إن الحديث عن دور العمل النقابي والجماهيري في دعم مسيرة الكفاح الوطني في الجنوب المحتل إنما هو حديث عن قلعه من قلاع النضال البطولي للحركة العمالية تمثلت بمؤتمرها العمالي بعدن تلك الحركة التي أيقظت الوعي الوطني وصمدت أمام المخططات الأستعمارية البريطانية بكل شجاعة وفضحت أساليبه وجرائمه في كل المحافل الدولية وحققت في إطارها نواة للوحدة اليمنية.[c1] فكيف تحقق ذلك؟[/c] في مطلع الخمسينيات من القرن الماضي بدىْ بتكوين تجمعات مهنية كان أبرزها نقابة العمال الفنيين برئاسة صادق زين ونظراً للظلم الفادح الذي كان يعانيه العمال من قلة الأجور وساعات العمل غير المحدود والطرد التعسفي وغيره من المعاناة كالمرض والإصابة في العمل فقد أدى كل ذلك إلى حدوث أنتفاضات عمالية وصدامات قوى الأمن للسلطات الأستعمارية ونذكر هنا بالتقدير للجبهة الوطنية المتحدة وأمينها العام الأستاذ محمد عبده نعمان الحكيمي الذي كان له فضل كبير في تنوير العمال بحقوقهم المهضومة وتحفيزهم للقيام بإضرابات لنيل حقوقهم ولم تجد السلطات البريطانية من سبيل الإ أن تقوم بتسفير الأستاذ محمد عبده نعمان بحجة أنه من مواليد الشمال الذي كانوا يعتبرونه في نظرهم أجنبياً والتسفير إلى الشمال أنذاك كان أقسى عقوبه يواجهها المرء فالمعاناة التي يواجهها الشعب في ظل الحكم الأمامي الكهنوتي جحيم لايطاق فالفقر والمجاعة والجهل والأمراض كانت السائدة التي كان يعيشها أبناء الشطر الشمالي من الوطن فالراحل إلى هناك كالمجستير من الرمضاء بالنار. ومع ذلك لم تتوقف الأنطلاق واستمرت البذورة الأولى في تكوين عدد من النقابات في مراحلها الأولى بفضل استمرارية وجهود عدد من المناضلين النقابي ين أمثال عبده خليل سليمان وعبد الله عبد المجيد الأصنج ومحمد سعيد مسواط ومحمد سعد القباطي ومحمد السوقي ومحمد سالم علي وحسين باوزير وعبد القادر الفروي وغيرهم لاتسعفني الذاكرة لحصرهم الأن أن من أولى مهامها الأساسية الدفاع عن حقوق العمال والعمل على تحسين شروط عملها المختلفه وتوعيتهم وتنويرهم عبر المنشورات واللقاءات بالمطلبة المستمرة بحقوقهم تلك الجهود المخلصة تحققت بعض المكاسب المالية مما شجع الكثيرين على الأنضمام إلى تلك التجمعات لتشكل النقابات ثم الأتحادات العمالية التي أنضوت جميعها يوم 3 مارس 1956م لتشكل مؤتمر عدن للنقابات برئاسة الأخ محمد سعيد مسواط ونيابة الأخ محمد سعيد القباطي وأمينها العام الأخ / عبد الله عبد المجيد الأصنج الذي كان له دور مفيد ونشيط في تكوين الحركة العمالية لقد حقق هذا التجمع وحدة عمالية راسخة اليوم بالدفاع عن حقوق العمل المهضومة والنضال الدؤوب من أجل تحقيق حياة أفضل والحد من أرباب الشركات الأجنبية فأعلنت الأضرابات وقامت العديد من التظاهرات لتحقيق ذلك ولقد كان هذا التجمع العمالي العظيم مصدرإقلاق للسلطة البريطانية لاسيما وقد تمكن من خلق علاقات دولية واسعة على المستوى العربي والأجنبي بعد أن أثبت وجوده بدعم شعبي هائل . ولقد كان عام1960م بداية أنطلاق جديدة للحركة العمالية فقد صدر دستور حدد تسمية بالمؤتمر العمالي ورفع شعار( الوحدة الحرية الأشتراكية ) بدلأً عن ( الخبز الحرية السلام ) وأصبح للمؤتمر العمالي مجلس تنفيذي مكون من 9 أعضاء برئاسة المرحوم محمد سعيد مسواط ونائبه محمد سعد القباطي وأمينه العام عبد الله عبد المجيد الأصنج ومجلس مندوبين يمثل كافة النقابات والأتحادات العمالية المنضوية في عضويته وكان من أبرز أهدافه وأهمها تحقيق حياة أفضل للعمال وتحسين شروط العمل وزيادة الدخل ورفع مستوى المعيشة والعمل