المشكلة والمحاذير
صنعاء / سبأ : كشفت دراسة أكاديمية يمنية حديثة عن عزوف الشباب من الجنسين في اليمن عن ارتياد مجالات الأبحاث العلمية والعلوم التكنولوجية وازدياد إقبال ذات الشريحة على مجالات الأدب والشعر والموسيقي.وبحسب الدراسة فأن 87% من اجمالي 2400 شاب وشابة من خريجي الثانوية العامة الذين استطلعت أراؤهم يفضلون الحصول على وظيفة حكومية تقليدية مضمونة الأجر، فيما يفضل 7% الالتحاق بكليات لا تشتمل مناهجها على أي مقررات علمية، وأبدى 6% فقط استعداداهم الالتحاق بكليات علمية متخصصة.وحذرت الدراسة التي أعدها عدد من الأكاديميين اليمنيين بجامعة تعز من أن اليمن ستواجه نقصا حادا في الكوادر المتخصصة في المجالات العلمية وبما سينعكس سلبا على عمليات التنمية الاقتصادية في البلاد، مرجعة سبب عزوف الشباب عن ارتياد المجالات العلمية إلى ضعف البنية التحتية للتعليم الأساسي وانعدام البرامج التشجيعية للشباب على الإقبال على ارتياد مجالات الأبحاث العلمية والابتكارات، وكذا الافتقار إلى مراكز ومؤسسات تعني بالبحث العلمي وتضاؤل المخصص الحكومي للبحث العلمي في اليمن.[c1]* حجب الجوائز التنافسية[/c]عزوف الشباب من الجنسين عن ارتياد المجالات العلمية وبخاصة تلك المتعلقة بالدراسات والأبحاث العلمية أو الابتكارات دفع بالعديد من المؤسسات الرسمية وغير الرسمية المعنية بتشجيع الإبداعات العلمية والأدبية والتي عادة ما ترصد جوائز مغرية تصل إلى مليون ريال عن كل مجال تنافسي كالأدب والشعر والموسيقي والعلوم التطبيقية والتكنولوجية والابحاث العلمية المتخصصة، إلى حجب الجوائز المتعلقة بالمجالات التنافسية العلمية نظرا لعدم استيفاء الأبحاث العلمية المقدمة من المتنافسين لأشتراطات البحث العلمي المتعارف عليها الأمر الذي وصل إلى حد قيام مجلس أمناء جائزة رئيس الجمهورية للشباب العام المنصرم إلى الإعلان عن مضاعفة قيمة الجوائز المخصصة للمجالات التنافسية العلمية إلى الضعف فيما اتجهت مؤسسات ثقافية خاصة كمؤسستي السعيد والعفيف الثقافيتين واللتان تعدان من أبرز المؤسسات الثقافية الخاصة الناشطة في مجال تشجيع إبداعات الشباب في المجالات الأدبية والعلمية، إلى استحداث جوائز جديدة في مجالات الأبحاث العلمية والتكنولوجيا وكذا العلوم الطبيعية والبيئية ومؤخرا دشنت مؤسسة العفيف الثقافية مشروع " الثقافة العلمية والتقنية" في اليمن والذي مول من قبل معهد البحث للتنمية الفرنسي.ويقول المدير التنفيذي للمؤسسة هاني مغلس أن البرنامج يستهدف فئة الشباب وبخاصة طلاب المدارس والجامعات لتشجيعهم على ارتياد المجالات المتعلقة بالابتكارات العلمية، وكذا فتح المجال أمام الباحثين والأكاديميين لتقديم أبحاث ابتكارية ومشاركات علمية متميزة ولفت نظرهم للاهتمام بالقضايا العلمية، كما استهدف المشروع الترويج المبسط للثقافة العلمية في اوساط العامة وجعلها قضية حياتية معاشه وليس شأنا فوقيا يخص النخب المثقفة".[c1]* تحفيز الشباب[/c]الدكتورة افتكار الربيع رئيسة جمعية إبداعات -التي تعني بتشجيع الشباب من الجنسين على ارتياد المجالات الإبداعية المختلفة وتأسست في العام 2001م اعتبرت في حديثها لـ سبأ "أن ثمة مشكلة حقيقية في تحفيز الشباب والشابات سواء من طلاب المدارس أو الجامعات للاهتمام بجوانب الإبداع العلمي وان هذه المشكلة لاتتوقف على اليمن بل تمتد إلى سائر الأقطار العربية، مشيرة إلى ذلك بالقول "لا يوجد اهتمام حقيقي وجاد بتشجيع الشباب من الجنسين لخوض المجالات العلمية، البحث العلمي في اليمن لا يزال متخلف وهو كذلك في كل الأقطار العربية، في الولايات المتحدة الأمريكية هناك أكثر من مليون مركز للبحث العلمي في حين أنه لا يوجد في العالم العربي الذي يمثل "21 " دولة سوي 30ألف مركز فقط ومعظم هذه المراكز ليست متطورة بالشكل المطلوب، المشكلة من وجهة نظري تتمثل في غياب الثقافة العلمية لدي الأفراد والحكومات العربية".