كتاب جديد
عــرض :سلـــوى حمـــود القدمـــيعضو اللجنة الدائمة للمؤتمر الشعبي العام الجزء الأول :التاريخ النظريتاريخ القانون والنظم الاجتماعية هو اسم المقرر الأكاديمي في كلية الشريعة والقانون - جامعة صنعاء (المستوى الأول) للعام 2005 - 2006م، وقد جمع العمل الأكاديمي الجديد بين عملاقين من كبار عمالقة القانون وعلومه الجنائية والتاريخية والفلسفية واللذين يعدان صرحين علميين وقانونين شامخين تفخر بهما الجامعات اليمنية.الأول هو الأستاذ الدكتور : حسن علي مجلي - أستاذ القانون الجنائي. والأستاذ الدكتور: وليد النونو - أستاذ تاريخ القانون وفلسفته، وقد أدى هذا اللقاء العلمي والثقافي لولادة هذا الكتاب بما احتواه إلى حيز الوجود، والذي يعد الأول من نوعه في تاريخ المقررات الأكاديمية اليمنية في مجال تاريخ النظم القانونية والاجتماعية، ومن أسباب ذلك أنه لم يقتصر فقط على الجانب النظري المعهود، بل شمل تطبيقات من النقوش المسندية والتي يرجع تاريخ بعضها إلى قرابة ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد وقد خصص لهذه الوثائق: القسم الثاني من الكتاب واحتل نصف مساحته. وهذه هي المرة الأولى التي عرفت فيها هذه النقوش والوثائق طريقها إلى المقررات القانونية الأكاديمية وأخذت ترى النور أخيراً إليها بعد أن قبعت زمناً طويلاً في غياهب الظلمات والجهل بها والتجاهل لها، أضف إلى ذلك انه قد أُدرج في سياق هذه الجزء وثيقتان تاريخيتان نادرتان في العالم القديم لم يسبق اليمن إليها دولة من دول الحضارات العالمية القديمة وهما: [دستور دولة قتبان] (220 - 205 ق. م) و [القانون التجاري] لدولة قتبان الذي ظهر قبل قرابة ألفين عام.وهذا العمل الأكاديمي الذي ظهر لأول مرة في كلية الشريعة والقانون - جامعة صنعاء، وعرف طريقه إلى ساحة الدراسة الأكاديمية سيستفيد منه كافه الدارسين وجميع الباحثين والمهتمين بدراسة تاريخ القانون وفلسفته وخاصة النقوش التي تحوي الوثائق القانونية والدستورية اليمنية القديمة والتي من شأن الاطلاع عليها ودراستها تزويد الباحثين بثروة ثقافية عظيمة وتكوين ملكة قانونية وعلمية كبيرة لدى كافه الدارسين في كليات الشريعة والقانون وكليات الحقوق وكليات الآداب وخاصة (قسم الآثار) و (قسم التاريخ القديم والحديث).وقد احتوى القسم النظري من الكتاب على هوامش تؤكد صحة النظريات الواردة في المتون طبقاً للنقوش القانونية الواردة في الجزء الثاني بعد أن كانت الكتب الماضية خالية من مثل هذه الاستشهادات.ومن الملاحظ أن المؤلفين قد تناولا بموضوعية كلاً من الدولة الزيدية والصليحية لأول مرة في تاريخ المقررات الجامعية.ومما ورد عن الدولة الزيدية وفقهها على سبيل المثال أن المذهب الزيدي قد عقد سلماً أزلياً مع المذاهب الإسلامية الأخرى على جلال سعة علوم أئمته وفقهائه، فهو يأخذ من الجميع دونما تحرج ما يتلاءم مع العقل والمنطق والواقع وحاجة الناس إليه من المسائل والقضايا والوقائع، ويقرر صحة ما ذهب إليه غيره من جزئيات صالحة لضمها إليه، ولا يجد حرجاً من مخالفة كبار علمائه السابقين، إذا ما وجد مجتهدوه أو أحد مجتهديه أن أسلافه قد اشتبه عليهم الأمر، فيعلن أو يعلنون للآخرين أنهم يتحرجون في موافقة من يغلب على ظنهم، من الأئمة السابقين أنهم قد جانبوا الصواب، أو أن التوفيق لم يكن حليفهم في المسائل التي يرون أن الصحيح فيها هو خلاف ما ذهب إليه أولئك.