ماذا يجري في لندن هذه الأيام؟أهي محادثات.. أم مؤامرات ومساومات على مستوى عال؟!لتسمها ما شئت فان مصيرنا لا يمكن أن يتقرر هناك في لندن خلف جدران وزارة المستعمرات وحول الموائد الرسمية وعلى يد السلاطين.. ولكن مصيرنا سيتقرر هنا في الجنوب.. في ارض المعركة نفسها.. وعلى يد الشعب.. وبواسطة ممثليه الحقيقيين!هذه حقيقة يجب أن تعرفها وتسلم بها الحكومة البريطانية التي راعها اتحاد اليمن مع الجمهورية العربية المتحدة وراعها أن يمتد تيار القومية العربية إلى جنوبنا الحبيب وان يتفاعل شعبنا مع معارك القومية العربية كأشد ما يكون التفاعل ويتعلق بمبادئها أكثر فأكثر .. فحركت مشروع الاتحاد الفيدرالي من جديد ومهدت له الطريق من عدن إلى لندن بسلسلة من الإجراءات والحوادث!!ويجب أن يعرفها ايضاً السلاطين الذين تدافعوا إلى لندن يتقدم موكبهم السلطان السر علي عبدالكريم وينتهي بوالي عدن السر ويليام لوس!!أما الشعب فقد عرفها ووعاها وعيا كاملاً عميقا.. وسيعرف كيف يجعل منها حقيقة واقعة حية تتجسد فيها إرادته.. وكلمة الشعب هي التي ستحسم الموقف وتحدد المصير..إذن فإن أيَّ نتيجة تسفر عنها محادثات لندن نتيجة مرفوضة وباطلة خارجيا وداخليا وعلى المستويين العالمي والشعبي لسبب بسيط هو أن هذه المحادثات تجري بين أطراف غير متكافئة وغير شرعية.. وإذا كان القانون الدولي الذي تصدر عنه هيئة الأمم المتحدة قد قضى ببطلان معاهدات الحماية والاستشارة لانعدام عنصر التكافؤ بين الطرفين المتعاقدين تماما كما قرر مؤتمر المحامين العرب الذي انعقد في دمشق في العام الماضي فان روح العصر الحديث، عصر الديمقراطية يستند إلى أساس غيبي أو قبلي أو وراثي كنظام “ الراجات” في الهند ونظام السلاطين في المحميات!!.ومن أجل هذا أكد” الميثاق العالمي لحقوق الإنسان” مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها وفي جو من الحرية التامة.. ومن أجل هذا ايضاً فان أي اتحاد تتمخض عنه محادثات لندن إنما هو اتحاد سلطاني استعماري مرفوض ومحكوم عليه بالفشل مقدما.. ولسوف يولد ميتا يحمل في طياته أسباب فنائه.. وليقولوا بعد ذلك إن هذا الاتحاد صادر هذه المرة عن رغبة السلاطين فإن مصائر الشعوب لا تقررها رغبات السلاطين من وكلاء الاستعمار وحلفائه.. ومتى كان للسلاطين الحق حتى في أن يرغبوا شيئاً؟!!إن العوامل التي أحبطت مشروع الاتحاد الفيدرالي في المرة الأولى قبل خمس سنوات لا تزال قائمة وفعالة .. وفي طليعة هذه العوامل موقف الشعب وموقف اليمن.. بل إن عاملا جديدا يبرز اليوم إلى جانب هذين العاملين ويمدهما بطاقات ضخمة من القوة والفعالية هو تيار القومية العربية التيار الذي لا يصد ولا يقهر ولا يخدع ولا تستطيع أيُّ قوة أن تحوله عن مجراه.[c1]الشكل الجديد للانفصالية[/c] القوى الانفصالية اليوم تتراجع وتتقهقر .. بلا نظام!!ولقد قلنا أكثر من مرة إن الانفصالية عندما تعجز عن الوقوف بصراحة ضد تيار القومية العربية فستحاول مسايرته ومماشاته بهدف تضليله وتحويله عن مجراه الطبيعي الصحيح .. ومعنى ذلك إنها ستلجأ إلى عملية ضخمة من عمليات تزييف وسرقة الشعارات وستنتقل من مواقعها السابقة إلى مواقع جديدة وستتخذ اشكالا أخرى جديدة.. ولكنها ستبقى هي في جوهرها ومضمونها!! وهذا هو التفسير الصحيح لتحول السيد علي لقمان الأخير.. فتى الانفصالية الأول في عدن.إن السيد علي لقمان الذي يمثل الانفصالية في أشنع وأبشع صورها والذي كان إلى عهد قريب يدعو إلى “ قومية عدنية كومنولثية” ويعتبر مواليد عدن وأبناء الكومنولث الوحيدين الجديرين بصفة المواطنة فيما يعتبر أبناء المحميات وأبناء اليمن المستقل أجانب دخلاء ويستعدي الاستعماري عليهم .. علي لقمان هذا يطالب اليوم بحرمان أبناء الكومنولث من بعض الحقوق السياسية ويدعو في آخر عدد من صحيفة “القلم العدني” إلى المساواة بين مواليد المحميات باعتبارهم شيئاً واحدا.. ويتحول من “ عدني” إلى” جنوبي” ومن صف” عرب الملكة “ - كما أسمتهم الايكونوميست الانجليزية يوما- إلى صف عرب الجنوب.. ولا فرق.. ومازال علي لقمان انفصالياً ومازال يعتبر أبناء اليمن المستقل أجانب دخلاء ومازال يعادي وحدة اليمن الطبيعية بل إنه ما كان ليتحول هذا التحول اليوم لولا شعور الاستعمار بأن الطريقة الانفصالية القديمة لم تعد تصلح لمقاومة تيار القومية العربية والوحدة اليمنية .. بعد أن وقف ضدها مواليد عدن الأحرار أنفسهم!!