بكافة الوسائل المشروعة لأيجاد تشريعات عمالية تقر الحقوق الطبيعية والتأمين ضد العجز والشيخوخة والقضاء على البطالة والغاء العمل الإجباري. واصبح للمؤتمر العمالي مقره الدائم في المعلا مواجهة للمدارسة الفنية ( التي كانت تستعمل مركزاً للاستخبارات البريطانية ضد المؤتمر العمالي ) أثناء الأجتماعات العمالية الحاشدة التي تعتقد في ساحته والتي كانت تركز على مطالب العمال وحقوقهم المهضومة وتنويرهم بالمؤامرات التي كانت تحاك ضدهم من قبل المستعمر وعملائه ذلك أن أبرز ما قامت به الحركة هو نضالها الذي لم يقتصر على تلك المطالب العمالية وهي مهمة بحق للعمال بل تعداها إلى ربطها بالواقع السياسي المعاش بالوجود الأستعماري حامي مصالح شركاته الأجنبية المستغلة لجهود العمال كما أصبح للمؤتمر صحيفة المعبرة باٍسم العمال برئاسة المرحوم محمد سالم علي عبده الذي لم يأل جهداً في تسخير مطبعته لتكون تحت تصرف الحركات العمالية وتكن صحيفة البعث المعبرة الأخر عن كفاح الحركة العمالية وكان شعلة متقدة بالحماس لدعم النضال العمالي من أجل دحر المستعمر الأجنبي وفي هذه المرحلة لاننسى الجهد الذي قام به الأخ المناضل محسن أحمد العيني إثر دعوته من القاهرة وعبر نقابة المعلمين الذي كان عضواً فيها مما دفع بالسلطات الأستعمارية إلى إبعاده بحجة أنه من إبناء الشمال شأنه شأن المرحوم محمد عبد ه نعمان الحكيمي . وقد عينه المؤتمر العمالي فيما بعد ممثلاً له لدى إتحاد العمال العرب بالقاهرة فأبرز دور المؤتمر العمالي لدى الأتحادات العربية الدولية والتي كان عضواً فيها كما أصبح عضواً لدى أتحاد العمل الحر ومقره بروكسل ( وهو الأتحاد الذي كان يمثل أتحاد ونقابات العالم الغربي) وعضواً لدى الإتحاد العمالي العالمي ومقره ( براغ وكان يضم النقابات المرتبطة بالأتحاد السوفيتي آنذاك ) وبذلك تمكن المؤتمر العمالي من خلق علاقات دولية واسعة أكتسبه عطفاً ودعماً في نضاله المتواصل ضد الوجود الإستعماري البريطاني والحكم السلاطيني والمشيخي الإقطاعي المتخلف والحكم الرجعي الأمامي الكهنوتي الظالم ولم يفتها مهاجمة الأنظمة الرجعية في المنطقة في العديد من المناسبات عبرعن المقاومة من خلال الدعوة للإضربات العامة التي كانت تحدث شللاً كاملاً للحياة العامة في البلاد والمظاهرات وإصدار البيانات والمنشورات وهي كلها تدعو للوقوف ضد الوجود الإستعماري البريطاني حارب النعرات السلالية والمذهبية ودعا دوماً إلى الأستقلال والوحدة وفي المجال الثقافي والتوعية أصدار العديد من البيانات والكتيبات بقصد نشر الوعي بين العمال وأقام العديد من الدورات وأوفد إلى الخارج العشرات من النقابيين لتلقي دورات عمالية في العديد من البلدان العربية والأجنبية كما أوفد العشرات من الطلاب للدراسات الجامعية في الخارج سواء العربية أو الأجنبية قاوم مختلف المشاريع الأستعمارية التي أريد تنفيذها بدءاً بتسمية الجنوب العربي وأعتبرها دعوة أنفصالية وأصر على تسمية جنوب اليمن المحتل في كل بيانته وأدبياته ومواقفه دعا إلى مقاطعة الأنتخابات المزيفة التي كانت تحرم إبن الشمال فيها وتعطي الحق للأقليات الأجنبية كونها تابعة لدول الكومنولث ومجلسه التشريعي حيث قام الالاف من العمال بالزحف عليه يوم 24/ 9/ 1962م وسقط في هذا الحدث قتلى وجرحى غير الذين تم اعتقالهم وزجهم في السجون. وقف بعنف ضد قيام الأتحاد الفيدرالي والوحدة الحضرمية وأعتبرها دعوات أنفصالية تلبي المخطط الأستعماري البريطاني لم يأل جهداً في محاربة كل ماهو ضد الوحدة اليمنية بكل السبل . لقد مثل المؤتمر العمالي بعدن