قصة قصيرة
كانت الساعة تقترب من الثالثة بعد الظهر حين رن جرس الباب نظرت من فتحة صغيرة على الباب . فزعت امل لان طرق الابواب لايعني لها سوى خيالات شخص سمين قصير يسير جيئة وذهاباً خلف الستارة رأت سيارة فولكس فاكن بلون سمائي وبعد أن فتحت الباب أخذ الرجل يحملق في الباب ، حاولت امل ان تبدو غير مبالية.ـ أريد التحدث إلى الدكتورـ آسفة انه غير موجود.ـ أتعرفين متى سيعود ؟ـ بعد ساعتين ، ثلاث لا أكثر .ثم غادرها واغلقت الباب اقتربت من زوجها ولم يكن وجهها يوحي بشيء سوى الخوف عليه.ـ عليك ان تغادر الآن .هز أحمد رأسه رافضاً .ليس الآن ولكن بعد نصف ساعة ، فمن المتوقع ان يكونوا منتظرين .. ولربما سيعودون ثانية .ارتدى أحمد ملابسه على الفور ، تناول بعض الاوراق وجواز سفره وغادر المدينة دون ان يلمحه أحد متوجهاً إلى مسقط رأسه . تعاظمت المخاوف عند أمل فارتدت هي الاخرى ملابسها وألبست طفليها وغادرت بعده . ولم يخطر ببالها بأنها ستلحق الباص الذي استقله زوجها صعدت إلى الباص ولم تقع عينيها على زوجها الذي كان يجلس في أحد المقاعد الخلفية من الباص لكزتها ابنتها التي لم يتجاوز عمرها الخامسة وقالت بصوت خفيض:ـ ماما أنظري .. باب يجلس في الخلف .همست أمها في أذنها قائلة :ـ حبيبتي لاتتكلمي ولاتنطقي كلمة بابا ولاتنظري باتجاهه.احتلت أمل مكاناً استراتيجياً في الباص يسمح لها برؤية أحمد دون ان تثير انتباه الاخرين ، وفي مدينته ترجلا من الباص وسار كل منهما باتجاه وكأنما لايعرف أحدهما الآخر ، ذهبت أمل مع طفليها إلى بيت أهله تنتظر عودته .. عاد أحمد واستلقى بجانبها على السرير وراح يحدثها عن القرار الذي توصل إليه وهو مغادرة الوطن ، لم تنم أمل في تلك الليلة ولم يغمض لها جفن .. أنه سيغادر صباح اليوم التالي ألقت برأسها على كتفه ولفته بذراعها وكانت تهمس ببعض الكلمات ، كلمات ضيق ، وداع ، كلمات جسد يأبى الانفصال أحتضنها .. قبلها وقال :حبيبتي أنا هنا بجانبك .. سنضطر إلى الفراق لفترة قصيرة لكنا سنلتقي ستبقين وحدك في قلبي إلى أن تحين منيتي .ـ سانتظرك ولا تقلق علينا ، كنت ولاتزال سدرة بظهاري الصيف تجويني الشمس وأكعد بسدك ، لكن كن حذراً ، وهل جواز السفر بحوزتك؟ـ نعم لاتقلقي بشأنه ، ولاترهقي نفسك بالتفكير في وضعي.كان الوقت باكراً في الصباح والشوارع مقفرة ، ومصاريع النوافذ مابرحت مغلقة حين ودعها أحمد على أن يلتقيها في بغداد قريباً . حاولت أمل طويلاً ايقاف عقلها ولو لبرهة قصيرة ، لكن دون طائل رفعت سماعة التلفون واتصلت بالمدرسة التي تعمل فيها لتمديد فترة اجازتها تعللت بالمرض واستقر رأيها ان لاتخبر أحداً عن سفره ، وراحت تحيك قصة تستطيع ان تقنع العاملين مع زوجها بسبب تأخره عن الدوام وبعد يومين التقته لفترة قصيرة .ـ أحضرت بعض ملابسك وبعض المال وقد اقترضته من الاصدقاء وسأعيده لهم حين اتسلم القرض.لكن تحتاجين إليه لتكملة بناء البيت .ـ لاتقلق سأتدبر امري .ـ ما كمية المال الذي جلبته ؟ـ نظرت إليه نظرة سريعة وقالت :كمية ليست بالقليلة ، تكفي احتياجاتك في الغربة لحين تستقر امورك .أنا الآن أشعر بطمأنينة وتفاؤل وثقة بمستقبلي ، فإليك يا حبيبتي احني رأسي اكباراً لوفائك واخلاصك لحبنا ولمبادئنا السامية .سارا بصمت جنباً إلى جنب .. اصبحت امل كتلة من الخوف لكنها تمالكت نفسها لتحمل الوداع أخذ قلبها ينبض بقوة واحست بأنها تسمع دقاته وبأن من حولها يستطيع ان يسمعه تركها احمد دون التفوه بكلمة . تأملها وهي تعبر الشارع إلى موقف الباص دون أن تلتفت إلى الوراء وقفت في موقف الباص وظل هوواقفاً في مكانه ينظر إليها بعيون شاردة ، استدرات إليه لكنها لم تستطع رفع ذراعها لتودعه لربما يوجد من يراقبهما ، تحركت شفتاها وهي تنظر إليه لكنها لم يصدر عنهما صوت .. آه يا الهي يشعر الانسان المطارد والراضخ تحت جبروت الخوف بان أعين الناس جميعها متجهة إليه ..استقلت أمل الباص المتوجه إلى محطة القطار وغادر أحمد إلى أحد الفنادق القريبة غادرها دون اختيار منه ، لكن صورته لم تغب عن مخيلتها .. كانت تراه في كل شيء حولها ، أنت في حدقة العين يعترض خيالك كل شيء أراه ترسم حدود الاشياء وكل العالم الذي يحيطني وأنت في الذاكرة حيث صدى روحي. ولم تفعل الغربة الا أن زادته حباً واخلاصاً لها ، ومن الغربة كتب لها يقول : يقولون لي هؤلاء نساء صوفيا الجميلات امامك ، فما بالك لاتتخذ منهن واحدة صديقة أو عشيقة ، ضحكت منهم .. ولا أشعر بأني صرخت بهم كأن شيئاً ينتفض في داخلي كيف .. ؟ .. كيف .. انكم لاتعرفون بأني تركت امرأة في بلدي لايمكن لنساء الارض قاطبة وان اجتمعن ان يملأن فراغاً تركته أو يستملن قلباً عشقها وماعرف غيرها .