لليمن ..لا لعلي عبدالله صالح ( 23 )
عرضنا في الحلقة السابقة من هذا المقال أبرز الأفكار الأساسية للمشروع السياسي والأيديولوجي لتنظيم «القاعدة» الذي يسعى إلى أسلمة العالم وقتال كل المخالفين بسلاح الارهاب، على طريق إقامة دولة دينية كهنوتية على غرار إمارة ( طالبان) في أي بقعة يتمكن المجاهدون من الاستيلاء عليها. وكنا في نهاية تلك الحلقة قد أكدنا على ضرورة مقاربة هذه الأفكار من خلال التعرف على جذورها الفقهية في الخطاب الديني السلفي العام ، وصولا، إلى إعادة اكتشاف القواسم المشتركة بين هذا الخطاب من جهة، وبين الإرهاب من جهة أخرى.ولما كان الخطاب السياسي والأيديولوجي لتنظيم «القاعدة» الإرهابي ـــ وهو خطاب سلفي بامتياز ــــ قد اتهم الرئيس علي عبدالله صالح والنظام الجمهوري الديمقراطي بالكفر والخروج عن الإسلام، فإنه من الضرورة قبل التعرف على جذور أيديولوجيا تنظيم «القاعدة» في الخطاب السلفي العام، عرض رؤية الرئيس علي عبدالله صالح للإرهاب ، وما يرتبط به من أفكار وتوجهات متطرفة.وبوسع القراءة الفاحصة لمواقف الرئيس علي عبدالله صالح إزاء الإرهاب فكراً وممارسة، تمهيد الطريق لمقاربات أكثر عمقـا من أجل التعرف على نقاط الصدام الموضوعي بين أيديولوجيا الإرهاب ومشروع بناء الدولة الوطنية المدنية الحديثة التي أسهم ولايزال يسهم الرئيس علي عبدالله صالح بقسط وافر في ترسيخ أسسها ومواصلة بنائها، على طريق تحقيق الأهداف الإستراتيجية للثورة اليمنية (26 سبتمبر - 14 أكتوبر)، وتحسين موقع اليمن في المجتمع الدولي الحديث والحضارة المعاصرة.ومما له دلالة عميقة أن يكون صوت الرئيس علي عبدالله صالح سباقـاً ، في الدعوة إلى تحقيق التعاون الدولي لمكافحة الإرهاب قبل أحداث (11 سبتمبر 2001) وصدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم (1373) تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، بإلزام كافة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بالتعاون في مكافحة الإرهاب ومنع حصول ملاذ آمن له، وتنسيق الجهود الاستخبارية والأمنية لملاحقة مرتكبيه وتطويق مصادر تمويله.فقد أعلن الرئيس علي عبدالله صالح في مؤتمر صحفي عقده في القصر الجمهوري بالعاصمة صنعاء يوم 26 سبتمبر 1999م إدانة اليمن للإرهاب سواء، أكان في اليمن أو في أي قطر عربي أو في العالم أجمع، وأبدى أسفه من أن دولا عظمى كبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية تحرض المجتمع الدولي على محاربة الإرهاب، بينما هي تؤوي قيادات بارزة وفاعلة للإرهاب مثل ابو حمزة المصري وعمر عبداالرحمن، مشيرا إلى أن احتضان هؤلاء الإرهابيين سلوك خاطئ ، وستدفع ثمنه الدول التي تؤويهم ، وهو ما حصل فعلا، في تفجيرات نيويورك ولندن بعد عامين من هذا التصريح.وعقب أحداث 11 سبتمبر 2001م كشف الرئيس علي عبدالله صالح في مقابلة نشرتها صحيفة (الرأي العام) الكويتية بتاريخ 3 ديسمبر 2001م النقاب عن أن اليمن كانت قد تقدمت بطلب إلى السودان لتسليم أسامة بن لادن بسبب مسؤوليته عن الانفجارات التي وقعت في عدن خلال شهر مايو 1993م، واستهدفت فندقي عدن وجولد مور وأودت بحياة بعض السياح الأجانب.