بحق النواة الأولى للوحدة اليمنية فعماله ينحدرون من مختلف أجزاء اليمن الواحد من المهرة إلى عدن وصعدة وكان بفضل الحدود المفتوحة بين الجزءين والتي لم تغلق مع الأسف الا في عهد ( حكم الجبهة القومية ) مما جعلت من غير السهل حركة المواطنين بين مختلف أجزاء اليمن . وبقدر ما كان عظم النضال العمالي كانت محاولة الأستعمار في التآمر عليه وعلى قيادته وعلى رأسهم عبد الله عبد المجيد الأصنج وعبده خليل سليمان عدا الأشاعات والأراجيف والوعد والوعيد للعديد من النقابيين الشرفاء ولكن أمام وعي العمال وحنكة قيادته باءت جميعها بالفشل الذريع فاضطر ( المستعمر) إلى إصدار قانون منع الإضراب في أغسطس 1962م وجد مقاومة باسلة ووجه بمزيد من الإضرابات ةالتظاهرات وقدم العمال وقادتهم المزيد من التضحيات تمثلت بالأيقاف عن العمل للبعض والطرد والسجن لأخرين ولكن صمود الحركة العمالية ودعم القوى العمالية العربية والأجنبية ممثلة بالأتحادات الدولية أدى في الأخير إلى رفع ذلك القانون المشؤوم. وفي مواجهة الحكم الملكي في شمال الوطن وقف المؤتمر العمالي بكل شجاعة معارضاً لذلك الوجود الرجعي المتخلف الذي كان يعتبر بحق بوضعيته حامياً للوجود الأستعماري وعائقاً لتحرر الجنوب فساند كل نشاط يقوم به المناضلون في الشمال من أجل القضاء على الحكم الأستبدادي هناك وأذكر أستقباله للشيخ المناضل سنان أبو لحوم والنقيب على أبو لحوم واللواء حمود الجائفي رحمة الله عليه ومحمد عبدالله الفسيل الذي كان له دور في تحرير صحيفة العمال والمرحوم سعيد الحكيمي (الذي أصبح فيما بعد من النقابيين البارزين في الحركة العمالية ومثلها في صنعلء ودمشق ) والأستاذ أحمد سين المروني رحمه الله الذي أصبح هو الأخر عضواً في نقابة المعلمين والعميد محمد علي الأكوع والأستاذ محمد علي نعمان الذي لم يأل جهداً رحمة الله عليه في دعم الحركة العمالية بمختلف السبل وغيرهم لاتسعفني الذاكرة بتذكرهم وقدم المؤتمر العمالي للكثيرين منهم كل تعاون ممكن. عندما تحقق انتصار ثورة 26 سبتمبر المجيدة لأننسى ذلك الحشد الهائل الذي قدر يومها بأكثر من 60 ألف من العمال والمواطنين التي دعيت اليه للحضور من قبل المؤتمر العمالي يوم28/9/1962م حيث القيت في ذلك الحشد الجماهيري أقوى الخطابات الحماسية من قبل أعضاء قيادة الحركة العمالية تؤكد فيها دعم الثورة وإسنادها بكل غال ورخيص وأنذرت السلطات البريطانية علانية من مغبة أي حماقة تقوم به بريطانيا ضد الثورة في صنعاء ودعت إلى التطوع لمساندة الثوار في الجمهورية العربية اليمنية وزعت المنشورات المهددة والمنذرة للقوات البريطانية في ثكناتها لم أنس أولئك المئات بل الالاف من عمالنا الذين تحولوا تلقائياً ليصبحوا جهاز أمن لحماية الثورة ينقلون الينا مايرونه أويسمعونه عن أي تحرك أو نشاط موجه ضد الثورة وينبهوننا إلى العملاء والمأجورين من أعداء الثورة ومن الملكيين أن وجدوا وكانت تلك الطوابير تقف صفوفاً متراصة في وهج الشمس المحرقة تتسابق لتسجل تطوعها للانخراط في الحرس الوطني من أجل حماية الثورة والدفاع عنها وبدون أي مبالغة فإن من سجلوا عن طريق المؤتمر العمالي أن ثورة 26سبتمبر هي خطوة هامة في سبيل تحقيق أماني شعبنا من أجل تحرره ووحدته فلماذا لايقف مؤيداً ومسانداً بكل إمكانياته سواء على المستوى المحلي أوالدولي وآخرون..