الدولة الرسولية التي حكمت اليمن أكثر من مائتي عام ( 626 ـــ 858هـ / 1228 ـــ 1454م ) . وسجل أيضاً عدد من الأوربيين في رحلاتهم الذين زاروا اليمن في الماضي البعيد انطباعاتهم عن القات الذي ألقى بظله على مختلف عادات وتقاليد اليمن . [c1]“ سامر على الورد والحنا "[/c] تغزل الكثير من الشعراء الشعبيين اليمنيين ــــ كما قلنا سابقاً ـــ بالقات وهم الطائفة المؤيدة له أو قل إذا شئت حزب القات الذين يناصروه ، ويذودون عن حياضه . وكان من بين هؤلاء الشعراء الشعبيين أمير القوافي الأمير الشاعر أحمد فضل القومندان المتوفي سنة ( 1943م ) الذي أسهب في مدح القات أو بتعبير آخر في وصف القات . فقد أتخذه رمزاً يناجي فيه معشوقته التي خلبت عقله ،وأطارت النوم عن عينيه ، وجعلته شارد البال ، وأخذ يبث شكواه ونجواه إلى أوراق القات الخضراء عن حبيبته التي تفننت في تعذيبه ، فكوت قلبه المتيم بها . فنرى شعره الشعبي الجميل ، ينساب انسياب الماء العذب الرقراق في الجندول . فينشد ، متسائلاً في بداية شعره ، قائلاً : هل أسمعك فضل يوماً في الغنا ما أعاني وكيف صاد المها قلبي وماذا شجاني وأنت بالعود تتهنا وطعم المثانيفهل دعاك الهوى يوماً كما قد دعاني[c1]وفي قصيدة أخرى من قصائده الشعبية البديعة عن القات التي حملت عنوان ( نجيم الصباح) ، فيقول : [/c]نجيم الصباح ، إيش جلسك بعد ما غبناسامر على الورد والحناسامر على الفن وآلمعناهذا مبرّح وهذا مثنىاعطف على الصاحب المضنى باجي مبكر وباتعنا وكلما عوّدوا عدنا نجيم الصباح ،طاب السمر ، كلنا طبنا[c1]ويمضي في شعره العذب ، فيقول : [/c]نجيم الصباح ،شوّع غبش فوق غصن القات وذي الهوى أمرها هيهات تعزف لنا من هوا حقات بتنا ثمالى من الساقين والقات[c1] الرحال نيبور[/c] ومثلما شد القات اهتمام الشعراء الشعبيين اليمنيين العميق ، جذب أيضاً أنظار الرحالة الأوربيين الذين تحدثوا عن انطباعاتهم عن القات . وهذا الرحال الألماني كريستين نيبور الذي زار اليمن في ديسمبر سنة 1764م ، والتقى بعامل تعز في مجلسه . فيصف القات ، قائلاً : " إنه عبارة عن أغصان رطبة من شجرة معينة ، يستعملها اليمنيون لتمضية الوقت ، مثلما نستعمل نحن النشوق ومثلما يستعمل الهنود التنبل ، ولكننا لم نستسغ طعمه مع أنّ اليمنيين يجدون طعمه لذيذاً " . " ويأتي نيبور على ذكر القات مرة أخرى في سياق حديثه عن استعدادات اليمنيين في تعز لاستقبال العيد ، حيث جهز المواطنون أنفسهم بمحتاجات ( حاجيات ) العيد وبالقات ... ويروي نيبور أنه شاهد القات بعد ذلك في المناطق الجبلية لدى الأعيان ، وأنّ الولع به يعتبر من مكملات الشخصية المحترمة ، وأنّ صحاح الأسنان يمضغونه مباشرة وهو في نفس الحالة التي يقطف فيها من الأشجار ، أمّا الذين ليست لهم أسنان سليمة ، فإنهم يلجؤون ( يلجئون ) إلى دقه في مدق الهون قبل وضعه في أفواههم " . [c1]القات و هولفريتز[/c] ويذكر رحال ألماني اخر زار اليمن سنة 1934م القات وهو هانز هولفريتز في ، ولكنه تم القبض عليه من قبل سلطات الإمام يحيى لكونه دخل مملكة الإمام دون أذنه ومن الباب الخلفي أي أنه تسلل إلى اليمن