وفي اليوم نفسه نشرت صحيفة (الشرق الأوسط) التي تصدر في لندن مقابلة مع الرئيس علي عبدالله صالح أكد فيها وجود تعاون بين اليمن والولايات المتحدة الأمريكية في إطار قرار مجلس الأمن الدولي رقم (1373) بشأن مكافحة الإرهاب، مشيرا إلى أن البلدين متفقان على ملاحقة أعضاء القاعدة أينما وجدوا سواء أكانوا في منطقتنا أو أوروبا أو امريكا أو افغانستان.ولدى استقباله رجال الدين في اليمن لتهنئتهم بخواتم شهر رمضان المبارك في يوم الخميس 13 / 12 / 2001م، قال الرئيس علي عبدالله صالح إن صحافة أحزاب (( اللقاء المشترك )) انتقدت زيارته للولايات المتحدة الأمريكية بعد أحداث 11 سبتمبر 2001م، موضحاً أنه ذهب إلى واشنطن لتجنيب اليمن مخاطر التآمر الخارجي والعدوان عليه، لأن هناك معلومات خاطئة وكيدية كانت تنقل إلى الإدارة الأمريكية وسفارتها في صنعاء تفيد بأن اليمن ستكون أفغانستان الثانية بعد سقوط «طالبان»، ويجب أن تتلقى ضربة عسكرية مماثلة .. كما أكد في مقابلة أذاعها مركز تلفزيون «الشرق الأوسط MBC” يوم الأربعاء 19 ديسمبر 2001م على الهواء مباشرة من العاصمة اللبنانية بيروت أن الإرهاب آفة وخطر يهدد العالم بأسره، وأن جميع الدول والحكومات والشعوب شركاء في مكافحته، فيما نفى في مقابلة أذاعتها قناة «CNN» الأميركية يوم الاثنين 9 فبراير 2002م ، أن تكون الولايات المتحدة قد أبلغت اليمن رسمياً بأنه أصبح ملاذاً للإرهاب ، موضحاً أنه كان هناك وجود لعدد من الجماعات الإسلامية ، حيث جاء إلى اليمن بعد إنهاء الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفيتي بعض العرب الأفغان وأقاموا في بعض المناطق اليمنية، لكن الحكومة اليمنية قامت بترحيلهم عقب حرب صيف 1994م، حيث كان هذا القرار يمنياً 100 % وليس بضغط خارجي.وجدد الرئيس تأكيده على هذا الموقف في مقابلة نشرتها صحيفة (الخليج) الإماراتية يوم الأربعاء 9 أغسطس 2004م بقوله إنه ليس لدى اليمن ما يخشى من الإفصاح عنه، بشأن التنسيق مع الدول العربية والأجنبية لمواجهة خطر الإرهاب. ووصف ما يقال عن فرض إملاءات خارجية على بلادنا بأنه مجرد أوهام اختلقتها وروجتها بعض أحزاب المعارضة كجزء من إستراتيجيتها في الهجوم على الحكومة والحزب الحاكم، مشيرا إلى أنها إدعاءات كاذبة ومضللة. ومن نافل القول ان الرئيس علي عبدالله صالح كان يشير بذلك الى الموقف الحقيقي لأحزاب ( اللقاء المشترك ) من الارهاب بعد أحداث 11 سبتمبر 2001م، عندما عاد وفد الأمناء العامين المساعدين ـــ سابقا ــ لأحزاب ( اللقاء المشترك) من بيروت وهم : جار الله عمر ( رحمه الله ) ، وعبدالوهاب الآنسي وسلطان العيتواني ومحمد عبدالملك المتوكل، بعد مشاركتهم آنذاك في المؤتمر القومي العربي الإسلامي الذي انعقد في الضاحية الجنوبية من العاصمة اللبنانية أواخر عام 2001م ، و طالب الدول العربية برفض قرار مجلس الأمن الدولي رقم (1373) الصادر في عام 2001م، والذي يلزم جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بالتعاون الدولي في جميع المجالات السياسية والأمنية والمالية والاستخبارية لملاحقة الإرهاب، ومعاقبة مرتكبيه، وعدم تمكينه من الحصول على ملاذٍ آمنٍ، وقطع مصادر تمويله وتجفيف منابع الأفكار المتطرفة التي تولد الارهاب. وكان مثيراً للدهشة أنّ وفد ( اللقاء المشترك ) الذي عاد مبهوراً بقرارات ذلك المؤتمر، أصدر تصريحات شهيرة وسمجة آنذاك ، طالب فيها الحكومة اليمنية برفض هذا القرار والامتناع عن تنفيذه . وقد قوبلت تلك التصريحات باستهجان واسع وانتقادات شديدة من قبل