هادي محمد عامر “ كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام “ صدق الله العظيم..آه ما أقسى الرحيل الأبدي.. رحيل الأحبة الذين تشعر بأن فقدهم لا يعوض.. ما أقسى أن تفقد أحبة تشعر بفقدانهم أنك فقدت الأب والأخ والصديق والحبيب.. وكل ما يربطك بالوجود.. وكل ما هو حلو وجميل في هذا الوجود.. لحظات الفراق قاسية ومدمرة تضغط عليك وتكاد تخمد أنفاسك وأنت ترى بأم عينيك من أحببته.. يتلاشى ويضيع ويختفي من الوجود وإلى الأبد.. ولن تراه أو تسمع صوته وضحكاته وقفشاته ومحادثاته ونصائحه مرة أخرى.. لا لن تراه بعد اليوم آه وآه ما أقسى تلك اللحظات المفعمة بهذا الشعور.. تلك الأحاسيس والمشاعر انتابتني وأنا أزور صديقي ورفيقي الحبيب عبد الوكيل السروري وهو طريح الفراش بالغرفة 403 بمستشفى الوالي بالمنصورة وهو يستقبلني بابتسامته الطيبة الصادقة الودودة وبنظرات عينيه التي تشع أملاً ورضى وكأنه يقول لي لقد حان الفراق وجاء اليوم الذي لابد منه.. إنها الحياة ودورتها وسنة الله في خلقه.. نعم أحسست بالألم والوجع والحزن الشديد وأنا أراه يتألم بصمت ويحاول أن يخفي عنا هذه المعاناة.. وحتى لا أثقل عليه ودعته مكلوماً داعياً له بالشفاء والرحمة وما كدت أغادر الغرفة إلا وفيض الدموع ينهمر من عيني وتنتابني نوبة بكاء حادة لم أستطع السيطرة عليها وتركت لنفسي حرية التعبير بهذه الطريقة الإنسانية التي لا حول لنا ولا قوة في التحكم بها.. نعم ذرفت الدموع مدرارة وكأنني أنعيه وهو لازال على قيد الحياة يصارع آلام تليف الكبد الذي أنهكه منذ مدة وهو يقاوم ويقاوم إلى أن لقي ربه فجر الخميس الخامس من نوفمبر.. نعم لقد رحلت بصمت.. صمت رهيب مرعب لم تشتكِ فيه من وضعك الصحي المتدهور.. ولم تتفضل أي جهة حكومية أو غيرها بمد يد العون لعلاجك بالخارج.. وهو أمر يسير.. حيث يذهب الكثير والكثير للاستجمام والراحة وهم لم يقدموا للوطن شيئاً يذكر مقارنة بما قدمته يا أبا فادي طوال مسيرة حياتك الحافلة بالنضال والتضحية والبذل والعطاء حتى آخر يوم في حياتك.. حتى علاجك استكثروه عليك.. يا للعار..نعم ودعنا حبيبنا أبو فادي إلى مثواه الأخير.. وكان الوداع مهيباً يليق بهذا الرجل الذي ترك بصماته الرائعة في كل مكان.. كان محبوه ورفاق دربه على رأس مشيعيه وإن كان بعضهم لم يره منذ سنين.. لكنهم ساعة الوداع حضروا ويا ليتهم حضروا وهو على قيد الحياة.. لكنها الظروف اللعينة التي باعدت بين الإخوة والأصحاب.. نعم ودعناك أبا فادي وكأننا نودع جزءاً غالياً منا.. نودع روحنا.. نودع هامة وطنية شامخة وشخصية قومية رفيعة المستوى.. نودع صديقاً صدوقاً مخلصاً وأخاً محباً وأباً حنوناً.. نودع الأصالة والشهامة والنخوة والمروءة التي كنت تجسدها في سلوكك وحياتك.. نودع نصير الشباب والضعفاء والمحتاجين.. نودع السياسي والباحث والأديب والمثقف.. نودع الضمير الحي في زمن تلاشى فيه الضمير.. آه.. ما أقسى أن نخسر رجالاً يعتبرون مشاعل تنير الطريق وتبدد الظلام الدامس الذي يجتاح حياتنا..لقد جمعتني بأخي وصديقي عبد الوكيل السروري صداقة نضال من 43 عاماً مضت أي منذ عام 1966م حين كنا معاً نناضل ضد الاستعمار البريطاني من خلال انتسابنا إلى التنظيم الشعبي للقوى الثورية العربية من خلال فرق التنظيم الفدائية حينها والمتمثلة في فرقة النصر وفرقة صلاح الدين وفرقة النجدة وباقي فرق التنظيم العديدة.. ولكن الظروف والمتغيرات باعدت بيننا إلى حين..لقد عرفته عن قرب كان رجلاً بوزن جبل شمسان.. رجل عركته الحياة والتجارب - فكان رباناً ماهراً أستطاع أن يقود السفينة وسط الأمواج المتلاطمة ويوصلها إلى بر الأمان.. رجل يشعرك بقيمة الإنسان بالتواضع والبساطة إنه رجل حقيقي في زمن قل فيه الرجال..سيفتقده كثيراًكل محبيه وكل الذين أضاف لهم شيئاً ذا قيمة في الحياة..سيفتقده رفاقه رفاق المبدأ لأنه سيترك فراغاً لن يستطيع أحد أن يمليه..ستفتقده الحياة السياسية كناشط سياسي ملتزم..ستفتقده الحياة الاجتماعية كشخصية قوية لها حضور متميز في كل المحافل..سيفتقده أصدقاؤه الذين أحبهم.. وستفتقده قبل كل ذلك عائلته وعلى الرغم من هذا الفقدان الكبير إلا أنك أبا فادي ستظل حاضراً في وجداننا مقيماً في ذاكرتنا بحجمك وقيمك وأخلاقك.. ستظل أبا فادي مشعلاً ونبراساً نهتدي به كلما أحدقت بنا الخطوب.. وسنظل نتذكر مواقفك الرائعة التي قمت بها طوال مسيرة حياتك الحافلة بالعطاء من خلال تبؤوك للمهام الوظيفية والسياسية.. سيظل يتذكرك كل من مددت له يد العون والمساعدة..تغمدك الله بواسع رحمته وأسكنك فسيح جناته.. إنه سميع مجيب آمين.. آمين.. آمين.[c1]نائب مدير عام مؤسسة الأثاث المدرسي[/c]
|
مقالات
وداعاً عبد الوكيل السروري
أخبار متعلقة