من المناطق المحرمة التي أعلنها إمام اليمن وتحديداً من الربع الخالي . فهو يصور لنا مشاهد من مجلس القات عند قائد حرس السجن والذي كان محبوساً في غرفته ، قائلاً : " وفي الساعات المتأخرة من بعد الظهيرة ، عندما ينتهي العمل الرسمي ، وتدنو ساعة تعاطي القات الذي لا غنى عنه يكتظ مكتب الضابط ، بالأصدقاء والمعارف ، من ضباط ، وتجار ، بحيث لا يبقى ثمة مجال لجلوس إنسان آخر . ويجلس الجميع يلوكون القات معاً ، ويبحثون شؤون الساعة ، وأخبار اليوم التي تنتقل من مكان إلى آخر بهذه الطريقة ، بالنظر إلى عدم وجود الصحف " . ونستدل من ذلك أنه في العهد الماضي البعيد كانت مجالس القات تمثل جانب هام في حياة الناس حيث يتعرفون عما يدور من أحداث سياسية من حولهم وذلك بسبب العزلة الخانقة التي فرضها الإمام يحيى على اليمن حينذاك . [c1]القات في عيون فرنسية[/c] وتذكر الطبيبة الفرنسية كلودي فايان القات التي اشتهرت بحب اليمن واليمنيين التي عملت طبيبة في اليمن سنة 1951م ومكثت فيها قرابة عام ونصف العام فتقول عن انطباعاتها عن القات ، بأنه بات جزء لا يتجزأ من حياة اليمن الاجتماعية ، وأنه يمضغه الكبار والصغار ، الفقير ، والغني ، وأن له مجالس خاصة به يسمى الديوان وهو في الأغلب الأعم في الطابق العلوي من المنزل . وفي تلك المجالس تدور الكثير من الأحاديث المختلفة والمتنوعة . وأنّ مجالس القات تكون أشبه بصالونات الأدب أو السياسة في باريس ، ويحضرها الكثير والكثير جداً من الشخصيات المرموقة في المجتمع اليمني . وتقول الطبيبة الفرنسية كلودي فايان ، بما معناه : " إذا أردت أنّ تعرف آخر الأخبار عن اليمن وعما يحدث في العالم عليك بمجالس القات . فقد كانت مجالس القات شبيهة بالصحف والمجلات الفرنسية المليئة بالأخبار والأحداث المتنوعة مجالس القات والفن سبقتُ والإشارة إلى أنّ القات ألقى بظله على الحياة الاجتماعية في اليمن , ونقصد بذلك مجالس القات التي كانت تعقد بين ( المخزنين ) أو بتعبير أخر الذين يمضغون القات . وكانت تلك المجالس أو التي يطلق عليها في اللهجة اليمنية المحلية ( المبارز ) أشبه ـــ دون مبالغة ــــ بصالونات الثقافة والأدب التي انتشرت واسعاً في عدد من الدول العربية المتقدمة مثل مصر ، ولبنان في فترة الأربعينيات والخمسينيات والتي انزوت مع مرور الأيام بسبب ايقاع الحياة وتطورها السريع ، وتقلباتها الدائمة . وكيفما كان الأمر ، فقد كانت تعقد في مبارز القات مختلف الأنشطة الثقافية والأدبية وأيضاً الندوات الموسيقية . وهذا ما أكده الفنان خالد صوري في كتابه الرائع الموسوم ( الفنان الرائد خليل محمد خليل ) والذي يعد من أروع ما كتب عن تاريخ الموسيقى في عدن حيث يروي عن رائد من رواد الفن في عدن بصورة خاصة واليمن بصورة عامة وهو الفنان البديع الكبير خليل محمد خليل والذي ولدت على يديه الأغنية اليمنية الحديثة في عدن ، فيقول : " كان الفنان خليل محمد خليل في أواخر العقد الثالث من عمره وهي فترة عز الشباب وفترة نشاط ، كان يتدفق بالعطاء والخير الكثير لمستقبل الأيام . . كان خليل يجتمع بالأصدقاء وبالصحاب في كل وقت