الحزب الحاكم وقوى سياسية أخرى وعدد كبير من السياسيين و المثقفين الذين اتهموا احزاب (اللقاء المشترك ) بالإفراط في المكايدات السياسية وعدم مراعاة المصالح الوطنية العليا، والسعي المحموم للدفع باليمن إلى مجابهة غير محسوبة وغير محمـــودة العواقــب مع المجتمــع الدولي ـــ عموما ـــ ، ومع الولايات المتــحدة الأمريكية ـــ خصوصاً ـــ التي كانت تتصرف بغضب هائج كالأسد الجريح ، في تلك الظروف العصيبة، التي لم تكن قد جفت فيها دماء ضحايا أحداث 11 سبتمبر 2001م الإرهابية، وسط تعالي الأصوات المتطرفة التي كانت تحرض الادارة الأميركية على توجيه ضربات عسكرية لكل بلد يبدي تعاطفـاً مع الإرهاب، وخروجا عن الإجماع الدولي والقرارات الدولية المناهضة للإرهاب.ويواصل الرئيس بلورة رؤيته للإرهاب وأهمية التعاون الدولي لمكافحته، حيث أوضح في كلمة ألقاها في الاحتفال الذي أقامته منظمة (دي . إي .. إي) بمدينة بون في ألمانيا يوم الثلاثاء 24 / 6 / 2003م ، أثناء زيارته لجمهورية ألمانيا الاتحادية أن بلادنا تعرضت لعدد من أعمال الإرهاب وبضمنها تلك التي طالت متطوعين سياحا ، من ألمانيا، مشيرا إلى أن مكافحة الإرهاب هو قاسم مشترك بين كافة الدول المتحضرة، لأنه آفة دولية خطيرة لا دين ولا وطن لهما.وجدد الرئيس التعبير عن هذه الرؤية عقب لقائه رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي يوم الاثنين 26 / 6 / 2006م، في صنعاء حيث أكد أن بلادنا ستواصل سياستها المناهضة للإرهاب واستئصاله من جذوره، سواء أكان هناك عون من الدول الصديقة أم لا، لأنها سياسة اخترناها، ومن أجل حماية مصالحنا الوطنية في الاستقرار والتنمية الحرة، ومكافحة الفقر والجهل في اليمن، مشيرا إلى أن اليمن اكتوى بنار الإرهاب قبل وبعد 11 سبتمبر حيث تضرر من الإرهاب في تفجير المدمرة كول في عن وناقلة النفط الفرنسية لايمبرج وفي عدد من الهجمات الإرهابية التي يقوم بها تنظيم “القاعدة”.وفي كلمته التي ألقاها الأخ الرئيس علي عبدالله صالح أثناء استقباله وفد رؤساء تحرير الصحف (السعودية) في 31 مايو 2004 شدد فخامته على أهمية توعية ومناصحة المضللين الذين لم يتورطوا في ارتكاب جرائم إرهابية، وتحصينهم من الأفكار المتطرفة والضالة التي تؤدي إلى التطرف وممارسة الإرهاب، كما تحدث في الاتجاه نفسه أمام الوفد الصحفي الإيطالي بتاريخ 19 يوليو 2004م مشدداً على أهمية الجانب الثقافي في مكافحة الإرهاب من خلال التوعية وتحصين المجتمع من الاختراقات الفكرية المتطرفة.ويواصل الرئيس عرض رؤيته الثقافية لمكافحة الإرهاب حيث سلط الضوء في حديث نشرته صحيفة (نيكاتي) اليابانية يوم 12 / 6 / 2004م، على دور التعليم في تحصين الشباب من الأفكار المتطرفة التي تؤدي إلى الإرهاب، مشيراً إلى أن إستراتيجية الحكومة اليمنية في هذا المجال تتمثل في أن يكون هناك نظام تعليمي واحد لا نظامان تعليميان، وبما يضمن أن تكون هناك ثقافة واحدة، كما أكد الرئيس عزم اليمن على مواصلة الإصلاحات في مجال التعليم من خلال توحيد المناهج وتطويرها بهدف سد الفراغ الفكري والثقافي ، وإيجاد تنمية ثقافية متطورة وثقافة وطنية واحدة تنطلق من عقيدتنا الإسلامية وقيم شعبنا ومبادئ وأهداف الثورة والمبادئ الديمقراطية.ومضى فخامته في عرض رؤيته لسبل الحد من خطر الإرهاب حيث حدد ثلاثة مسارات هي مكافحة الفقر وإيجاد تربية وطنية معتمدة والالتزام بالديمقراطية نهجا وسلوكا.