الصحفي البريطاني باتريك سيل
نجمي عبدالمجيد :أسهمت كتابات الصحفي البريطاني باتريك سيل في تقديم الكثير من المعلومات والأفكار حول قضايا الشرق الأوسط في مراحل مختلفة من التاريخ السياسي الحديث لهذه المنطقة ، فقد أمضى فيها أكثر من 30 سنة في دراسة سياسات المنطقة ومقابلة قادتها من خلال عمله كمؤلف ومراسل صحفي.وقدأصدر عدة مؤلفات منها : ( الأسد ، الصراع على الشرق الأوسط ) و ( أبو نضال بندقية للإيجار ، المناضلون في خدمة الموساد ) و ( الصراع على سوريا عام 1965م ) و ( مهمة هيلتون عام 1973م ) .و ( تكوين رجل دولة عربي : عبدالحميد شرف والعالم العربي الحديث عام 1983م ) وغيرها من الكتابات التي قدمت الرؤية التحليلية في قراءة صراع القيادات وأزمة السياسة في العالم العربي . وكتابات باتريك سيل في ميدان الصحافة حالة تعبر عن إمكانية الوصول إلى المعلومات الهامة التي تجعل من المادة الصحفية رؤية تصل إلى مستوى الفكر السياسي والنقد التاريخي ، حيث تكون المعلومة هي الفيصل في قيادة النظرة نحو الاتجاه المطلوب .في هذه المادة الصحفية نقدم بعضاً من تلك الإسهامات وهي لا تقف عند حدود العرض ، بقدر ماتتجاوز الشيء إلى المعنى وتكشف عدة أبعاد في سياسة المنطقة ونوعية القيادة التي حكمت من منطلق القوة والانتماء أوحتى الخديعة والمتاجرة في مصائر الشعوب وتحويل القضايا إلى مراهنات على الأمور الخاصة في صراع المصالح ، وبالرغم من مرور عدة سنوات على صدور أعماله إلا أنها تظل قراءة مفتوحة على دوائر صراع القيادات وأزمة السياسة في الشرق الأوسط .[c1]سوريا صراع القيادة وأزمة السياسة[/c] ما بين الأعوام 1925 – 1927م كانت الثورة السورية على الفرنسيين ، وفي عام 1930م جاء إعلان الدستور السوري وفي عام 1932م كان انتخاب محمد علي العابد رئيساً للجمهورية حتى عام 1936م ومن بعده هاشم الاتاسي حتى عام 1939م وكان لواء الاسكندرونه قد منح الحكم الذاتي عام 1937م،وفي عام 1939 انتزعت تركيا هذا اللواء ، وعندما جاء تاريخ 8 يونيو 1941م غزت قوات فرنسا الحرة والكومنولث سوريا وفي تاريخ 13 يونيو من نفس العام كانت الهدنة في هذا البلد ، وفي نفس العام إعلان استقلال سوريا ، ومن 1943م حتى عام 1949م أصبح شكري القوتلي رئيساً لسوريا وفي عام 1945م كان جلاء القوات الفرنسية عن هذا البلد ، عام 1949م شهدت سوريا انقلاباً عسكرياً بقيادة حسني الزعيم وكانت فترة من الحكم العسكري حتى عام 1954م ومن القيادات التي عرفت في تلك الحقبة سامي الحناوي ثم أديب الشيشكي ، ومن عام 1955م حتى عام 1958م كان شكري القوتلي رئيساً للجمهورية للمرة الثانية ، حتى جاءت فترة الوحدة بين مصر وسوريا وكانت البداية من تاريخ 1 فبراير عام 1958م حتى 28 سبتمبر عام 1961م وفي تاريخ 13 نوفمبر 1970م تسلم حافظ الأسد مقاليد الحكم في سوريا .في كتابه ( الأسد الصراع على الشرق الأوسط ) يقف باتريك سيل أمام مراحل من الأزمات والصراعات في سوريا والتي يقدم عنها هذه المعلومات قائلاً :(النزاعات الداخلية- اشتدت الخلافات بين الأسد وزملائه ، والتي كانت قد بدأت عام 1967م ، وزادت حدة في العام الذي تلاه ، وكان لب هذه الخلافات هو النزاع حول الأولويات ، ففي حين كان اهتمام الأسد مركزاً على الصراع مع إسرائيل ، كان جديد والأطباء الثلاثة يضعون الثورة في المقام الأول ، أي