جمعيات برزت وصناديق أنشئت لمواجهة المشكلةاستطلاع/ عبد الرؤوف هزاع الفقر مشكلة تعانيها معظم المجتمعات العربية والأفريقية وغيرها من الدول الأخرى وأتخذت العديد من الدول الغنية مجموعة من الطرق والوسائل لمواجهة مخاطر الفقر والجوع والعوز الناتج عن فقر هذه الدول إضافة إلى المساعدات ووسائل أخرى عديدة لدرء مخاطر الفقر.. كما أن حكومات البلدان الفقيرة هي الأخرى أتخذت عدداً من التدابير لمواجهة هذه المشكلة منها إنشاء صناديق لدعم الأسرة الفقيرة وتشكلت جمعيات تعني بمساعدة الأسر من خلال تقديم القروض الميسرة لإنشاء المهن الحرفية فضلاً عن تطوير مداركها وتدريبها على بعض الأنشطة والحرف حتى تتمكن من مساعدة نفسها كما تبنت بعض الجهات عدداً من الصناديق الإنمائية للفقراء للنهوض بأوضاعهم المعيشية وتحسين مداخيلهم.وكانت حكومتنا الرشيدة إحدى الدول السباقة في هذا المجال فقد أنشأت الصناديق الاجتماعية والإنمائية والعديد من الجمعيات وأسهمت العديد من المنظمات غير الحكومية إسهاماً فعالاً في هذا المجال كجهات عاملة داخل المجتمع تعني بالأسر الفقيرة والأشد فقراً.ولعلنا نحن من جانبنا قد ركزنا على إحدى هذه الجمعيات المتواجدة في إطار محافظة عدن، والتي حرصت في عنايتها بشؤون الأسرة وبالذات ركزت على المرأة ودورها وعلنا ندرك أهمية دورها كجمعية وأهدافها وماذا حققت خلال ثمانية أعوام من تأسيسها. ولمعرفة ذلك كنا نحرص كل الحرص على أن نتعرف على كل تلك الأنشطة من خلال المستفيدات من هذه الجمعية (جمعية المرأة للتنمية المستدامة) وإن كن تلك النسوة يزاولن أنشطتهن الصغيرة في مواقع عملهن. وهذا ما تحقق لنا فعلاً وما سنورده في الاستطلاع التالي : جمعية ومستفيدونوقفت ومرافقي المصور على عتابات بوابة جمعية المرأة للتنمية المستدامة الواقعة بمدينة كريتر بعد موعد قطعناه مع رئيسة الجمعية لترتيب زيارات ميدانية لبعض النماذج من الأسر التي استفادت من الجمعية وأصبحن لهن مشروعات صغيرة ناجحة.بدأنا مشوار عملنا نشق الطرقات في مدينة كريتر توجهنا صوب منطقة الخساف توقفنا على قارعة الطريق أمام منزل صغير كانت تقف أمامنا امرأة سمراء طوت العقد السادس من العمر كانت تلك المرأة هي صدقة قاسم ربت بيت لديها من الفتيات سبع فتيات ومن الفتيان ثلاثة كان يلتف إلى جوارها أحفادها الصغار يتشبتون بمعاطف جلبابها وهي تتحدث إلينا قائلة : أنا امرأة لدى أسرة بكاملها وأنا المسئولة عنها ولا يوجد لدينا دخل ثابت كافحت من أجل تربية بناتي وأولادي في ظل ظروف صعبة وقاسية كنت أبيع الذرة المشوية على رصيف الشارع كي نوفر لقمة العيش اليومية غير إني وجدت ذلك لا يفي بالحاجة، توجهت إلى جمعية المرأة للتنمية المستدامة تحصلت على قرض وقدره عشرة آلاف ريال بدأت بيع الفاكهة كان هذا العمل أكثر نفعاً من سابقه سددت القرض ثم تحصلت على قرض آخر وقدره عشرون ألف ريال وتمكنت من خلال مزاولة نشاطي هذا من سداد القرض الثاني