والملاحظ هو أن أهم القواعد الأصولية والفرعية المهمة في الفقه الشرعي اليمني والتي تشكل المصدر الرئيس لحركه تقنين أحكام الشريعة والفقه في اليمن منتشرة في مؤلفات فقهاء الدولة الزيدية الرواد لا سيما المتأخرين منهم ومن ذلك : (الاعتصام) للإمام القاسم بن محمد، و (الانتصار) للإمام يحيى بن حمزة، و (الشافي) للإمام عبدالله بن حمزة، و (البحر الزاخر) للإمام المهدي أحمد بن يحيى، و (العواصم والقواصم) و (إيثار الحق على الخلق) و (الروض الباسم) لمحمد بن إبراهيم الوزير، و (العلم الشامخ في إظهار الحق على الآباء والمشايخ) و (أنوار التمام) لأحمد بن يوسف زبارة، و (ضوء النهار) للحسن الجلال، و (سبل السلام) و (العصمة عن الضلال) لمحمد ابن إسماعيل الأمير، و (نيل الأوطار) للشوكاني، و (الروض النضير) لحسين السياغى.وقد ترتب على ذلك اعتماد لجان تقنين الشريعة الإسلامية والفقه الإسلامي في اليمن على هذه المصادر والمراجع الفقهية الخصبة حيث أن معظم مواد القوانين الأساسية والرئيسية كالقانوني المدني والجنائي وقانون الأحوال الشخصية ... الخ، مستمد منها وقائم على أساس الاجتهادات الواردة فيها.وفي معرض حديث المؤلف عن الدولة الصليحية وكيف وما هي الأسباب والظروف التي ساعدت على نشأتها وأهمية جماعة البهرة التي تعد امتدادا وتجسيدا معاصرا للمذهب الإسماعيلي في اليمن الذي كان هو مذهب الدولة الصليحية وترك آثاراً فقهية مهمة.وتمتلك جماعة (البهرة) الإسماعيلية تمتلك أوقافاً كثيرة خاصة بها في اليمن وبالذات في مدينة (عدن). كما أن لديها تراثاً فقهياً وقانونياً وتاريخياً وثقافياً غنياً يرجع إلى الأئمة الفاطميين الذين حكموا مصر والمغرب والحجاز واليمن ردحاً من الزمن تاركين فيها أروع الآثار بما شيدوه فيها من المساجد الضخمة والعمارات الفخمة والمكاتب الكبيرة التي أشاد بذكرها مؤرخو الإسلام.وقد ورد في الجزء الأول من الكتاب وقراءة عميقة لبعض مدونات النظم القديمة ضمت مدونة حمورابي في بابل، مدونة بوكخوريس في مصر القديم، قانون صولون اليوناني ويضاف إلى ذلك مدونة الألواح الإثنى عشر.الجزء الثانيالنقوش اليمنيةإن أهم جزء في الكتاب هو القسم الثاني منه والذي أورد فيه مؤلفه الأستاذ الدكتور حسن علي مجلي عدداً كبيراً من النقوش اليمنية القديمة المنحدرة إلينا من مختلف المراحل التاريخية والتي حكت عن تاريخ اليمن القانوني قديماً، مع تحليل وشروح وافية لها وذلك لإقامة علاقة وطيدة بين المسائل النظرية الخاصة بتاريخ القانون والاستشهادات العملية بصددها من واقع النقوش في مختلف المجلات من معاملات وعقود وجرائم وعقوبات وغير ذلك مما أورده المؤلف.