أضواء
نشرت بعض وسائل الإعلام لدينا قبل سنة تقريبا عن حادثة اعتداء عنيف من أب على ابن له يبلغ من العمر ثمان سنوات وذلك عندما قام بضربه وجلده بحزام حديدي أدى إلى إصابته بالعديد من الجروح والكدمات في كتفه وصدره وقدميه ونشرت تلك الصحف صورا مؤلمة للآثار الناجمة من العنف الذي تعرض له ذلك الطفل بالإضافة لوجود التقرير الطبي المثبت لذلك كله, ولقد كان السبب الرئيسي لتلك الجريمة هو وجود خلاف بين الأب وطليقته فلم يجد سبيلا أمامه للانتقام منها إلا عن طريق ذلك الطفل المسكين.لقد أصبحنا نسمع مؤخرا عن كثير من حوادث العنف والاعتداء الجسدي على الأطفال وذلك عبر العديد من وسائل التعذيب والتي قد تصل في بشاعتها لدرجة إزهاق أرواح تلك الأنفس البريئة ولقد اعتدنا ايضا أن نسمع أن مرتكبي تلك الجرائم البشعة هم غالبا من متعاطي المسكرات والمخدرات وأن من أهم أسبابها ضعف الوازع الديني والإيماني إلى غير ذلك من الأسباب ..ولقد كنت في زيارة قبل فترة بسيطة لأحد المحامين تبادلت معه الحديث حول عدد من القضايا وكان مما تطرقنا إليه الحادثة التي ذكرت في بداية المقال حيث تبين لي أنه موكل من قبل والدة الطفل لإقامة دعوى ضد ذلك الأب الظالم, وكان من أهم وأخطر الأمور التي عرفتها منه هي هوية مرتكب تلك الجريمة والذي تبين أنه أحد الدعاة ممن لهم إسهامات دعوية في الداخل والخارج ومن حملة عدد من الشهادات والتزكيات العلمية والشرعية من عدد من العلماء والمشائخ إضافة لكونه إماما وخطيبا لصلاة الجمعة.إن المجتمع بعمومه ينظر لهذا الرجل وأمثاله على أنهم من أهل الخير والصلاح كما يقولون بل ومن حملة العلم الشرعي فسيما التدين على ظاهره بإطلاق لحيته وتقصيره لثوبه وارتدائه البشت في المناسبات والمحاضرات وهو لايفتأ من حين لآخر إلا وهو يذكر ويعظ الناس بأهمية الاستقامة على الدين والمحافظة على الواجبات والبعد عن الوقوع فيما يغضب الله كل ذلك يجعله يحظى باحترام وتقدير عامة المجتمع له, فالناس رجالا ونساء يستشيرونهم ويسألونهم في جميع أمورهم الدينية والحياتية العامة والخاصة أيضا, بل ويسلمون أنفسهم وأموالهم لذلك الشيخ أو الداعية أو إمام المسجد طالما أن ظاهره التدين والخوف من الله بل ويستنكرون ويرفضون سماع أي نقيصة أو معيبة في حقهم فضلا عن تصديق ذلك, وتراهم يبررون لهم الكثير من أخطائهم بربما ولعل.إنها مشكلة كبرى أن يهتم عامة أفراد المجتمع بجعل الإسلام والتدين مجرد قالب شكلي بتحققه على أرض الواقع ينال صاحبها الاحترام والتقدير والرضا والتسليم لأفعاله وتصرفاته بغض النظر عن حقيقة سلوكياته وتصرفاته ومتاجرته باسم المشيخة والدين, والذي ساعد وللأسف على انتشار مثل هذا المفهوم الخطير هم الدعاة أنفسهم وخطباء المنابر, إذ أن غاية مجهود الكثير منهم طيلة عشرات السنين هو مجرد الحديث عن الإسلام والتدين الشكلي أو قل الثلاثية الشهيرة وجوب إعفاء اللحية وتحريم الإسبال وتحريم سماع الأغاني والموسيقى, وفي المقابل إهمال وإغفال للأهم من ذلك كله وهو أهمية الالتفات إلى القيم والمعاني السامية التي جاء بها الإسلام كالعدل والمساواة والأمانة والصدق والتركيز عليها وذلك لإدراكهم أن تلك المعاني تتعارض وتتناقض مع كثير من سلوكياتهم الحياتية ومكتسباتهم الشخصية.إنني أعلم أن ثمة أصواتا ستستنكر وبصوت عال قائلة ومن قال إننا ندعي العصمة لمشايخنا أو لدعاتنا أو لرجال الحسبة؟! بل هم بشر يصيبون ويخطئون ولا عصمة إلا لمن عصمه الله من الخطأ... مثل هذه العبارات يرددها الكثير منا بلسانه وبقلمه ولكنهم في الوقت نفسه تراهم يقفون عاجزين عن ترجمة مثل تلك العبارات الجميلة على أرض الواقع, ولعل من الطريف الإشارة هنا أننا ما زلنا نرفض جملة وتفصيلا أي نقد بناء يوجه للشخصية المتدينة في الأعمال التلفزيونية من أجل توضيح أخطائها ومعالجتها, بل في المقابل نوجه للقائمين عليها تهم التفسيق والتكفير لمجرد نقدهم لممارسات المتدينين الخاطئة !! وثمة فريق آخر يتهمنا بتعمد