وتقدمت على قرض ثالث وقدره »50« خمسون ألف ريال وتحصلت من الجمعية على القرض وبدأت تبيع البخور وإلى جانب بيع الفواكه وما زلت أكافح حتى أتمكن من تنمية مشروعي وتحسين دخلي وإعالة أسرتي وآتمنى من الله أن يوفقني. كنت أغادر ذلك الحي المتواضع متجهاً ومرافقي المصور صوب نموذج آخر يكافح من أجل تحقيق حلمه في الحياة يكافح لينال لقمة العيش الحلال وسط بحر من مغريات الواقع. مشروع ناجحتوقفت عند صالون حلاقة بسيط ومتواضع لا يزيد طول وعرض المكان على متر ونصف طولاً وعرضاً يعمل فيه فتاً في ربيع العمر كان هذا الشاب هو.. عمار النظير لا يتجاوز عمره الـ25 عاماً، قال : فتحت هذا الموقع وأعتبره مشروعي كي أحسن من دخلي وأحسن من أحوالنا المعيشية الصعبة. وكنت قد تحصلت على القرض من جمعية المرأة بواسطة طرف آخر.ويواصل حديثه بالقول : حقيقة أن المكان متواضع ولكن من خلال الاستمرار في عملي وإخلاصي لمهنتي المتواضعة سأتمكن من توسيع المحل وتزويده ببعض المعدات المطلوبة وتغير طلائه بالإضافة إلى الديكور وهذا سيأتي خطوة خطوة.كنت أغادر هذا الشاب الذي يعتبر نموذجاً طيباً لأبناء مجتمعنا يكافح بصبر وجلد يكافح بصمت كي يحقق أحلامه وواثقاً من نفسه من أنه سيصل إلى غايته المنشودة وسط تلك الزحام التي تتسم به مدينة كريتر كنا نشق الشوارع شارع يلوي الآخر بإتجاه مستشفى الصين سابقاً وقفنا أمام كوافير تديره وتعمل فيه فتاة شابة.. استقبلتنا بأدب وتواضع جم كانت تلك الفتاة إحدى النماذج الطيبة التي تمكنت بإصرارها وإرادتها من تحقيق بعض من طموحها كانت تلك الشابة هي راوية محمد علي.. روت حكايتها قائلة : كانت بداياتي الإلتحاق بجمعية المرأة للتنمية المستدامة للدراسة في مجال الأشغال اليدوية وبالفعل أنهيت الدورة بنجاح لكن رغبتي هي في مجال الكوافير وكانت لدي ميول لهذا الإتجاه وقد عملت في هذا المجال من قبل في عدة محلات كوافير وقد شجعتني خبرتي المتواضعة في مجال الكوافير على أن أتقدم على قرض من الجمعية وقدره عشرون ألف ريال وبالفعل تحصلت على القرض ووفرت بعض الأدوات بدأت العمل في المنزل، واصلت عملي وتمكنت من سداد القرض ثم فتحت محلاً خاصاً بالكوافير ثم تقدمت إلى الجمعية على قرض وقيمته ثلاثون ألف ريال وتمكنت من سداده كما تقدمت على قرض ثابت قيمته »60« ألف ريال حالياً لدي ثلاثة مشاريع هي إفتتاح محل لتعليم الكوافير ومحل خياطة وثالث توسيع المحل الحالي للكوافير.وبحسب قول راوية بأن الكوافير عمل جميل وفن لا بد من معرفة كثير من الجوانب المتعلقة بجمال البشرة ونقائها ومعرفة بعض الكريمات المستخدمة ومعرفة أنواع البشرة وغيرها من التفاصيل الأخرى المتعلقة بجمال المرأة. كنا نتوارى خلف تلك الأبواب ولكن حقيبتنا ما زالت مملوءة بالأسئلة.. التي وضعناها أمام الأخت هدى محمود محفوظ رئيسة الجمعية والتي أفادت بأن الجمعية أنشئت في عام 1998م بهدف مساعدة الأسر الفقيرة والمحدودة الدخل من خلال إشراكها في العمل المنتج وتدريبها على إحدى المهن الحرفية الصغيرة التي تتواكب وقدرات المرأة.