أن النزاع كان باختصار بين أهداف الأسد ( القومية ) وبين أهداف هؤلاء ( الاشتراكية ) كان نظره متجهاً إلى الخارج ، نحو الجولان الضائع ، أما أنظارهم فكانت متجهة نحو الداخل وإلى مزيد من التغيير لوجه سوريا – وقد ترك هذا الخلاف أثره على المواقف تجاه سلسلة كاملة من القضايا فلم يكن الأمر يتعلق فقط بعلاقات سوريا مع الفلسطينيين ، وبالموقف الذي ينبغي أن تتخذه سوريا حيال جيرانها العرب والقوى العظمى ، بل إن الخلاف أثر ايضاً على الخيارات الداخلية مثل : كيف يجب أن تنفق موارد البلاد القليلة أصلاً ؟ هل يمكن إقامة هدنة في حرب الطبقات ؟ أي نوع من الإحزاب يجب أن يكون عليه البعث – وما نوع العلاقات التي يجب أن تقوم بينه وبين الناس أو بينه وبين الجماعات اليسارية الأخرى ؟ وقد تفاقمت المناقشات في محافل الحزب حتى أصبحت غير قابلة للمصالحة في المؤتمر القطري الرابع الذي انعقد في ايلول / سبتمبر 1968م .[c1]صراح القيادات [/c]بعد فشل انقلاب عام 1966م تجمع معظم الحزبيين من ضباط ومدنيين حول ابرز زعيمين سياسيين في سوريا وهما صلاح جديد وحافظ الاسد ، وبالرغم من أن صلاح جديد لم يكن له أي منصب رسمي في الجيش منذ عام 1965م حين تم استبد اله من رئيس للأركان إلى وظيفة مدنية ، أمين عام مساعد للقيادة القطرية لحزب البعث السوري ، فقد استطاع لفترة من الوقت السيطرة على قطاع أوسع من الضباط من خلال أنصاره في المكتب العسكري الذي كان يشرف على التنظيم الحزبي العسكري الذي انضم إليه منذ نيسان عام 1966م أعضاء مدنيون ، كذلك امتد نفوذه إلى قسم من القوات المسلحة بواسطة الاتصالات الجانبية المباشرة الممنوعة تنظيمياً مع عدد من القادة العسكريين . في ذلك الوقت كان حافظ الأسد يشغل منصب وزير الدفاع وفي وضع أفضل من صلاح جديد من خلال تأثيره على سلك الضباط والذي كان جزء منه يرتبط به شخصياً ، وكان الأسد قائداً للقوى الجوية منذ عام 1964م والمسؤول الأساسي عن بنائها،لذلك أقدم على تعيين عدد من أتباعه الضباط في المراكز الهامة ، وقد كان الأسد احد القادة القدماء للجنة العسكرية البعثية المسؤولة لعدة سنوات عن أنشطة التنظيم الحزبي العسكري .بعد انقلاب 23 شباط عام 1966م ظهر التوتر مرة ثانية بين صلاح جديد وحافظ الأسد ، ولكن لم يحدث أي صدام بينهما ولكن بعد هزيمة 5 حزيران – يونيو 1967م تصاعد الخلاف إلى حدود خطيرة جداً ، واحد تلك الأسباب كما يوضحها الباحث نيكولاس فإن دم ، حول ما يكون عمله من سياسات عسكرية وكذلك ما يتصل بالجوانب الخارجية والاجتماعية والاقتصادية . [c1] العراك من أجل القمة [/c]بوضح باتريك سيل بعض الجوانب من هذا الصراع قائلاً : ( واستمر الأسد في إحكام قبضته على الجيش ، الا ان جديد كان لا يزال يهيمن على الجهاز الحزبي وفي المؤتمرين القطري والقومي للحزب في شهري ايلول / سبتمبر وتشرين الأول / أكتوبر 1968م مال التصويت لغير صالح الأسد حيال أكثر القضايا المطروحة ورفضت آراؤه , ولكنه استطاع على أي حال أن يؤمن إزاحة اثنين من الأطباء الاشتراكيين وهما رئيس الوزراء يوسف زعين ووزير الخارجية ابراهيم عانوس الا أن مستقبل الأسد في قيادة الحزب ظل في الميزان نظراً لأن التدخل العسكري في الشؤون الحزبية كان ممقوتاً لدى الحزبيين بشكل عام وبينما راح الشقاق مع جديد يتزايد ، كانت إستراتيجية الأسد هي فصل الجيش ، وخصوصاً الجهاز الحزبي فيه ، عن قيادة الحزب المدنية التي يترأسها صلاح جديد ، فمنع ضباط الجيش من أي اتصال مع الساسة المدنيين في الحزب كما منع المدنيين بدورهم من زيارة فروع الحزب في القوات المسلحة ، بل أنه منع حتى توزيع نشرات القيادة القطرية فقد توقف عن حضور اجتماعاتها وعلى هذا أصبح هناك في الواقع مؤسستان في سوريا لحزب البعث تتعايشان بصعوبه : واحدة عسكرية والأخرى مدنية . ومع نهاية 1968م كان الأسد قد أحرز تقدماً على جديد في تجميع السلطة بين يديه ، فالمناورات التي قام بها في مراكز الجيش من تعيين ، ونقل ، وطرد ، وإعادة تعيين ، كل ذلك القى بجديد في موقع الدفاع ، فبعد أن قام ذات يوم بتوجيه اللجنة العسكرية ضد عفلق ، أخذ يهيئ نفسه في مواجهة عسكري يتحداه ، ولما كان قد صرف أكثر وقته في القضايا المدنية ، فقد فات الأوان لإعادة سيطرته على الجيش وقد علق على ذلك بتهكم مرير الدكتور منيف الرزاز الأمين العام للحزب الذي أطاح به جديد عام1966م حين قال:كانت غلطة جديد القاتلة هي انه حاول أن يحكم الجيش من خلال الحزب ، وهي غلطة كانت مألوفة لدينا . [c1]المناضلون في خدمة الموساد[/c] من مؤلفات باتريك سيل التي عالجت اخطر قضايا الشرق الأوسط كتابه ( أبو نضال ، بندقية للإيجار ، المناضلون في خدمة الموساد ) الصادر عام 1992م عن دار الزهراء للإعلام العربي في القاهرة ترجمة وتقديم أحمد رائف وفي هذا الكتاب يقدم المؤلف أخطر المعلومات عن تغلغل الموساد الإسرائيلي في المنظمات الفلسطينية ، وكيف تقوم تلك القيادة الصهيونية بتوجيه منظمة أبو نضال الذي نجح في كل عملياته تحت حماية إسرائيل كما يوضح الكاتب ، وكذلك يبين أن العمليات التي قام بها أبو نضال كانت إسرائيلية الأهداف والتوجهات والخطط ، وكل هذا يعطي لنا صورة عن مقدرة الصحفي الغربي في الوصول إلى أهم وأخطر الوثائق والمعلومات المتصلة بقضايا وأسرار العالم العربي . حول هذا الموضوع الهام من القضية يذكر باتريك سيل في كتابه هذه المعلومات قائلاً : ( في عام 1987م وخلال مقابلة بين أبو إياد وأبو نضال في الجزائر ، قدم الأول مظلمة عن القائمة الطويلة من رجال المنظمة الذين قتلهم ابو نضال ،أو كما يعتقد قتلتهم أيد سرية داخل مجموعته ، وقد اخبرني أبو إياد فيما بعد بما دار بينهما فقال : سألته : ( لماذا قتلت عصام سر طاوي ؟ ) لقد كان صديق عمرك ؟ قلت له : ( أعتقد أن هذه العملية كانت إسرائيل تجذب خيوطها ) كل القضية كانت اختراقاً واستغلالاً ، الطريقة التي هربت بها الأسلحة ، وتهريب القاتل ، والقبض على شريك شاب أثناء سفره بجواز سفر مزور ، قلت له : ( إني أعلم ان إسرائيل تلعب اللعبة معك ) . أخبر أبو إياد أبا نضال أنه قد بدأ يشك في اختراق اسرائيل عندما زوده ضابط استخبارات مغربي بقائمة تضم رجال ابو نضال في اسبانيا – كانوا تسعة عشر وقال ان مصدره الموساد وقد راجع ابو اياد بنفسه القائمة فوجدها صحيحة : سبعة عشر منهم طلبة, لايزالون يعيشون في اسبانيا واثنان تخرجا وعادا الى وطنهم.قال لي ابو اياد : كنت مندهشا من رد ابو نضال نعم لقد رد بهدوء انت على حق اخترقتنا اسرائيل في الماضي لقد اكتشفت هذا من الاعضاء المغاربة والتونسيين. لقد عملت اسرائيل على زرعهم عندي لكن دعني اخبرك اني ارسلت هؤلاء الاعضاء القادمين من شمال افريقيا لانهم الوحيدون الذين اثق بهم حقيقة – الى فرنسا من اجل تمويل وتجنيد عملاء اسرائيليين من شمال افريقيا! ان تيار الاستخبارات احيانا يكون لصالحي، لقد زودني هؤلاء الناس بمعلومات حقيقية مدهشة".