ولا يفوت الرئيس في مقابلة مع صحيفة (كريرا ديلاسيرا الإيطالية) بتاريخ 24 نوفمبر 2004م أن يؤكد خطأ القول بأن التطرف هو ظاهرة إسلامية فقط، منوها بأن التطرف موجود في كل الديانات.. فهناك متطرفون إسلاميون من الذين ذهبوا إلى أفغانستان مثل تنظيم “القاعدة” والجهاد وجماعات سلفية متطرفة، لكن هناك أيضا متطرفون يهود ومتطرفون مسيحيون وجماعات سلفية وأصولية متشددة في مختلف الديانات.وفي خطابه الموجه بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك والعيد الحادي والأربعين لثورة 14 أكتوبر 2004م، قال الأخ الرئيس إن ديننا الإسلامي الحنيف هو دين التسامح والمحبة والإخاء والعدل والرحمة، مشيرا الى أن السلام هو الأصل والقاعدة التي جبل عليها الإنسان، وأن عظمة الإسلام تتجلى في كونه جاء دينـاً حنيفـاً بسيطاً لا إكراه فيه، ولا كهنوت ولا تعصب، بل جاء ديناً موحدا جامعا يرفض التمزق والفرقة والبغضاء والكراهية والغلو والتطرف والإرهاب.وتصل رؤية الرئيس للإرهاب وسبل مكافحته ذروتها في الكلمة التي ألقاها لدى استقباله الوفود المشاركة في الاجتماع السنوي السابع والثلاثين للهيئات المالية العربية بتاريخ 3 أبريل 2008م ، حيث شدد على ضرورة تشابك الأيدي في الأقطار العربية والأسرة الدولية لمكافحة الفقر والذي يجب أن يكون من أولويات مكافحة الإرهاب، وتحصين الشباب العاطل عن العمل من الوقوع في فخ الثقافة المتطرفة ، مشددا على أهمية استيعاب الأيدي العاطلة في سوق العمل وخلق فرص عمل لهم وتعليمهم وتدريبهم، إضافة إلى دعم جهود الحكومات في بناء معاهد فنية وتقنية لتأهيل العمالة حتى لا يكونوا عبئـا ثقيلا على شعوبهم ومجتمعاتهم والدول الأخرى.لاشك في أن الآراء والأفكار التي وردت سابقـاً على لسان الرئيس علي عبدالله صالح بشأن الإرهاب وسبل مكافحته في العديد من مقابلاته الصحفية وخطاباته السياسية تتصادم موضوعياً مع الآراء والأفكار التي وردت على لسان أمير تنظيم (القاعدة) في المقابلة الصحفية الشهيرة التي نشرتها صحيفة “الناس” التي يصدرها حزب التجمع اليمني للاصلاح في يناير 2009، وعرضنا محتواها في الحلقة السابقة من هذا المقال. كما تتعارض مع آراء وافكار ودعوات أبرز رموز الحركة الصحوية السلفية في اليمن والسعودية على نحو ما سنعرضه لاحقاً ، وهو صدام بالضرورة بين مشروعين متناقضين سياسيا وايديولوجياً .ولئن كنا بصدد التعرف على حالة التماهي بين المشروع السياسي والأيديولوجي لتنظيم (القاعدة) والخطاب السلفي العام، فإن ذلك يستدعي ــــ أيضاً ــــ عرض رؤية الرئيس علي عبدالله صالح للديمقراطية وحق الشعب باعتباره مالك السلطة ومصدرها في أن يحكم نفسه بنفسه واختيار حكامه وممثليه في هيئات الدولة المنتخبة عبر صناديق الاقتراع ، وبضمنها السلطتان التنفيذية والتشريعية ، ومقارنتها برؤية السلفيين وموقفهم من الديمقراطية والانتخابات ، بما في ذلك عرض موقف الرئيس علي عبدالله صالح المعارض لنظام (طالبان) الكهنوتي بما هو نموذج للدولة الدينية التي تسعى الجماعات السلفية ـــ الدعوية والجهادية ـــ إلى إقامتها تحت مسمى (( تحكيم الشريعة وإقامة حاكمية الله وإحياء نظام الخلافة )) .. وهذا ما سنتناوله في الحلقة القادمة بإذن الله. [c1]-----------------------------* عن / صحيفة ( 26 سبتمبر )[/c]