صباح الخير
من بدائع لغة العرب استخدام اللفظ المجرد لمعنيين نقيضين!من ذلك مثلاً، كلمة "المولى"، تطلقها العرب على "السيد" الذين يسود قومه، او يملك رقيقه ومنها قول اللَّه تعالى:"... ذلك بأن اللَّه مولى الذي آمنوا، وان الكافرين لامولى لهم!" من سورة محمد.. وكذا قوله صلى اللّه عليه وسلم:" من كنتُ مولاه، فعلي مولاه.. اللهم وال من والاه.. وعادِ من عاداه".وتطلقها العرب كذلك على العبد المملوك، والفرد المرؤوس، ومنه قول اللَّه تعالى:".. فإن لم تعلموا آباءهم، فإخوانكم في الدين ومواليكم.." من سورة الاحزاب.. وقول رسول اللَّه -ص-: "لا يقل احدكم عبدي ولكن ليقل مولاي".ومن تلك الالفاظ لفظ "الصلاة" فهي من العبد الاستغفار كما قال اللَّّه:" وصلّ عليهم، ان صلاتك سكن لهم" سورة التوبة.. وهي من الرب الغفران كما قال اللَّه:" هو الذي يصلي عليكم وملائكته" سورة الاحزاب.ومنها لفظ الجارية.. فهي تعني الحرة حديثة السن التي لم تتزوج بعد.. وتعني الامة المملوكة لسيدها!! وهكذا دواليك!.واذا كانت لغة العرب، هي سليقتهم جرى بها لسانهم.. وصرفتها التأثيرات الاجتماعية والجغرافية المختلفة بلا شك!.. فإنه يغدُو - كما أرى - من بدائع الشبه والتماثل.. ان يتكرر هذا الاستخدام عند المتأخرين في لغة الكلام السياسي .. ومفردات الصراع الحزبي والتنظيمي على غرة!!فخذ مثلاً هذه الاشتراكية المسكينة"!!" تجدها لفظاً فضفاضاً يعني الشيء وضده في وقت واحد!!.. ونجدها لفظاً استخدمه كل الفرقاء المعنيين بها لمعانٍ متناقضة واصبحت بذلك علامة اختلاف لا اتفاق فيه ابداً!!.فانظر الى الفاشي هتلر، فقد سمى حزبه النازي "الحزب الاشتراكي"!!. وكذلك موسوليني سمى حزبه الفاشي "الحزب الاشتراكي"!!.. وبريطانيا تسمي حكمها الليبرالي "اشتراكية"!.. وعندما هجمت فرنسا على مصر في عدوان 65م الثلاثي كان ذلك ابان حكم "الحزب الاشتراكي" بزعامة (جي موليه)!! والاتحاد السوفياتي (سابقا) والصين كانا بلدين اشتراكيين ظلا يتلاعنان ويتصارعان ويخطئ كل منهما الآخر !!.. والبعثان في سوريا والعراق (سابقا) اشتراكيان كم خوّن كل منهما الآخر!!.وهكذا تتجلى هذه الكلمة فارغة من شيء صحيح تعنيه غير ابتذال الخصوم والانصار وتهافتهم على اسمها المنحوس! فتباً وخيبة وخسرانا لمن استبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير!!.نعم، قد تتفرق المذاهب والنحل .. وقد تتنازع الآراء والافكار .. وقد تذهب الرؤى المتصادمة باصحابها شذر مذر!.. ولكن ان تتصادم الغايات بمسمى البدايات فهذا ما لم يعرف في حساب الزمان من قبل!!.لقد احدثت الماركسية من التشويش والغوغائية على الفكر والتاريخ ما جعل من الباطل قواعد ومن الحق استثناء .. ومن التخريف علماً .. ومن الدين افيوناً .. ومن عبيد الشعوب "بروليتاريا" ومن اعتى الطغاة أمميين شرعيين!!.والصنيع الذي سلكته الاشتراكية لم يكن غير سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى اذا جاءه لم يجده شيئا!.واذا كانت الصين قد خرجت من حضيض الافيون الى القوة الاقتصادية بالاشتراكية كما يدعون .. فلماذا خرجت اليابان من دمار هيروشيما ونجازاكي الى القوة الصناعية بالرأسمالية؟!!انه لاهذه ولاتلك هي التي بلغت بهما التفوق والنبوغ! وانما هو عنصر الارادة والعمل والاحساس بالقهر الذي يولد طاقة داخلية تصمم على كسر الواقع وتتحدى الخارج وتقهر المصاعب تماما مثلما يصنع كثير من الخرس والصم والبكم والعمي والمعوقين الذين تحولوا الى نوابغ من البشر اخترعوا واكتشفوا وابتكروا حتى حفل بهم سجل الانسانية الخالد!!.هذه خواطر فقط شدني الانتباه اليها وانا اراجع هذا الركام الجاثم من مشاهد الحياة في ميادين شتى تستحق الوقفة والتأمل والتمحيص وتستحق ان تنشد سلامة الاستنتاج العلمي واليقين الخبري في مختلف الايام التي قضى الله تعالى ان يداولها بين الناس.انيس الحبيشي