وأود قبل أن أتحدث عن بعض هذه النقوش والنصوص القانونية أن أبعث بكلمة شكر وإجلال للأستاذ الدكتور حسن علي مجلي لما بذله من جهد وخصصه من وقت لوضع الترجمات القانونية والشروح الوافية للنقوش الواردة في الكتاب ليرى النور وينضم إلى المقررات الجامعية لكليات الشريعة والقانون وكليات الحقوق في الجامعات اليمنية حيث كانت الحاجة ماسة إلى تطبيقات عملية واستشهادات قانونية وتاريخية تعين الدارسين في الكليات المذكورة وتضيء لهم درب المعارف التاريخية القانونية الشاملة والممتدة عبر آلاف السنين.لقد أورد المؤلف ترجمات قانونيه لكافة النقوش نورد بعضها: [دستور قتبان (أبو القوانين)]، وقد أطلق عليه ذلك لأنه كان بمثابة القانون الأساسي فيها، وقد تحدث هذا النقش عن الكيفية التي كان يتم بها إصدار القوانين واتخاذ القرارات والتصديق عليها ثم إصدارها. وقد استعرض المؤلف (الدكتور حسن مجلي) النقوش المسندية ثم قام بالقراءة الحرفية، ثم بعد ذلك الترجمة القانونية لها.وبالعودة إلى (دستور قتبان) نجد أنه قد صدق عليه خمسه وعشرون شاهداً من كبار القوم في قتبان وقد رقم هذا النقش بـ (RES 3566).أما النقش رقم (RES 3317) فقد تكلم من أعماق الماضي عن وجود هيئة مختصة بإصدار القوانين. وفي النقش (RES 4325) نجد قانوناً للضرائب أصدره أحد ملوك (قتبان) وهو من النقوش النادرة التي يضفي فيها أحد ملوك اليمن القديم على نفسه صفة الألوهية. وموجود نقش آخر أكد أن الأوامر والقوانين والقرارات الصادرة في (دولة معين) كان يتم إعلانها في المعابد.ويمكن القول أن من أهم النقوش التي تمت ترجمتها القانونية: (القانون التجاري) لمملكة قتبان والذي أصدره الملك (شهر هلل) لتنظيم التجارة وبيان واجبات التاجر والضرائب التي كان متوجب عليه أن يدفعها للحكومة، وقد أمر الملك بإعلان القانون المذكور بعد تدوينه ليقف عليه تجار مدينة (تمنع) عاصمة دولة (قتبان) وغيرهم من التجار الذين يقصدون عاصمته بقصد ممارسة التجارة، وقد دونه على حجر يبلغ طوله مترين، ونصبه في الحي التجاري من العاصمة وهو الحي المعروف بـ (شمر) وكان فيه سوق شهير، ويعتبر (قانون تمنع التجاري) من أهم النصوص التشريعية التي تم الكشف عنها إذ يظهر مدى التطور الفكري والحضاري لدى سكان دول مدن اليمن القديم، كما انه من القوانين القليلة المتكاملة والتي تتناول تنظيم التجارة داخل الأراضي التي شرع لحكمها، وفضلاً عن ذلك فإن هذا القانون هو بمثابة دليل على معرفة سكان المنطقة بالنظم القانونية، حيث يشكل نموذجاً لتشريعات أخرى أصدرتها السلطات الحاكمة في نواحي الحياة كافة. وتدلنا القراءة المتأنية لقانون قتبان التجاري على أنه مجموعة من القواعد التي تهدف إلى:1- تنظيم التجارة داخل العاصمة تمنع وأراضي قتبان ومصالحها التجارية.2- حماية حقوق الشعب القتباني التجارية من منافسة التجار الغرباء.3- ضمان حقوق الدولة في الضرائب.وقد كتب لتحقيق هذه الأهداف الثلاثة ستة وسبعون فقرة شملها القانون، كنت أود أن أوردها في هذا الاستعراض كاملة لولا ضيق المساحة المتاحة للكتابة.وقد أورد المؤلف الأستاذ الدكتور حسن مجلي ترجمة قانونية أكاديمية كاملة للنقش وشروح وتعليقات وافية لها.