محمد نعمان الشرجبيأما قبل، حسن عبد الحق، شخصية حالمة، علاقتي به تزيد عن جلستين بواحدة. قارئ لعدد من غنائياته المثبتة في الصحف المحلية إلى جانب ما وقع في يدي من كتابات عنه فيها. رغبت في الكتابة عن مبدعاته مع تأجيل مشروع الرغبة إلى حين. هكذا أنا، وهو بإيجاز ليس إلا.وها أنا في الليلة الثالثة من رمضان المبارك، أخلوا إلى النفس أستنطق اليراع بتعجيل من الرغبة المؤجلة، لغنائيات عشر، من مبدعات الشاعر حسن عبد الحق، أحسبها تقود إلى الفائدة المرجوة.شاعر تخطى منتصف الطريق التجريبي مرتين، من زمن طويل تولى، حتى أصبح أسير الشعر، والشعر أسيره. فأوسعه الشعر دلالاً، وحسن أوسعه إقبالاً.جبال المعاشيق متاع الشاعر ووفاء حبهشاعر مثل الذي نحن في حضرته، تنبئ قصائده التي بين حضرتنا عن فهم طيب لمستوى نضوج وتطور المستمع والقارئ في آن. ومن هذه الرؤية متقنة النفاذ يضع الشاعر حسن نصب عينيه حاجيات الناس الفنية، بدءاً بانتقاء النصوص وحتى سوقها إليهم شعراً خفيف الظل، يتقطر نسيم شوق المؤانسة، و (جبال المعاشيق) متاع الشاعر، وفيض عاطفته، ومكان يتنفس فيه من تاريخ الشجو، وفيها قال: [c1]رددوا الصوت والدان بعد فترة حزينةنسموا قلب تعبان غاب من عاشقينهرغم طول السفر والهم في الحال والضيقيا جبال المعاشيقمحتفظ بالوفاء والحب جملة وتفريق[/c]هذه الغنائية التي لحنها الشاعر، ويغنيها المطرب الكسادي، تتكئ على ذاكرة قوية من داخل باطن العقل، لا من خارجه، تختزن مجلية المكان (جبال معاشيق)، وتستذكر الحنين دونما اعتبار للقاعدة العربية هذه، (هذا بذاك ولا عتب على الزمن). بدليل قوله (محتفظ بالوفاء والحب جملة وتفريق)، على انه بسبب من هذا الوفاء سبقته أشواقه إلى عذارى العشق في (معاشيق)، وكأنه أحد جبال عشاق بني عذرة.وليته في المقطع بعد الذي سقناه أعلاه استبدل لفظة جيران، بلفظة حزنان، نهاية صدر الثاني، لتلتمع الصورة الفنية بالطباق البلاغي في فرحان وحزنان، ما لم، فلينشد المطلوب من الجناس غير التام، وفيه أيضاً استحسان لمعنى الفرح الذي يخرج من عباءة الحزن.ومع كل هذا يبدو لي أنه كان على مرمى النيران، فأخذته على حين غره، لقوله :[c1]وأتعبوه البشريرموه بأخبار تلفيق[/c]وفي بعض قصائده تراه لا يستعذب مساء وصباح الصبر. ويعزف من خيمة الخليل لحناً هزجياً جميلاً..[c1]على الأهزاج تسهيلمفاعيلن مفاعيل[/c]غنائيته (تصبرنا) بتلقفها المطرب الكسادي، وكأنما هو الآخر مثقل العينين من الصبر..[c1]تصبرنا وصابرناوضاق الصبر من صبريومن أجلك تحملناصنوف القهر يا عمريورحلة عمر تحكيهالك الأيام من شعريمع الأنغام ترويهاوتهديها لمن يدري[/c]والصبر في هذه الغنائية، الركيزة المضمونية التي اتكأ عليها الشاعر، متحملاً تبعاتها، غير مبالغ في تحمل عذابات صحوه وغفوته، دونما حاجة إلى تحجير الحب والأماني والحياة الجميلة، وكـأن الشاعر عندي يتنفس من ظمأ الصبر نسيم الجداول.والبيت الأول من الغنائية في تقديرنا إجابة قاطعة لشاعر واساه بقوله :[c1]لو رأيناك صابراً لهوانا لوهبناك كلما تتمنى[/c]وبيت عبد الحق الصابر يلتقي مع قول الشاعر العربي :[c1]تصبرت حتى قيل أني صابرسأصبر حتى يعجز الصبر عن صبري[/c]وقبل هذا وذاك قال الثمل عشقاً بلين وسحر عبلة، عنترة العبسي،..[c1]صبرت قلبي بالرجاء لينتهيعن ذكر عبل فلم يطاوعني فمي.[/c]ومع أننا سنظل بحاجة إلى الإجابة عن هذا السؤال، هل ينكر الصبر عشاقه؟ أحسب أني في الإجابة مخيراً بين أمرين، ربما أحلاهما يجوس في خاطر الشاعر حسن أسير الهوى ظاهراً وباطناً،..[c1]ويعلم حالي الباريشيء ظاهر وشيء باطن[/c]زد على ذلك أن شاعرنا المتدثر بالعشق، الصابر على تباريح الوجد لا قدرة له على هجر نفسه، وهو ما بينه بقوله..[c1]لأنا اثنين في واحدسوى منك سوى منيروحان في جسد واحدهما، لا كمن تخشن وتغلظ قلبه، ولم يسمح للعشق أن يستبد به.[/c]ولأنه لا ضير من مكرور القول، أقول، ربما أحلاهما - يجوس في خاطر الشاعر حسن أسير الهوى، ولحلاوته معنى مشرق الأمل لساعة صفو التلاقي التي وصفها شاعر آخر بقوله :ونذرت لو جاءت أصوغ لجيدهامن كل أحلام الوصال قلائدا[/c]والحق، يا حسين الحق، لا أدري، ولكن، ربما تراءى لك أن عدن الفاتنة ضنت عليك بحنانها وأنت المحتاج إليه، ومع ذلك رد اللوم على الرؤى..[c1]والرؤى حولي غامتبين شكي ويقينيوالمنى ترقص في قلبيعلى لحن شجوني[/c]بدا لي في القصيدة الآتية، كثيرة المحسنات اللفظية، جغرافية التطواف في الجمال، ضعيفاً مستسلماً، كما لم أره في قصائده التي بين يدي، وكأني به يطلب استرداد نفسه من نفسها..[c1]يا ملاك الحسن بين العبادييا مميز بين قلة قلائلأنت من إب اليمن أو زياديأو قصيمي أو من أصحاب حائلأو خليجي من نواحي بلاديأو حجازي من بلاد الأصائلغايتي انته وانته مراديباتوسل لك بكل الوسائل[/c]في هذا المقطع الغنائي لا ينقل الأخبار بوضوح، لانشغال نظره وذاكرته بالتطواف بين إب اليمن، وقصيم في المملكة العربية السعودية، والخليج والحجاز، ومن الجائز أن له عذراً ونحن نلوم. لكنه في البيت الآتي :[c1]صرت لزمه بين شربي وزادي[/c]رأى في العشق مالا تراه عين، (عين مسهدة وقلب يخفق) ولأنه مصاب بمس من العشق فهو بالتأكيد شاعر، ولهذا أرى فيه قلباً مسه الشوق فذابا، ولا يملك إلا التسليم والإقرار لقوله :[c1]صرت لزمه بين شربي وزاديوأن غربتوا من عيوني تخاتل[/c]مع هذا البيت، وعودة إلى الأبيات التالية :[c1]غايتي انته وانته مراديباتوسل لك بكل الوسائلأمركم نافذ وأنت القيادييا عميد الغيد بين الفصائلبا تنازل لك وبترك عناديذي غدى طبعي ولا كان زائلللهوى حكمه وحكمك سياديفوق راسي حكم مولى الجدائل[/c]نستشف حالة من لا جدب للحب في داخله منذ استقاه، وتفصح عن متبول كأنه نهر مهدد بالجفاف، وما أراه يطرح السؤال التالي، هل وصلت العلاقة إلى ما يشبه خطورة الموقف، أو بدا يستبين له تهديد عشقي من نوع ما؟ أحسب أني قاربت جواز ذلك، لأن الشاعر العاشق بدأ يتأهب لحالة الضرورة القصوى مع استبعاد استنفاذها، لفعل شيء ذي بال تجاه مشكلة عاطفية بهذا الحجم. فراح يعبر لها عن غرامه المتقد متنازلاً عن عناده، في طلب الاستعطاف، والرضى، لا بعين العقل وحده، بل بعين القلب، وبلحن يطرب الأسماع ويهز القلوب.. فاتن مثل هذا أحق بالنظر إليه بعين القلب، ومع الشاعر نستعطفه.. وبصوت فنانة الشرق أم كلثوم..[c1]يا فاتناً لو لاه ما هزني وجدولا طعم الهوى طاب ليهذا فؤادي فامتلك أمرهفأظلمه إن أحببت أو فاعدلي[/c]خاتمة التطواف الذي ننشد له العودة مع الشاعر العاشق حسن عبد الحق، لطيف الالتماس من يثير فينا عجباً يزج داخل الأجفان اليقظة، أقول لبقية الغنائيات غير المشمولة بالتناول، لك عندي دين أو فيه، وفاتحة لقول الشاعر:[c1]قد ذبت من شوقي لها متوقداًومضيت ليلي ساهراً ومسهدا[/c]
|
ثقافة
حسن عبد الحق.. شاعر غنائي متدثر بالعشق
أخبار متعلقة