هذا الوضع حدا بالحكومة الى اتخاذ عدد من الاجراءت والتدابير التي كان من أبرزها زيادة الموازنة المالية لوزارة البحث العلمي بما يقدر ب 150مليون ريال عن العام المنصرم 2004م وتنظيم عدد من المعارض العلمية في عدد من المناطق كصنعاء واب وعدن لعرض ابتكارات الشباب وحث القطاع الخاص على تشجيع المبتكرين اليمنيين وتقديم الدعم المالي اللازم لاخراج ابتكاراتهم إلى حيز الوجود بالشكل اللائق.ويؤكد "احمد مرشد جوبح " وهو شاب يمني تمكن قبل عام ونصف من ابتكار محرك بدائي لسيارة تعمل بالمياه بدلا عن البترول والحصول على براءة اختراع أن مساهمة الشركات والمؤسسات التجارية الخاصة تكاد تكون منعدمة في تبني انتاج الابتكارات العلمية الشبابية أو المساهمة في تمويل انجازها.. مشيرا إلى تجربتة الشخصية في هذا الصدد بالقول "لقد أنجزت اختراع محرك مبتكر لسيارة تعمل بالمياه بدلا عن البترول وقمت بتجربة الاختراع ونحج نجاحا نسبيا، والنتيجة كانت ستختلف لو أني تلقيت دعما مناسبا لاخراج اختراعي بالشكل المطلوب وقد توجهت إلى العديد من رجال المال والأعمال وشرحت لهم فكرة الابتكار وطلبت منهم الدعم لإنتاج نموذج مكتمل للاختراع ولم أتلق للأسف سوي وعود لم يتحقق منها شيء، هم يستكثرون الدعم وما يؤلمني أنني شعرت أنهم لم يحترموا ما قمت بانجازه، في اليمن للأسف لا يكرمون سوي الشعراء والأدباء، لدينا أكثر من عشرة آلاف شاعر لكنهم لا يهتمون بأن يكون لدينا ولو مخترع واحد".[c1]* هجرة العقول [/c]الدكتور فضل الكباب مهندس متخصص في التقنية المتقدمة ويعمل منذ 12عاما في أحد الشركات الخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية ويقضي حاليا أجازته السنوية في اليمن، يري أن ثمة حالة من التخلف المزمن تعاني منها معظم الأقطار العربية فيما يخص توفير المناخات الملائمة لتشجيع الشباب من الجنسين على ارتياد مجالات الإبداع العلمي، وكذا إحاطة الكوادر المبدعة بالاهتمام الذي تستحقه معتبرا أن هذه الأسباب وغيرها كالافتقاد لمؤسسات علمية متخصصة ومراكز تأهيل بالمواصفات والإمكانيات المواكبة لما يمتلكه الغرب قد أسهمت والى حد بعيد في دفع الكثير من العقول العربية إلى الهجرة والاغتراب.ويقول"للأسف هجرة العقول العربية تحولت إلى ظاهرة, وفي الولايات المتحدة الأمريكية وحدها يوجد ما يقدر ب 800 عالم من أصول عربية من النوابغ في مجالات التقنية المتقدمة، وعشرات آخرين يدرسون في الجامعات الأمريكية وآلاف مؤلفة تخدم في المرافق والمصالح الحكومية والخاصة في أمريكا، الكثير من هؤلاء لا يفكر حتى الاستقرار يوما في بلدانهم العربية، لقد وجدوا في المهجر ما يلبي تطلعاتهم المهنية والإنسانية، لذلك هجرة العقول العربية في تزايد مستمر، واعتقد أن المشكلة لا ترجع فقط لعدم اهتمام الحكومات والأنظمةالعربية بتشجيع الإبداعات العلمية أو باستثمار ملكات المبدعين فيما يخدم مصالح دولهم، ولكن أيضا لغياب الثقافة العلمية في المجتمعات العربية للأسف البحث العلمي لا يحترم في العالم العربي، وهذه جزئية فقط من صورة اشمل تتمثل في أن العلماء لا يحضون بالتقدير المفترض، عندما نتساءل عن أسباب تخلفنا كعرب وأسباب تقدم الغرب يجب أن نتطلع إلى فارق التقدير والتعامل مع الكادر العلمي القادر على التميز".وهكذا تظل مشكلة القائمة والشباب يعزفون عن العلوم بل وينزحون الى الخارج للبحث عمن يحترم عقولهم المتميزة, وابتكاراتهم الجديدة, وفي اليمن المشكلة معقدة, اذ ان مراكز تشجيع البحث العلمي تكاد تساوي الصفر, رغم العدد الكبير من المؤسسات التي لها علاقة بالشباب.