توجيه النقد للمتدينين وللدعاة والبحث عن أخطائهم والسكوت عن أخطاء الآخرين فأقول لهم إن من أسميتموهم بالآخرين كائنا من كانوا فإن هؤلاء لم ينصبوا أنفسهم ممثلين للدين ولتعاليمه ولم يسلطوا ألسنتهم لتوجيه الوعيد للناس باسم الدين فكان لزاما علينا أن نبين أن الإسلام بتعاليمه وقيمه السامية براء من تصرفات بعض من يدعون التدين, فعندما ننتقدهم خصوصا فذلك من أجل حماية وصيانة الدين من تصرفات بعض أدعيائه ممن يلصقون بالدين ما ليس منه. لقد قام محامي والدة الطفل بتقديم دعوى في المحكمة الشرعية ضد الأب المشغول بدعوة الناس ومناصحتهم وذلك على جريمته البشعة ومطالبا فيها بتشديد العقوبة عليه بسبب ما قام به من اغتيال وقتل لبراءة ذلك الطفل المسكين, ولا شك أن القاضي قد ذهل عندما قدمت له لائحة الادعاء متضمنة توجيه الاتهام بتلك الجريمة الشنيعة إلى أحد حملة العلم الشرعي والمشتغلين في الساحة بالدعوة إلى الله وصعود المنابر لوعظ الناس وإرشادهم حينها لم يجد بدا من أن يتعاطف معه ويميل لتخفيف العقوبة عنه بطريقة أو بأخرى إذ ليس من اللائق لدينا أن توجه مثل تلك التهمة تجاه رجل يعتبر في عرف المجتمع شيخا كما يقال, وقد ظهرت بوادر الانحياز والميل منذ الجلسة الأولى للمحاكمة, وذلك حين طلب القاضي بأن يستمع إلى اعترافات الطفل وبما حصل معه وذلك أمام والده, فطلب المحامي من القاضي أن يستمع لاعترافات الطفل من غير حضور الأب وذلك لتعرضه لازمة نفسية شديدة بسبب جلاده الذي حرمه لذة الطمأنينة والأمان !! فما كان من القاضي إلا أن أصر على رأيه ولم يعبأ بذلك كله ولا يوجد مبرر لذلك الإصرار إلا بأن يخاف الطفل عندما يرى والده وينكر ما فعله به!وفي مقابل ذلك كله فإن ذلك الأب ومثله الكثير من الآباء في مجتمعنا يملكون ورقة رابحة بأيديهم تمنحهم ممارسة مثل تلك الجرائم البشعة, وتعطي كل واحد الحق في استغلال طليقته تحت مظلة الشريعة والقانون زعموا, إنها حق الحضانة للأولاد والتي يتم لدينا منحها قضاء لأكثر الآباء الذين يسومون أولادهم وبناتهم سوء العذاب المعنوي والجسدي فضلا عن العذاب الكبير الذي تعيشه الأم تجاه حرمانها من رؤية وتربية أولادها.إن الأب الذي نحن بصدد الحديث عنه إنما هو أنموذج لعدد ليس بالقليل من الآباء ممن نالوا حق حضانة أطفالهم بموجب القضاء وهم يفعلون بهم الأعاجيب التي يتفطر لها قلب أي إنسان . فداعيتنا المذكور وعلى ما بشاعة ما فعله بابنه فإنه يستطيع الخلاص من القضية المقامة ضده ويسلم من فضيحتها وعارها بل ويجعل الأم تتراجع عن دعواها والثمن في المقابل هو تنازله عن حضانة الطفل لأمه, ولا شك أن كثيرا من الأمهات هن على استعداد للتنازل عن الكثير والكثير مقابل أن يعيش ابنها أو ابنتها في كنفيها, ونحن نعايش ونسمع عن كثير من القصص التي تحصل في أروقة محاكمنا والتي تظل الأم المسكينة ولسنوات عده تغدو وتروح على دور المحاكم عسى أن تظفر بحقها ولكنها وفي كثير من الأحوال تحرم عن أعز شئ عليها بل وتعامل بأسلوب مهين, وفي المقابل يعيش ذلك الطفل وبحكم القضاء تحت رحمة ذلك الأب الذي لم يرغب بتلك الحضانة إلا لمجرد الانتقام. لقد طالعتنا بعض الصحف قبل عدة أشهر عن توجه باستصدار حكم قضائي يتم بموجبه سحب الحضانة من الآباء المعتدين على أطفالهم ومرتكبي العنف ضدهم وذلك بعد أثارت الكثير من حوادث العنف تجاه الأطفال والمنشورة في وسائل الإعلام ردود فعل غاضبة واستياء كبير في المجتمع السعودي, ولا شك أن كلنا يتمنى أن يحظى مثل هذا القرار بتطبيق على أرض الواقع, وان لا يبقى رهينا وحبيسا في الأدراج والأرفف ! فهل يا ترى سيقف القضاء وقفة عدل وإنصاف للطفل ويعيد إليه براءته وابتسامته ؟أم سيكون عونا لذلك الداعية من أجل المحافظة كما يقال على احترام وتقدير المجتمع له ويخرج منها بمجرد تعهد بعدم تكرار ذلك مرة أخرى ويتم إقفال ملف القضية على ذلك..الزمن وحده كفيل بأن يخبرنا عن ذلك كله معشر القراء الكرام .[c1]*عن/ موقع «العربية.نت»[/c]