فعندك على سبيل المثال قضية سرطاوي لقد اعطوني كل تفاصيل المعلومات التي كنت احتاجها للعملية!كان ابو اياد يسترجع محادثتهما وهو لايكاد يصدق ما قد سمعه:"إن عملاء إسرائليين موجودون في منظمة.وقد زودوه بالمعلومات لقد اعترف ! لقد ادهشتني لهجته الواقعية. لقد اضاف انه كان يحاول تصفية العملاء الاسرائيليين واحدا تلو الآخر. هذا ما قاله! بيد ان الاعتراف لايقرر سوى الاختراق لقد كان ابو اياد مقتنعا ايضا بوجود مشاركة بين الموساد وابو نضال.قال لي ابو اياد انه اعتقد في استغلال اسرائيل لابو نضال من خلال عملاء شمال افريقيا. جاء اعتقاده من حقيقة ان من قتل خضر كان عضوا تونسيا في منظمة ابو نضال ونفس الشيئ بالنسبة لحمامي، وقلق".[c1]عمليات القتل[/c]بتاريخ 4 يناير عام 1978م ضربت رصاصة رأس سعيد الحمامي سفير عرفات في لندن وكان من الشخصيات المعتدلة, وقد قررت الشرطة البريطانية في محاضر التحقيق ان قاتل الحمامي هو (كايد حسين) الذي يعرف ايضا باسم اسعد حسين وهو تونسي عضو في جماعة ابو نضال ومسجل في بريطانيا كطالب..وفي تاريخ 15 يونيو 1978م اطلق الرصاص على علي ياسين ممثل فتح في الكويت في منزله وقتل، وفي 3 اغسطس 1978 قتل عز الدين قلق الذي كان مندوبا لمنظمة التحرير الفلسطينية في فرنسا, وفي 5 اغسطس من نفس العام هاجم مسلحان مكتب المنظمة في اسلام اباد وقتلا اربعة رجال لكنهما اخطئا يوسف ابو حنتاش الذي كان يشغل مندوب المنظمة في ذلك الوقت.وحول هذه الاحداث يقول باتريك سيل : (على الفور وجهت منظمة التحرير الفلسطينية الاتهام الى ابو نضال والى العراق وقد اثار مقتل ياسين غضبا خاصا، اذ قال لي ابو اياد : "لم ارغب على الاطلاق في قتل ابو نضال حتى جاء اليوم الذي قتل فيه علي ياسين". واضاف قائلا : "انه حاول قتله عدة مرات، وفي احدى المناسبات اخذ الاسلحة بالفعل الى بغداد بنفسه اثناء احدى زياراته الرسمية، بيد ان الاستخبارات العراقية وفرت حراسة آمنة لابونضال كتلك التي توفرها للرئيس البكر او لصدام حسين.وللانتقام لياسين قامت فتح باطلاق الصواريخ على السفارة العراقية في بيروت يوم 17 يوليو 1978من وبعدها بيومين اقتحموا مكتب ابو نضال في طرابلس بليبيا وقتلوا رجلين من اعضائه. وفي يوم 24 يوليو زرعت فتح قنبلة خارج السفارة العراقية في بروكسل, وفي يوم 28 يوليو نجا السفير العراقي في لندن من محاولة لقتله. وفي 31 يوليو حاول احمد شقيق سعيد حمامي احتلال السفارة العراقية في باريس، وفتح النيران على اعضائها فقتل مفتشا فرنسياً.بتاريخ 10 ابريل 1983م قتل عصام سرطاوي في فندق البوفيرا بالبرتغال وكان يحضر مؤتمرا للاشتراكية الدولية، وبعد ساعات من العملية أعلن ابو نضال من دمشق مسؤوليته عن القتل وفي 27 يوليو 1981م كانت هناك عملية قتل استهدفت ابو داود القائد البارز في فتح في وارسو.