ومن النقوش الأخرى الواردة في الكتاب نصوص الاتفاقيات المدنية والتوثيق والتي تدل على تعدد مواضيع النقوش اليمنية القديمة واشتمالها على جوانب عده مثل (بيان حدود الملكيات العقارية الزراعية الرعوية [المراعي])، كما أن بعضها قد تناول تنظيم شئون الري أو بيان المقابر وتنظيم ملكية المنازل، كذلك تضمن بعضها عقود البيع والشراء والتأجير والقروض المالية بالإضافة إلى عقود المزارعة والحصاد ونصوص الهبات والمنح الملكية وتوثيق الملكيات العقارية والديون والوثائق الإدارية الخاصة بالتعيين في مناصب إدارية أو دينية أو عسكرية وغير ذلك من المسائل العامة والخاصة.ومن النقوش المهمة تلك التي تدلنا على وجود نظام قضائي متطور في بعض دول مدن اليمن القديم وعلى سبيل المثال النقش رقم :(RES 2866) الذي تضمن توضيحاً لأسلوب إصدار الأوامر والأحكام، كما يؤكد قيام الملك أحياناً بدور القاضي، أما النقش : (RES2848) فيؤكد أن سكان المنطقة قد عرفوا نظام التقاضي الرسمي ومارسوه في معاملاتهم، كما يشير أيضاً إلى وجود هيئه اختصت بتولي الحكم القضائي الرسمي، وقد أشار النقش إلى حق المتهم في استئناف الحكم والتماس إعادة النظر فيه.ضم الباب الثاني من هذا القسم في الكتاب (الجرائم والعقوبات في اليمن القديم) نقوشاً تكلمت عن الجرائم والعقوبات في اليمن القديم قبل الإسلام ومن ذلك الجرائم والمخالفات ضد الديانات وأملاك المعبد وسلامتها حيث اعتبرت المعابد في الحضارات القديمة من أهم الأبنية في المدينة وأوسعها وأعلاها وكانت المدينة كلها تعود ملكيتها إلى كبير الآلهة الذي خصت به يوم خلق العالم وفقا للاعتقاد الوثني السائد لدى الشعوب القديمة. والثابت هو أن شعور اليمنيين الديني العميق كان مهيمناً على كافة مجالات الحياة العامة والخاصة فقد كانوا يلتمسون الآلهة نيلاً للحظوة والإكرام والصون والعافية وأملاً في الخصوبة والنمو والشفاء واستسقاء للأمطار ورجاء بأن يحصلوا على الغلال الوفيرة وصلاح الإنسان والحيوان أي في كل ما هو متعلق بالإنسان وبما كان يؤثر فيه وفي سبيل تحقيق الآلهة الوثنية أماني العابدين لها فقد قدمت لها القرابين ذبحاً وإحراقاً وما شابههما من أعمال تضحية، على المذابح التي مازال بعضها موجوداً حتى الآن في المتاحف اليمنية والعالمية.وفي مجال الأضاحي جاء الحديث عن المحارق وهي الأماكن التابعة للمعبد أو الكائنة فيه والتي تحرق فيها القرابين ويقال لها (مصرب) ويؤكد المؤرخون أن اليهود كانوا يحرقون قرابينهم في محارق تلحق بالمعبد وتكون جزء منه وتوجد أدلة على أن العرب كانوا يحرقون قرابينهم في كل جزيرة العرب باستثناء معابد اليمن وأعالي الحجاز حيث عثر على آثار المحارق في معابدها في مما يدل على أنهم كانوا يحرقون القرابين داخل المعابد ذاتها.وأخيراً نطالع الترجمتين الحرفية والقانونية للنقش : (RES 4178) الذي يتحدث عن جريمة سرقة طيب الآلهة وأنه لا يحق لأحد (لا يجوز شرعاً) أخذ شيء من طيب إله المقة سيد (باران) في معبد (ياران) لأنه خاص بالآلهة.أما النقش (RES 3247) فقد تكلم عن السرقة من المعبد وقال أنه يسفك دم من سرق القدح. وهناك نقش آخر تكلم عن عدم التزام الأجانب الذين استوطنوا المدن اليمنية القديمة باحترام المعبودات المحلية ومخالفة تعليماتها والعقوبات التي كانت مقررة لذلك