وبالأخص أيام مقايل ( اجتماعات ) القات في عدة مبارز . كان المَبرز المفضل عندهم هو مبرز الفاضل محمد عبد الله باخبيرة حيث كان خليل هو نجم هذا المبرز وكان يحلو له دائما أنّ يحتضن عوده ويغني الأغاني المصرية الرائجة في تلك الأيام ( أحب عيشة الحرية ) و ( عندما يأتي المساء ) . . . " . وقيل لي من قِبل العديد من الفنانين الكبار الذين ضربوا بسهم وافر في ميدان اللحن والغناء ، إنّ مجالس القات أو مبارز القات كانت تعقد فيها بصورة شبه دائمة الندوات الموسيقية المختلفة ، وكان تناقش في المجلس مختلف القضايا الفنية والتي كان يحضرها كبار الفنانين حينذاك . وبتعبير أخر أنّ مبارز القات كانت أشبه بقاعة ندوات فنية . [c1]مجالس القات والنوادي الثقافية [/c] ومثلما تعقد ندوات الموسيقى المتنوعة ـــ كما أسلفنا ـــ في مجالس القات بعدن ، كانت تعقد في تلك المجالس أو المبارز الندوات الثقافية والأدبية ، الاجتماعية والتي كانت تنظمها عدد من النوادي الثقافية والأدبية والجمعيات الاجتماعية , وقيل أنّ مشروع النوادي الثقافية والأدبية كانت يتم التخطيط لها في مجالس أو مبارز القات ، وكان يحضرها كبار الشخصيات الأدبية المشهورة في لحج وعدن . وهذا الأمير الشاعر أحمد فضل القومندان المتوفي سنة ( 1943م ) رائد الحركة الأدبية في لحج وعدن بصورة خاصة واليمن بصورة عامة والذي أسس نادي الأدبي العربي في كل من لحج وعدن سنة 1925م . ولقد زار المفكر التونسي الكبير عبد العزيز الثعالبي عدن في نفس تلك السنة والتقى بعدد من الشخصيات الأدبية في كل من لحج وعدن ومن بينها الأمير أحمد فضل القومندان ، ومحمد علي لقمان ( المحامي) في مجلس القات ، وأقترح عليهما وعلى غيرهما من الشخصيات الأدبية ، والوطنية إنشاء نادي يضم نشاطات الأدباء ، فكان الأدب العربي . وكثير ما كان يعقد أعضاء الأندية الثقافية والأدبية في مجالس القات ندوات حول أنديتهم ، والغرض من تأسيسها . ولسنا نبالغ إذا قلنا أنّ مجالس أو مبارز القات كانت بمثابة منابر يشرح فيها أصحاب تلك النوادي الثقافية والأدبية والاجتماعية برامج أنديتهم وجمعياتهم . وكانت هناك مجالس أو مبارز القات مشهورة في كل من عدن ، والشيخ عثمان ولكنها صارت أثراً بعد عين أو جزء من التراث والتاريخ . [c1]فريد الأطرش في مبرز القات [/c] ومن أهم الأحداث التي شهدتها مجالس أو مبارز القات في عدن في أواخر سنة 1955م وإنّ لم يكن ثغر اليمن هو حضور المطرب الكبير فريد الأطرش أحد مجالسها أو مبارزها . وكان سبب حضوره هو القيام بأحياء عدد من الحفلات الفنية الساهرة في عدن , وقد قام بتكاليف تلك الرحلة الفنية السيد إسماعيل خدابخش أحد التجار الكبار في المدينة . ولقد أخبرني السيد إسماعيل خدابخش عن مدى اندهاش الفنان الكبير فريد الأطرش من مبرز القات والذي كان يضم الكثير والكثير جداً من الشخصيات الكبيرة والهامة والمشهورة من مثقفين ، و أدباء ، وسياسيين ، وفنانين في مجتمع عدن حينئذ والذين كانوا يتحلون بثقافة رفيعة . ولقد حدثه السيد خدابخش عن أصناف وأنواع القات المختلفة والمتنوعة . وكان في ذلك المجلس أو المبرز الفنان أحمد