التطرف الإسلامي
من الواجب أن نذكر أولا بأن استطلاعات الرأي لا يمكن أن تعتبر المقياس الوحيد ولا الأدق لمعرفة اتجاهات الرأي العام، ولكنها بلا شك من مناهج العلوم الاجتماعية التي لا يمكن التغاضي عنها ولا استبدالها. فهي الى حد الآن من أفضل الطرق لتحسس ما يجري في مجال يعرف عادة بسرعة تقلبه.وقد توصل استطلاع الرأي، صدر في واشنطن في شهر جويلية/ تموز، عن مشروع بو للتوجهات العالمية، إلى أن اتجاها متزايد الأهمية في دول ذات أغلبية مسلمة وجد أن الديمقراطية يمكن أن تعمل بشكل جيد في بلادهم، وأن وجود دور أكبر للإسلام في الحياة العامة مع استثناء لبنان وتركيا هو شيء جيد. و مشروع بو للتوجهات العالمية مقره واشنطن، ويرأسه كل من وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة مادلين أولبرايت، وسفير الولايات المتحدة السابق في الأمم المتحدة جون دانفورث.غطى الاستطلاع الذي جاء في تقرير من 50 صفحة بعنوان "التطرف الإسلامي: قلق مشترك عند الشعوب الإسلامية والغربية" نتائج الاستفتاء الذي تم هذا الربيع والذي شارك فيه حوالي 17 ألف شخص في 17 دولة حول العالم، ومن بينها الولايات المتحدة. فالدول ذات الأغلبية المسلمة التي شملها استطلاع الرأي هي: إندونيسيا والأردن ولبنان والمغرب وباكستان وتركيا. أما الدول غير الإسلامية التي شملها الاستطلاع فهي بريطانيا وكندا وفرنسا وألمانيا والهند وهولندا وبولندا وروسيا وأسبانيا والولايات المتحدة.فبينما عبر معظم الذين شاركوا في استطلاع الرأي في الدول ذات الأغلبية المسلمة عن قلقهم من أن التطرف يمكن أن يقود إلى العنف، و التقليص من الحريات الشخصية ، وزيادة الانقسامات الداخلية، وإعاقة التنمية الاقتصادية، فإن الرأي المتوازن كان أن الإسلام يلعب دورا سياسيا أكبر في بلادهم، وهو تطور رحبت به الأغلبية، لكن تركيا كانت الاستثناء الواضح بهذا الشأن، حيث انقسم الرأي حول هذا السؤال.وعلى الجانب الآخر وُجد في الدول غير الإسلامية أن المخاوف من التطرف الإسلامي كانت مرتبطة بشدة بالقلق من أن المسلمين الذين يعيشون في هذه الدول يرفضون أن يتم استيعابهم، وأنهم كانوا في الحقيقة يكتسبون إحساسا أقوى بالهوية الإسلامية، وهو تطور تم النظر إليه بشكل سلبي خصوصا في فرنسا وألمانيا وهولندا. وقد وجد الاستطلاع أيضا انقساما في العالم الإسلامي حول معنى "التطرف الإسلامي"، بين هؤلاء الذين قاموا بتعريفه بأنه "التخلص من نفوذ غير المسلمين بطريق العنف"، وأولئك الذين عرفوه بأنه فرض الأحكام الصارمة للشريعة.لكن القلق من التطرف الإسلامي، مهما كان تعريفه، كان على أشده في المغرب، وباكستان، وتركيا، وبين المسيحيين في لبنان، فيما اعتُبر هذا الخطر أمرا لا يُعتد به في الأردن وبين اللبنانيين المسلمين. فعند سؤال المشاركين في الاستطلاع عن أسباب التطرف الإسلامي في بلادهم، كانت إجابة الأكثرية في لبنان والأردن هي "السياسات الأمريكية والنفوذ الأمريكي"، بينما قالت أكثرية مشابهة في المغرب وباكستان إن الأسباب هي "الفقر ونقص فرص العمل".وفي نفس الوقت وجد استطلاع الرأي أن تأييد الإرهاب وغيره من أشكال العنف قد انحدر في الأغلب في العالم الإسلامي مقارنة بعام 2002 عندما طرح مشروع بو للتوجهات العالمية السؤال أول مرة. وقد هبطت نسبة المشاركين في الاستطلاع الذين وافقوا على أن "العنف ضد المدنيين غالبا أو أحيانا ما يكون مبررا" من 73 بالمائة إلى 38 بالمائة بين المسلمين اللبنانيين خلال الثلاث سنوات، ومن نسبة 33 إلى 25 بالمائة في باكستان، ومن 27 إلى 15 بالمائة في إندونيسيا. لكن النسبة ظلت ثابتة حول 14 بالمائة تقريبا في تركيا، في حين أنها ارتفعت من 43 بالمائة إلى أغلبية بلغت 57 بالمائة في الأردن.