أمثال:علي أحمد ناصرالسلامي ممن كان له دور نشط منذ بداية الحركة العمالية وطه أحمد مقبل،وسيف الضالعي ومحمد عبدالله القاضي وعشيش وعبدالله مطلق ومحمد حميد فارع وعلي محمد الزريقي وناصر عرجي وصالح عرجي ومحمد عبدالوارث سعيد وعلي مواط وعبداللطيف وغيرهم كثيرون وكان معنا في المعتقل المحامي سعيد طبجي،وعبده حسين الأدهل وآخرون،عندما كنا في المعتقل واجهنا مختلف الأساليب من التعذيب النفسي والمضايقات ووضعنا مجموعات في زنزانات ضيقة،وهددنا بالقتل إذا مات السلطان.ولا أنسى سؤال المحقق الإنجليزي لي وهو:لماذا ترفعون شعار وحدة اليمن؟كان هذا الشعار يزعجهم ولا يطيقونه وليس سراً أن نقوله اليوم إن المؤتمر العمالي وحزب الشعب الاشتراكي قد رفضا العرض البريطاني في وقت مبكر لتسلم السلطة في عدن لما له من شرط أن يكون كياناً مستقلاً ومنفصلاً عن الشمال..وكانت قيادة المؤتمر العمالي والحزب رافضة هذا العرض المشروط بكل أباء واعتبرته يتنافئ مع الأهداف التي ناضلت من أجلها جماهير شعبنا بكل فئاتها المتمثلة في التحرر والوحدة،هذه حقيقة علينا أن نعرفها جميعاً.ومع ذلك واجهت حركتنا العمالية وقيادتها المخلصة العديد من المؤامرات..استهدفت تحطيمها بدوافع سياسية بحته،وبتحريض من القوى الاستعمارية بشكل أو بأخر،فنقلت الصراعات الحزبية لتخلق انشقاقات بين العمال تحت شعارات وطنية مظللة،ومزايدات نضالية وبذلت كل ما استطاعت لتحدث الانقسام بين العمال وشكلت تجمعاً مناوئاً للمؤتمر العمالي،باسم النقابات الست((أتذكر تلك المرحلة بحزن وألم،وإني متأكد أن من ساهموا في تلك المحاولة الهدامة سيشعرون اليوم بالندم إن كانوا لا يزالون أحياء..كما توسلنا لهم أن لا يسلكوا ذلك الطريق الهادف المؤدي إلى تحطيم الحركة العمالية،ولكنهم تحت الضغوط والأوامر الحزبية ساروا في ذلك النهج واعتبروه جزءاً من نضالهم الوطني،فأي نضال؟وأي إخلاص لقضية العمال ووحدته؟لقد نجحوا فيما فشل فيه البريطانيون من تحقيق مآربهم بتحقيق الانقسام،لقد كانوا عاجزين عن أن ينالوا ثقة العمال ليتبوأو مراكز قيادية،فرأوا أن الهدم والتخريب وتحطيم وحدة العمال هي الأسهل والأيسر..ولم يقفوا عند هذا الحد للأسف،بل تابعوا عملهم الإجرامي البشع في إغتيال أخلص وأصدق مناضلي الحركة العمالية ورئيس المؤتمر العمالي الشهيد علي حسين القاضي يوم24/فبراير1966م..ورمي قنبلة إلى منزلي في المنصورة يوم19يناير1967م أدت إلى مقتل أحد الأبناء طفل رضيع في فراش نومه وأدى الانفجار الذي أحدثوه في دار المرحوم عبدالقوي مكاوي إلى مقتل اثنين من أولاده..لماذا؟..وتوالت الاغتيالات للعديد من النقابيين والوطنيين..قبل رحيل البريطانيين وبعده..هل هذا عمل يشرف أي مجموعة تدعي أنها وطنية؟هل كان الهدف في نضالنا أن نصوب سهامنا إلى المستعمر الدخيل،أم إلى بعضنا؟إنني أتساءل وأترك ذلك التاريخ للعقلاء أن يصدروا حكمهم؟فالتاريخ لا يرحم.وقبل أن أختم ورقتي لا بد من التنويه بدور الحركة العمالية على المستوى القومي.لقد وقف المؤتمر العمالي بكل إخلاص مسانداً للقضايا القومية ولن ننس موقف عمالنا الأبطال من العدوان الثلاثي على مصر1956م عندما رفض العمال في الميناء والمطار تزويد السفن والطائرات الحربية البريطانية بالوقود..واضطروا إلى إيجاد سفينة عائمة في البحر لتموين سفنهم.كما كان لهم موقف مشهود من رفضهم تفريغ أو شحن أية سفينة أمريكية في ميناء عدن رداً على معاملة الأمريكان للسفينة المصرية كيلوباترا التي رفضوا تقديم خدمات لها وساندوا كل القضايا القومية والتحررية وأبرزها قضية فلسطين بمختلف السبل والوسائل وناصروا كل الحركات المناضلة في مختلف بلدان العالم الرامية إلى تحقيق سيادتها واستقلالها.
دور العمل النقابي والجماهيري في دعم مسيرة الكفاح الوطني في الجنوب المحتل من أجل الاستقلال والوحدة
أخبار متعلقة