فلم يكن السيد علي لقمان يصدر عن نفسه أو يعبر عن الشعب عندما كان يدعو إلى “ قومية عدنية كومنولثية” .. وهو ليس كذلك اليوم حين يدعو إلى “ قومية جنوبية” ولكنه في كلا الحالين ينفذ أوامر وتعاليم الاستعمار ويتلقى الوحي من أعلى .. مثله في ذلك مثل شريف بيحان!!وشكراً لصحيفة “ الايكونوميست” ايضاً التي وصفت لقمان وصحبه يوما بأنهم “ هبة من السماء للمستعمر المتقهقر”!والواقع ان تحولهم في هذا الوقت بالذات ليس أمرا عادياً بسيطا ولم يأت اعتباطاً وبمحض الصدفة وإنما تفرضه مصلحة الاستعمار العليا وتشده علاقة قوية بملابسات الموقف في الوقت الحاضر.. لقد كانوا يعملون على تكتيل مواليد عدن وأبناء الكومنولث في جبهة واحدة ضد أبناء المحميات بصفة خاصة وضد أبناء اليمن بصفة عامة ثم وجدوا - وعلى الأخص بعد امتداد حدود الجمهورية العربية إلى اليمن- أن الخطر الحقيقي على وجودهم ومصالحهم هو خطر اليمنيين .. خطر الدعوة إلى الوحدة اليمنية.إنهم يريدون الآن كسب أبناء المحميات إلى صفهم لتمزيق جميع الروابط بين أبناء الجنوب والشمال ولقطع الطريق على الوحدة اليمنية وللوقوف ضد التيار الثالث الذي تحدثنا عنه في مقالاتنا السابقة.. تيار التحرر والوحدة والاشتراكية.إن في الأفق السياسي بوادر مؤامرة كبرى على حركتنا الوطنية.. انهم يتآمرون على مستوى عال!![c1]لا بديل .. لا خيار![/c]ومن البداية شممنا رائحة التآمر.. ومن البداية كان يحدوني إحساس عميق بأن حوادث لحج والمكلا وابين وعدن ليست الا حوادث مفتعلة يراد بها دفع الموقف السياسي في الجنوب إلى درجة معينة لخلق ذرائع ومبررات معينة من اجل تحقيق أغراض سياسية معينة. ولئن كانت الأغراض القريبة المباشرة لهذه الأحداث هي استعراض عضلات بريطانيا أمام اليمن وإرهاب أبناء اليمن المستقل في عدن بصفة خاصة لعزلهم عن الحركة الوطنية وإرهاب العناصر الوطنية الشريفة وشعب الجنوب بصفة عامة وتحويل أنظار الشعب عن المحادثات التي تجري في لندن بين السلاطين ووزير المستعمرات .. فان غرضها الحقيقي البعيد كما يبدو لنا هو تحقيق مشروع اتحاد الجنوب في قالب شبه وطني يؤمل ان يرضى عنه الشعب واليمن!!ولن يأتي ذلك إلا عن طريق السلطان علي عبدالكريم وبضم عدن الى الاتحاد القادم باعتبارها أكبر نقطة خلاف بين السلطان علي والانجليز ولكن .. وعندما يعلن السيد علي لقمان إفلاس الانفصالية في شكلها الضيق المحدود ويكتب شهادة وفاتها ويتحول فجأة من “ انفصالي عدني” إلى اتحادي جنوبي وبمعنى آخر إلى “ انفصالي جنوبي” .. عندما يحدث هذا لا تعود عدن نقطة خلاف بين السلطان علي والانجليز وتلتقي الانفصالية في عدن مع الانفصالية في إمارات الجنوب داخل إطار دولة واحدة تتألف من عدن والمحميات وتوصف بأنها “ مستقلة” وترتبط بمعاهدة مع بريطانيا وتقف بأكبر عائق في طريق وحدة اليمن الطبيعية!!مهما يكن من شيء فلقد قلناها من قبل باسم شعبنا:لا “ عدنية” ولا “جنوبية” بل شعب واحد ويمن طبيعية.ولا جنوب ولا شمال .. ولا حكما ذاتيا.. ولا اتحاد الجنوب .. بل التحرر وحق تقرير المصير من اجل يمن حرة طبيعية واحدة تظللها راية الجمهورية العربية المتحدة.وسنظل نقولها ونؤكدها كل يوم .. ولا بديل ولا خيار.. ولن يسمح شعبنا بأن يتحول الجنوب إلى مراكش أو ليبيا أو باكستان أو أردن أخرى ومازلنا نرجو ان يقلع السلطان علي عن أحلام الدولة “ المستقلة” وأن يعي أن “ الاستقلال” لا يمنح في لندن.. ومازلنا نحذر جميع السلاطين من الدخول في أي مساومة على مصير شعبنا.[c1]*عبدالله باذيب / الفكر - العدد 39- السنة الثانية-8 يوليو 1958م[/c]
لن يتقرر مصيرنا في لندن على أيدي السلاطين
أخبار متعلقة