وتوجد في الجمعية أقسام الخياطة والتفصيل وقسم التطريز الآلي واليدوي وقسم للصناعات الخفيفة التدريب المنزلي وقسم الحياكة وقسم للكوافير وقسم لتعليم الكمبيوتر وأنشطة مساعدة كالتوعية الصحية والقانونية ومحو الأمية.وتضيف بأن المرأة التي تأتي إلى الجمعية للتدريب وما إلى ذلك معظمهن عاطلات عن العمل يتدربن ويتخرجن وتعود معظمهن عاطلات عن العمل ولذلك أنشأنا وحدة إقراض في المركزمن أجل استمرار المرأة ومساعدتها في مواصلة عملها ويقدم المركز قروضاً عالية ميسرة أو مواد رخام أو آلة لكي تتمكن المرأة من الخروج إلى سوق العمل. قروض ميسرةوقد منحت الجمعية حوالي ألفي قرض لألفي أسرة برسوم خدمات بسيطة لا تتجاوز نسبتها 2.5 وبضمانات سهلة » ضامن مسلم أو موظف في الدولة بضمان راتبه أو بضمان نفس المتقدمة للقرض وبضمان راتبها إن كانت موظفة«..وأفادت رئيسة الجمعية من وجود نوعين من النساء اللاتي أخذن القروض النوع الأول النوع الجاد اللاتي فهمن المشروع وأخذن قروض ووجهنه الوجهة السليمة واستطعن الإيفاء بالتزامهن والنوع الأخر لم يتمكن من تحسين وضعهن المعيشي ولم يحركن ساكناً ولم يتمكن من سداد ما عليهن من قروض واستدركت رئيسة الجمعية حديثها قائلة.نحن نعرف من أن بداية القرض بسيط جداً ولكن يتدرج القرض من عشرة آلاف وأردفت بالقول : لا توجد حالياً أسرة غير مسددة لما عليها من قرض ولكن هناك نساء متأخرات عن السداد فقط نتيجة لظروفهن المتعلقة بالمدارس ومواسم الأعياد.وعدد تلك النساء لا يتجاوز الـ 10 من إجمالي المقترضات. كما أنه لا يوجد حتى الان طلب لأي أسرة متقدمة لقرض لم يمنحها إطلاقاً. نسبة المخاطروفي ردها على سؤالنا عن التعامل مع الأسر المقترضة في حالة الوفاة قالت : إن الجمعية تعمل 5 تسمى نسبة مخاطر وفي حالة الوفاة أو تعرضت المقترضة لمرض أو وفاة لا سمح الله أو حادث وما إلى ذلك، ولكن منذ أن أنشئ المشروع وجدت العديد من الحالات التي تعرضت لحوادث ووفاة ولكن أسرهم سددت ما عليهم من ديون رغم أننا في حالة الوفاة نعتبر الدين معدماً ونسامح مثل هذه الحالات ولكن إذا رفضت أسرة المتوفية إعفاءنا وأعتبرت أسرتها سداد الدين براءة ذمة نتقبله ويسدد وقت ما ترغب بالسداد أسرة المتوفية.وتطرقت رئيسة الجمعية إلى الأسر النموذجية مؤكدة أن هناك نساء يعتبرن نموذجاً رائعاً تمكن من خلال القروض من تحسين وضعهن المعيشي وأصبح لديهن مشروعات صغيرة ناجحة ووصلت قروضهن إلى 80 وتمكن من دمج مشاريعهن بمشروعات أخرى أكبر ذات مردود أكبر أيضاً.