قاسم والذي كان فناناً مغموراً لم يسمع عنه أحد بعد , ولقد غنى بصوته الشجي أمام الفنان الكبير فريد الأطرش ، والذي طلب منه أنّ يواصل العزف على العود والتدريب على الغناء بشكل مستمرين ولا يتعجل الشهرة حتى يصير فناناً مشهوراً ومعروفاً في الأوساط الفنية . ولقد كان لحضور الفنان فريد الأطرش في مجالس القات حديث الساعة في عدن لفترة طويلة وبات حضوره من أبرز الأحدث الفنية في المدينة . والجدير بالذكر أنّ السيد إسماعيل خدابخش أشترى سيارة ( أسبورت ) خصيصاً لزيارة الفنان فريد الأطرش ليطلعه على معالم عدن الهامة ، ويتجول في شوارعها ، وأحيائها . ويعقب الضابط البريطاني Western حول زيارة فريد الأطرش لعدن ، قائلاً بما معناه : " لقد كانت السلطات البريطانية تنظر إلى تلك الزيارة بعين القلق والحذر الكبيرين بسبب أنّ يغني فريد الأطرش أغانِ ِ وطنية تثير مشاعر العرب ( يقصد اليمنيين ) ولكن الأمور مرت بسلام " . وقيل أنّ الفنان فريد الأطرش ، حاول مضغ القات ولكنه لم يستطع أنّ يستسيغه ، وقيل أنّ الفنان فريد الأطرش كان دائما وأبداً يذكر رحلته الفنية إلى عدن بكل خير نظراً للحفاوة البالغة والكبيرة التي استقبل بها من قِبل أهلها . وكان دائما يذكر مجالس القات في ثغر عدن . ولقد ظلت زيارة فريدة الأطرش لمستعمرة عدن ـــ حينذاك ـــ عالقة في ذهن سكانها فترة طويلة من الزمن. وكانت تعد تلك الزيارة من أهم الأحداث وإنّ لم يكن أهمها على الإطلاق التي وقعت في المدينة في الخمسينيات من القرن العشرين . وقيل أنّ المجالس أو مبارز القات ، كانت لا تخلو من أغاني فريد الأطرش .[c1]طقوس القات[/c] ويقول الأديب القاص الكبير حسين سالم باصديق حول طقوس التخزين ومضغ القات ، وأنه من الضرورة بمكان أنّ تتوفر عدة شروط لمضغ القات ومن دون تلك الشروط لن يكون لمضغ القات معنى : " والتكيف بالقات له نظم يجب أنّ تتبع وإلا فلا يكون له أي تأثير عند أحد . وهو بذلك يتميز عن أكل البقل والكراث والسلط ـــ كما يقول الموالعة . ومن تلك النظم تنظيم موقع التخزين في جلسة أرضية متواضعة ومناسبة مع المتاكي ( الوسائد ) وغالباً ما تكون على أحد الجانبين. وعند بعضهم يتكئون بظهورهم على الجدران بغية مد ( الرجول ) ـــ الأقدام ـــ إلى الأمام للمزيد من الراحة . ووضع إبريق الماء البارد مع الكؤوس الصغيرة وترموس القهوة البُن ( المزغولة أي المسكرة ) مع الفناجين ولا ينسى بعضهم المداعة أو الرشبة أو السيجارة . . . " . ويمضي حسين باصديق في حديثه ، قائلاً : " ويشترط عموماً الهدوء والانسجام . كما يجب اهتمام المولعي بنفسه أثناء التخزين أو التدخين وعدم الاستنشاق بلا مبالاة خلال التخزين حتى لا يصاب بشرقة ( بختناق ) فيموت . وفي مثل هذه الجلسات الهادئة الساكنة يقدح المبدعون قرائحهم وهم في انسجام كامل مع عصارة القات ودخان السيجارة الذي ينساب أمام الممدع كالغمام فيشرب القهوة المسكرة أي المزغولة . [c1]“ لما متى يظل القلب في الحب صابر"[/c] ويرى نفسه هائماً سابحاُ مع ذلك الغمام فيجرد سهامه وسيوفه يبدع في قوافيه . كما قال القومندان في إحداها : لما متى بايظل