[c1]دائرة الاستخبارات[/c]منذ انفصال ابو نضال عن فتح عام 1974م اصبحت عمليات ابو نضال تابعة لتنظيم سري كان يعرف باسم اللجنة العسكرية، قد انضم اليه عدد من الرجال الذين تلقوا تدريبات خاصة وكانت أعمالهم في الخفاء في العديد من أعمال العنف التي دفعوا،إليها، واثناء السنوات التي كانت فيها المنظمة في بغداد، ظلت اللجنة العسكرية هي المحرك الرئيسي للمنظمة، وكان خبير المفرقعات ناجي ابو الفوارس قد شغل منصب الرئيس فيها من عام 1979م حتى عام 1982م وحين نقلت المنظمة من العراق الى سوريا عام 1982 - 1983م تم تغيير اسمها وعرفت باسم لجنة المهام الخاصة وتولى الدكتور غسان العلي ادارة العمل فيها منذ منتصف الثمانينات، وهو الذي راقب عمليات القتل في تلك السنوات.في عام 1985م جرى تغيير كبير حين أسست دائرة الاستخبارات وكانت بها اربعة اقسام وهي : 1 – لجنة المهام الخاصة، التي اندمجت في الدائرة الجديدة.2 – لجنة الاستخبارات الخارجية.3 – لجنة مكافحة التجسس.4 – لجنة لبنان.وفي هذا الجانب يقول باتريك سيل : ( منذ البداية كانت هذه الدائرة هي الأكثر أهمية في كل المنظمة، وكانت مهتمه , مثل اللجنة العسكرية القديمة بزرع العملاء الذين يعملون بالخارج , تحت ساتر , وإقامة المخابئ السرية للأسلحة بالقرب من الأهداف المحتملة , وتنفيذ أعمال الاغتيال ومراقبة واختراق الأجهزة السرية المعادية , وكانت مسؤولة , بداخل البلاد المعادية عن المعلمين والأسلحة ومخازن المنظمة ومختلف منشآت التدريب , وكانت أية معلومات ذات طبيعة سرية نلتقطها أية دائرة أو لجنة تبلغ إليها فوراً . كانت مركز السيطرة الذي يرجع إليه في كل الأمور الهامة. وقد كان لهذه الدائرة ثلاثون أو أربعون مقراً في بلاد أجنبية , وكل منها مسؤول عن عشرات من مخابئ الأسلحة , ويحتمل أن يكون أكبرها في تركيا , التي منها يمكن نقل الأسلحة إلى أوروبا والبلاد العربية بطريق البر , ولقد كانت هناك مرحلتان رئيسيتان لتوزيع السلاح , في تاريخ المنطقة : المرحلة العراقية , وكانت تكديسات السلاح ترسل إلى اليونان , وتركيا , وفرنسا , والمرحلة السورية وفيها أضيفت قبرص , وإيطاليا , وألمانيا الغربية .وعندما أنشئت هذه الدائرة عام 1985م , كان طبيعياً أن يختار / عبدالرحمن عيسى في البداية رئيساً لها , فقد كان أطول الأعضاء خدمة بالمنظمة , وكان لسنوات بمثابة ظل أبي نضال . كان قريباً منه منذ تقابلا أول مرة في الأردن في الستينيات , وأخذه أبو نضال معه إلى السودان , ثم إلى العراق كمساعد له , وسكرتير خاص له , وكان يأتمنه على كل أنواع الأسرار الشخصية والعائلية ) .[c1]الخيوط الخفية[/c]حول علاقات إسرائيل مع أبو نضال , تساؤل يطرح الكاتب باتريك سيل أكثر من رد عليه , والأدلة منها استدلالي وتخميني وبعضها ما هو حقيقي وجوهري , وقد جذبت أعمال أبو نضال انتياه الكاتب في لبنان وقد تزايدت شكوكه حول هذا الأمر عندما لاحظ منذ أواخر الستينات قيام إسرائيل بعدة غارات جوية وقصف مدفعي وهجمات دمرت مواقع للشيعة ومنظمة فتح والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وحزب الله لم تنل مواقعه , إلا مرة واحدة في عام 1988م عندما أسقطت قنبلة دقيقة فوق خيمة فقتلت ثماني مدربات غير أن العديد من المباني التي يتواجد بها رجال أبو نضال تركت سليمة دون ضرب.وفي عام 1990م قال أحد الخبراء الألمان في قضايا الارهاب للصحفي باتريك سيل : ( أن الذين تود إسرائيل تدميرهم فإنها تدمرهم حتى إذا كان ذلك يتطلب أن ترسل لهم عناصر للاغتيال , ولكن ماذا فعل الأسرائيليون لأبو نضال في خمسة عشر عاماَ؟ إنه يبدو كما لو أن الموساد يود أن يبقيه حياً ! ) .