أما الجهات الداعمة للجمعية مكتب الشئون الاجتماعية والعمل ممثلاً بدائرة الجمعيات والاتحادات والبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة والذي كان له السبق في التدريب والأقراض للجمعية وبرنامج الخليج العربي »الأجفند« والصندوق الاجتماعي للتنمية ومنظمات دولية عديدة كوكالة التنمية الإنمائية G.T .Z ، وغيرها من المنظمات الدولية الأخرى العاملة في الجمهورية.. كما أن الدعم المقدم إما دعم مالي أو دعم فني ودعم معنوي وأكثر البرامج التي دعمت الجمعية مالياً هو البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة والتي ما زال يدعم الجمعية فنياً في الجوانب التأهيلية والتدريبية وبناء قدرات مؤسسية رغم توقف الدعم المالي على حد قول الأخت هدى محمود رئيسة الجمعية.بينما أوضحت أسمهان محمد القباطي بأن للجمعية سياسة منذ تأسيس المشروع وضعته الجهات المانحة أن يكون قسط القرض محدد بفائدة 2.5 فقط الـ 22 ألف ريال 800 ريال شهرياً وفي حالات التأخر عن السداد يحضر الضامن وتمنح المقترضة فرصة مشيرة إلى أن الجهات المانحة وضعت تلك الشروط »ونحن وافقنا عليها« وكانت الجهات المانحة قد رافقتا ثلاثة أعوام وحالياً لدينا سياسة نضعها نحن بعد أن دفعت الجهات المانحة مرافقتنا ودربتنا على كل الإتجاهات وسياستنا الحالية لا تبعد كثيراً عن سياسة الجهات التي استفدنا منها لكن ربما ننظر للواقع الحالي والمتغيرات وإرتفاع الأسعار كل ذلك ننظر لها بعين الإعتبار وذلك يجعلنا نرفع قيمة القروض. كما أن لدينا خطة أيضاً لمنح فترة سداد طويلة للمقترضات لا سيما وأننا نثق بالتعاملات معنا لأننا تعاملنا معهن منذ فترة طويلة وكن ملتزمات بسداد القروض أولاً بأول وحالياً لدينا بعض المتعاملات معنا فتحن مشروعات متوسطة وأصبحنا يردن قروضاً أكبر من القروض التي نقدمها تصل إلى »150« ألف ريال وقد حولنا عشرة منهن إلى صندوق تمويل المنشآت ونجحت منهن إثنتان والبقية لم يتمكن من الحصول على قروض من صندوق تمويل المنشآت بسبب الإجراءات الطويلة.أما عضوات الجمعية عددهن وصل إلى 115 عضوة وكلهن يعملن بنشاط ومنتظمات ويستحقن كل التقدير. ختاماً رغم إنني لملمت أوراقي وحقيبتي مغادراً ذلك المبنى الذي يضم ثلاثة مكاتب ومركزاً للتدريب وقاعة للتعليم والاجتماعات وأقساماً تضم عدداً من المتدربات على الكمبيوتر والتطريز والخياطة والتفصيل والحياكة وغيرها من المهن الهامة والتي تعتبر المدخل الأساسي للتحسين المعيشي للأسر أذا تمكنت من الاستفادة منه. إلا أن هواجسنا قد أمتلأت بتناقضات الواقع لنجد هناك من يضع مشروعاً من العدم وهناك من يهدم مشروعات عملاقة تقدر بملايين نجد أن هناك من يشق طريقه بصعوبة كي يعيش وتعيش معه عشرات الأنفس وهناك من يدوس على أي شيء في الوجود وأن داس على أجساد البشر كي يصل إلى مصلحة شخصية لا يستفيد منها سواه.. توارت إلى ذاكرتي ومخيلتي عشرات الصور المتناقضة إلا أن صورة ذلك الشاب الذي فتح محل للحلاقة وتلك الفتاة التي فتحت محلاً للكوافير نموذجاً للكثير من الشباب والفتيات الشابات الذين يعيشون وضعاً صعباً سيصنعون الحياة إن وجدوا المساعدة سينتزعون الأمل مهما أسودت الحياة في وجوههم.
|
محليات
الفقر مشكلة تعاني منها المجتمعات
أخبار متعلقة