القلب في الحب صابر على سهام اللواحظ والسيوف البواتريمسي مع النجم لا يهجع ، مدى الليل ساهر يذكر أحبة ربا الوادي وقات المثاني أحبة ربا الوادي وقات المثاني يحسب الليل ساعاته دقائق ثواني [c1]القات وأنواعه[/c] ويذكر حسين سالم باصديق عدداً من أنواع القات ومن أهمها وأفضلها كما يقول : " وقد زرع القات في كثير من مناطق اليمن الشمالية وبعض المناطق الجنوبية مثل الضالع ، ويافع ، وبيحان ، وهو أنواع مختلفة في عموم اليمن وكل نوع له تأثيره وخطورته وقوة فاعليته " . ويشير إلى تأثير بعض أنواع القات على ماضغيه ، فيقول : " وأكثر الأنواع تأثيراً أو قوة فاعلية هو القات اليافعي ، والحالمي ، والمضوي ( من الشعب ) والعمدة على الموالعة أنفسهم . والغريب كما قال الموالعة إنّ هناك في صنعاء أو تعز نوعاً خاصاً من القات يسبب لمخزنه الكآبة وذرف الدموع بعد التخزين مباشره " . [c1]القات والبحر[/c] وعندما نذكر عدن لا بد أنّ نذكر البحر وسواحلها الجميلة البديعة المنظر ، ورمالها الناعمة الذهبية المتألقة على ضوء أشعة الشمس المنعكسة عليها ، فهناك أرتباط أزلي بين البحر وسكان المدينة ، فالبحر يعيش فيهم وهم يعيشون فيه . ولذلك فالمخزنين أو الموالعة الكثير منهم يختار مبرزه أو مجلس قاته على ساحل البحر وعلى وجه التحديد على ساحل أبين وخاصة في الصيف . ففي العصر ، ترى العائلات في الساحل وبجانبهم رب العائلة وهو يمضغ القات في سعادة بالغة ، فنسيم البحر يداعب خياله ، والبحر من أمامه ترقص أمواجه ، وهديره يشنف آذانه كأنه لحن الخلود , وهو يسبح في عالم آخر ، عالم وردي . وبعض بائعي القات لاحظوا ذلك الشيء ، فأقاموا بالقرب من سواحل البحر عدداً من الأكشاك تبيع القات وبعض المرطبات ليسهلوا للموالعة شراء القات بدلاً من شرائه من مكان بعيد. وعلى ذكر العلاقة الوطيدة والوثيقة والعميقة بين أهل عدن والبحر ، يقول مؤرخنا الكبير عبد الله أحمد محيرز : " هم ( أي سكان عدن ) مع الجبل في صبحهم والمساء . ومع البحر بكرة ، وعشياً . كان الجبل حصن المدينة ودرعها ضد غزاتها والطامعين فيها . وكان البحر مصدر رزقها بصيده ، وخلجانه التي صارت بنادرها ومراسيها سبب شهرتها ومكانتها كثغر اليمن المحروس " . [c1]قصة القات في اليمن [/c] اضطربت المعلومات اضطراباً شديداً حول متى تاريخ دخول القات في اليمن ؟ . فبعض الروايات تقول إنّ تاريخ دخوله إلى اليمن يعود إلى سنة 525م , وهي نفس سنة غزو الأحباش الثانية على اليمن ، والبعض الآخر يرى أن تاريخ دخوله إلى اليمن يرجع إلى القرن الرابع عشر الميلادي . وعلى الرغم من اضطراب المصادر التاريخية عن دخول القات إلى اليمن ، فإنما نستدل على أنّ تاريخه يعودالى الماضي البعيد ، أو الموغل في القدم . ويجب الوقوف عند دخول القات إلى اليمن ، فعبارة دخوله إلى اليمن في ـــ رأينا ـــ غير دقيقة وإنما إذا قلنا إنّ القات متى أكتشف في اليمن ؟ . سيكون أدق . وفي هذا الصدد ، يقول حسين سالم باصديق : " وقد ذكرت الدراسة أنّ القات اكتشف من قبل معزة ، وراعِ ِ وشاعر ، إنّ اكتشاف المعزة والراعي والشاعر الشعبي للقات ليس غريباً والعملية المشتركة بينهم ثلاثة. فالمعزة أكلت أوراق الشجرة المجهولة وتخدرت والراعي ذاقها بعد المعزة وأحس خدره ، والشاعر الشعبي جرب ، وكان هو المعلن ( وهات يا بداع القوافي ) . وبفضل قوافيه انتشر القات . . . " . وعلى أية حال ، أنّ قصة العثور أو على شجيرة القات في اليمن تعتريها الكثير من الغموض والمبالغات ، والأساطير ، ويبدو أنّ وضع تلك القصة هم الأخباريون الذين من دأبهم مزج الحقائق بالخيال . ومرة أخرى نستدل من تلك القصة أنّ القات في اليمن موغل في القدم وأنه تمتد جذوره إلى أعماق التاريخ .[c1]خصوم حزب القات[/c] وكما قلنا سابقاً ، مثلما كان للقات أنصار لهم وزنهم على ساحة الشعر الشعبي كان أيضاً للقات خصوم لهم مكانتهم المرموقة في ميدان الشعر الشعبي فضحوا القات ، وعروا مساوئه الخطيرة على حياة المجتمع اليمني . وهذا الشاعر الشعبي الكبير مسرور مبروك يسخر من الموالعة سخرية لاذعة الذين يفرطون بواجبات أسرهم ، فيقول في قصيدته الشعبية بنكهتها اللحجية المسماة ( في المولعة هبّ الضمار ) نقتطف بعضاً منها : شاهي مداعة قات سمرة ليل والمقيل نهار والمولعي سامر مقيل يوميه ليلي جكارينقص السبرة ويأخذ قات من حق السبار وبعد أخذ الكيف يجري في طلب حق الخصارإلى أنّ يقول : أما الفقير اللي بلا جربه ولا عنده عقار تلقاه يكرف ذا ويرشح ذا ولفلفها وساريوعد وإنّ سهلت يخارج ذا ويعطي ذا عذاريوعد آخر يا وفي وإلاّ صبح وعده بوارويعزز الشاعر الشعبي محمد بن محمد الذهباني موقف الشاعر مسرور مبروك إزاء شجرة القات الخبيثة على المجتمع اليمني ، فيقول : وآكل القات مودفيومه وليله خسارهبالقات يبقى مكيف والشغل ينسى ثمارهحين يذبل القات يحلفلا يقطعه طول دهرهيبقى لذقنه ينتفكم قد أكل من ظماره والليل تبقى منشف وهمتك مستعارهوالصبح تصبح مغفف للأكل مابش حرارهدمك من القات مسعف ما عاد به إلاّ آثاره [c1] الهوامش [/c]اعتمدنا في موضوعنا على كتاب ( في التراث الشعبي اليمني )لمؤلفه الأديب القاص حسين سالم باصديق ، الطبعة الأولى 1414هـ / 1993م ، إعداد وتوثيق مركز الدراسات والبحوث اليمني ـــ صنعاء ـــ . - “ يقصد القومندان ، ( فضل محمد اللحجي ) ، وكان صوتاً شجياً في عموم اليمن ، وكان صديقاً حميماً للقومندان " . المرجع نفسه ص 82 .الدكتور أحمد قايد الصايدي ؛ المادة التاريخية في كتابات نيبور عن اليمن ، دار الفكر المعاصر ـــ دمشق ـــ سورية .هانز هولفريتز . تعريب خير حماد ؛اليمن من الباب الخلفي ، الطبعة الثالثة 1985م المكتبة اليمنية للنشر والتوزيع ـــ صنعاء ــــ .كلودي فايان ، تعريب محسن أحمد العيني ؛ كُنت طبيبة في اليمن ، الطبعة الثالثة 1985م ، منشورات المدينة ـــ بيروت ـــ لبنان ـــ .خالد صوري ؛ الفنان الرائد خليل محمد خليل ، دار جامعة عدن للطباعة والنشر 2003م .شفيقة عبد الله العراسي ؛ السياسة البريطانية في مستعمرة عدن ومحمياتها 1937 ــــ 1945 ، الطبعة الأولى 2004م ، إصدارات جامعة عدن .عبد الله أحمد محيرز ؛ العقبة ، ص 23 ، 1425هـ / 2004م ، الناشر : وزارة الثقافة والسياحة ـــ صنعاء ـــ الجمهورية اليمنية ـــ .
بيع القات