في إطار الممارسة الديمقراطية التي تتيح تعدد الآراء والأفكار، وتضمن إمكانات التعبير عنها وعرضها عبر مختلف وسائل الإعلام والاتصال بالناس ، يبرز إلى سطح الوقائع والأحداث خطاب سياسي وإعلامي يركز على إبراز مشاكل الفقر والفساد وضعف معدلات النمو وشح الموارد ونقص البُنى التحتية اللازمة لتدفق الاستثمارات الخارجية ، وتراجع دور القطاع الصناعي والقطاعات الإنتاجية الأخرى . لكن الذين يتعاطون هذا الخطاب يتجاهلون حقيقة إنّ بلادنا لا تُعاني لوحدها من هذه المشاكل التي تعد جزءاً لا يتجزأ من منظومة أزمات متكاملة تواجه البلدان الفقيرة والنامية من شرق آسيا ، مروراً بأفريقيا وانتهاءً بأمريكا اللاتينية والمكسيك ، وتترك ظلالاً ثقيلة وانعكاسات حادة على الاقتصاد العالمي بأسره ، ناهيك عن أنّ تلك المقالات تعمدت طمس الجهود التي بذلتها الحكومة اليمنية في إطار برنامج الإصلاح الاقتصادي والمالي ، وأسفرت عن نجاحات مهمة يعود إليها الفضل في تجنيب اقتصاد البلاد مخاطر انهيار سريع ومحقق كان سيحدث قبل بضع سنوات لولا تلك الإصلاحات التي لا يجوز الاستهانة بها والتقليل من قيمتها.المثير للدهشة أنّ جانباً من الكتابات والأحاديث التي تتناول قضايا الفقر والفساد ، لا تخلو من النزوع لإحياء سياسات اقتصادية تسببت في تعطيل قوانين السوق والخروج عن قواعد الحساب الاقتصادي وخلق بؤر وحوافز متعددة المستويات للفساد ، وما ترتب على تطبيق مثل هذه السياسات من انهيار شامل لاقتصادات متعددة الأنماط وإيصالها إلى طرق مسدودة بعد فشل التنمية فيها.بوسعنا القول إنّه لا يمكن لقوة بعينها في بلادنا أو في أي بلد آخر امتلاك القدرة على تقديم وصفة سحرية لمعالجة مشاكل النمو ومحاربة الفقر والفساد خارج إطار المعايير العالمية التي يسعى إليها المجتمع الدولي منذ فترة ليست بالقصيرة على طريق بلورة شراكة دولية متكاملة في مجالات التنمية ومكافحة الفقر والفساد وإضفاء العدالة على بُنية العَلاقات الاقتصادية والتجارية الدولية، وصولاً إلى معالجة تناقضات التقسيم الدولي غير العادل للعمل والتوزيع غير المتكافئ للثروة والمعرفة.يقيناً أنّ عدداً كبيراً من البلدان الصناعية والنامية توصل خلال السنوات الأخيرة إلى بلورة عدد من المعايير والتصورات اللازمة لإجراء مراجعة شاملة للأفكار والتوجهات المتعلقة بعولمة التنمية والتجارة و التكنولوجيا والأسواق والنظم المالية والمصرفية والنقدية. وقد بدأت هذه الجهود تؤتي ثمارها في مؤتمر الأمم المتحدة لتمويل التنمية الذي انعقد قبل أكثر من أربع سنوات في مارس 2002م بمدينة "مونتيري" المكسيكية ، وقمة أهداف التنمية في الألفية الجديدة التي انعقدت برعاية الأمم المتحدة في مايو 2000م، ومؤتمر القمة الاجتماعية "بكوبنهاجن" عام 1995م التي وضعت معايير عالمية للحرب على الفقر .وكما هو معروف فقد حذرت هذه الأطر الدولية من مستقبل مثقل بالكوارث للعالم بأسره في حالة إغفال البُعد العالمي لمشاكل الفقر والفساد وتجاهل جذورها ومفاعيلها في التقسيم غير العادل للعمل.الثابت أنّ منظمة التعاون الاقتصادي للتنمية بلورت على أساس المعايير التي وضعتها قمة كوبنهاجن الخاصة بمحاربة الفقر، وقمة أهداف التنمية في الألفية الجديدة خطة مبادئ استناداً إلى حقيقة توصل إليها خبراء المنظمة تفيد بعدم إمكانية البلدان الفقيرة على مكافحة الفقر بصورةٍ منفردة مهما كان مستوى الإرادة السياسية لأية حكومة فيها.وسيكون مفيدا للحقيقة لو قام الذين اعتادوا على إثارة ومناقشة قضية محاربة الفقر والفساد في المواسم الانتخابية ، بإجراء مقاربة موضوعية للأفكار التي تضمنتها خطة "مونتيري" للتنمية التي تبنتها الأمم المتحدة في عام 2002م بشأن مكافحة الفقر وتنشيط مفاعيل التنمية ومحاربة الفساد وخفض معدلات التضخم وضبط العجز في الموازنات الجارية، وتحليلها في ضوء الإجراءات والسياسات التي اتخذتها الحكومة اليمنية خلال السنوات الماضية ، فيم تسعى حاليا ً إلى توسيع نطاقها في مجرى تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي والمالي والإداري.لاريب في ان أية مقاربة من هذا النوع ستساعد على فهم واستيعاب مدى تماسك وترابط حزمة الإصلاحات الاقتصادية وانفتاحها على الرؤى والتصورات التي تبلورت في عدة مؤتمرات اقتصادية ومنتديات علمية عالمية بشأن السياسات الواجب تطبيقها لمعالجة مشاكل الفقر والبطالة والركود الاقتصادي ورفع معدلات النمو في معظم أنحاء العالم ، وهو ما يؤهل الإصلاحات التي تنفذها الحكومة اليمنية لأن تكون مقدمة لإستراتيجية اقتصادية فعالة.ولا نبالغ حين نقول إنّ اتجاه الإصلاحات الاقتصادية والمالية والإدارية التي يجرى تنفيذها في بلادنا يقترب من اتجاهات رئيسية لإصلاحات مماثلة أعدها خبراء متبصرون في بلدان أخرى تعاني من مشاكل أكثر حدة مما تعانيه بلادنا ، وتمتلك إمكانات وموارد أفضل مما هو متاح لدينا مثل الأرجنتين والجزائر والسنغال ونيجيريا وأندونيسيا وجورجيا ومصر وإثيوبيا وكازاخستان وتركيا وأذربيجان ، وخصوصاً في مجال السياسات المقترحة لتعبئة الموارد المالية الداخلية ، وتهيئة البيئة الداخلية لتشجيع المبادرات الحكومية والخاصة ، وضبط معدلات التضخم ومكافحة الفساد، وتنمية التعاون الدولي الرامي إلى ترشيد وتطوير وتكامل النظم المالية والنقدية والتمويلية.وبالنظر إلى ترابط مشاكل البلدان النامية واتساقها مع أزمات الاقتصادي العالمي ، تعززت الميول الرامية إلى تأكيد الشراكة الدولية من أجل التنمية وتعظيم مسؤوليتها عن معالجة المصاعب والمشاكل ذات التأثير البنيوي على الاقتصاد العالمي مثل الفقر والمديونية وتلوّث البيئة وما يترتب على ذلك من ضرورة الاتفاق على معايير عالمية لمعالجة المصاعب الموازية لها وخصوصاً تلك التي تتعلق بالتنمية الإنسانية والأسواق والأسعار والمواصفات .ــــــــــ* نقلا عن / 26 سبتمبر
|
فكر
حديث الفقر والفساد !!
أخبار متعلقة