أما بالنسبة لمكانة بن لادن فقد قال الاستطلاع إنها قد تحسّنت بين عامي 2003 و2005 في الأردن؛ حيث قال 60 بالمائة إن لديهم "بعضا" أو "كثيرا" من الثقة في زعيم القاعدة كقائد عالمي، وهي نسبة ارتفعت عن نظيرتها منذ عامين حيث بلغت حينئذ 55 بالمائة. وقد تحسنت مكانة بن لادن في باكستان أيضا حيث ازداد التأييد له من 45 إلى 51 بالمائة. ومع هذا فقد أظهر الاستطلاع في الدول الثلاث الأخرى هبوط صورة بن لادن بنسبة 23 نقطة في كل من إندونيسيا (من 58 إلى 35 بالمائة)، وفي المغرب (من 49 إلى 26 بالمائة)، بينما انخفضت نسبة هؤلاء الذين عبروا عن ثقتهم به في تركيا ولبنان إلى ما دون العشرة بالمائة.وقد توصل الاستطلاع أيضا إلى أن الرأي العام في الغرب عموما لديه صورة طيبة عن المسلمين أكثر مما يحمله المسلمون في العالم الإسلامي تجاه المسيحيين، وتجاه اليهود على وجه الخصوص. فقد تفاوتت نسبة الغربيين الذين قالوا إن لديهم صورة طيبة "جدا" أو "إلى حد ما" عن المسلمين ما بين نسبة منخفضة بلغت 40 بالمائة (في ألمانيا) إلى نسبة عالية بلغت 72 بالمائة (في بريطانيا).وفي نفس الوقت قال 58 بالمائة من الأردنيين والإندونيسيين إن لديهم صورة طيبة عن المسيحيين، وهو رأي أيدته نسبة الثلث فقط من المغاربة، ونسبة أكبر قليلا من الخمس عند الأتراك والباكستانيين. أما اللبنانيون فقد كانوا هم الاستثناء في هذا الشأن؛ إذ قال 91 بالمائة منهم إن لديهم شعورا إيجابيا تجاه المسيحيين.وفي حين قالت أغلبية المشاركين في الاستطلاع في أمريكا الشمالية وأوروبا إن لديهم وجهة نظر طيبة "جدا" أو "إلى حد ما" تجاه اليهود وهي نسبة وصلت إلى 85 بالمائة (في هولندا) إلا أن 18 بالمائة فقط من الأتراك أيدوا وجهة النظر هذه، وكانت هذه هي أعلى نسبة. وقد اتفق مع هذا الوصف 13 بالمائة من الإندونيسيين، و8 بالمائة من المغاربة، 5 بالمائة من الباكستانيين، بينما في الأردن ولبنان كانت "كراهية اليهود هي السائدة" حسبما قال التقرير، والذي أضاف أن 99 بالمائة من الشعب في البلدين قالوا إن لديهم وجهات نظر "معارضة جدا" لليهود.وعلى نحو مماثل، عندما سئل المشاركون في الاستطلاع في الدول غير الإسلامية أي الأديان يُعتبر أكثر عنفا، أجابت أغلبية كبيرة تتراوح بين 61 بالمائة (في كندا) و88 بالمائة (في هولندا) بأنه الإسلام، بينما كانت إجابة أغلبية مشابهة في الدول الإسلامية هي اليهودية. وكان الاستثناء الوحيد في هذا هو تركيا؛ حيث أجاب 46 بالمائة من المشاركين في الاستطلاع بأنه المسيحية مقارنة بـ20 بالمائة أجابوا بأنه اليهودية. وفي الهند قال ستة من كل عشرة (61 بالمائة) إن لديهم وجهات نظر طيبة عن المسيحيين، بينما انقسمت آراء الأغلبية الهندوسية في الهند تجاه المسلمين عند نسبة 43 بالمائة، أما اليهود فقد كانت نسبتهم أسوأ بكثير؛ حيث عبر 28 بالمائة فقط من الهنود عن آراء طيبة نحوهم.وعلى الجانب الآخر عبر المشاركون في الاستطلاع من الصينيين عن وجهات نظر طيبة تجاه اليهود بنسبة بلغت 28 بالمائة، والتي زادت عن نظيرتها تجاه المسيحيين (حيث بلغت 26 بالمائة)، وتجاه المسلمين (حيث بلغت 20 بالمائة).*كاتب تونسي