من المعروف أن الثورة بمفهومها العام تعني التغيير الجذري والشامل في المتجتمع من جوانبه المختلفة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية، وهي تتولد - عادة - من المعاناة والحرمان الناجمين عن الظلم الاجتماعي بسبب تعنت الحكام أو قسوة الاحتلال، وهو ما حصل فعلا في بلادنا قبل أربعة عقود من الزمن، حين كان الشعب اليمني يعيش مرحلة تخلف رهيبة، عانى منها كثيرا، وحرم من أبسط مقومات الحياة، في ظل حكم متخلف في الشمال، واحتلال متسلط في الجنوب، وهو ما ولد لدى الشعب اليمني الإحساس بالمعاناة، والشعور بالحرمان، في الوقت الذي كانت الشعوب الأخرى في أنحاء مختلفة من العالم قد تمكنت من إحداث تغييرات في مجتمعاتها، عن طريق الثورات أو الانقلابات.لقد شهدت سنوات الخمسينات والستينات من القرن الماضي قيام العديد من الثورات أو الانقلابات، وبالذات في بعض أقطار الوطن العربي، ففي عام 1952م قامت في مصر ثورة عسكرية وفكرية واجتماعية، غيرت كثيرا من أوضاعها، وتلتها ثورة أخرى في الجزائر بعد سنتين، حين انتفض الشعب الجزائر لمواجهة الاستعمار الفرنسي، ومطالبته بالجلاء عن الجزاء، وبعدها بأربع سنوات اندلعت ثورة في العراق، وهكذا تعاقبت الثورات والانقلابات في هذا القطر العربي أو ذاك، فلم ينته عقد الخمسينات إلا وقد شهدت بعض الدول العربية تغييرات مختلفة في حياتها، باستثناء اليمن التي ظلت الحياة فيها جامدة، بسبب جمود الحكام في الشمال، وانغلاقهم على أنفسهم ووقوفهم ضد أية بادرة تغيير كانت تلوح في الأفق، ما ساعد على استمرارية بقاء الاستعمار مهيمنا على الجنوب، إلا أن الشعب اليمني - وقتها - كان مهيأ للثورة، ومستعدا للانقضاض على حكامه، في الشمال ومواجهة قوات الاحتلال في الجنوب، لأن سنوات المعاناة والحرمان التي عاشها طبعته بطباع الثورية، وجعلته يندفع بحماس للتغيير الثوري المتسارع، دفعته للانطلاق بحماس للتغيير الثوري ليلحق بركب الدول الأخرى، التي كانت قد سبقته بمراحل طويلة.وفي مطلع عقد الستينات من القرن الفائت قيض الله لشعبنا اليمني طليعة ثورية آمنت بربها، وبحق وطنها في الحياة الحرة الكريمة، وآمنت بحرية الإنسان وكرامته، كما آمنت بحتمية التغيير الثوري لصالح الجماهير التي طال حرمانها، طليعة آمنت بمبادئها وبمقدرتها وجماهير الشعب معها على التغيير، فأقدمت هذه الطليعة على تفجير الثورة اليمنية في السادس والعشرين من سبتمبر 1962م، والرابع عشر من أكتوبر 1963م.وكانت تلك الطليعة قد رسمت لنفسها أهدافا واضحة المعالم، لا لبس فيها ولا غموض، وهي الأهداف الستة التي أعلنتها صبيحة يوم الثورة، التي كانت تستحق الاندفاع الثوري والعمل المتواصل من أجل تحقيقها، غير أن الثورة واجهت منذ اليوم لقيامها جملة من الصعوبات والمعوقات والتحديات التي أعاقت مسيرتها اختلفت شدة ولينا ومقاومة، تبعا لظروف تلك المرحلة وملابساتها.ولقد أتت تلك الصعوبات والمعوقات والتحديات من أولئكم الذين هددت الثورة مصالحهم أوقضت على مصالحهم، من حكام ذلك العهد البائد الذين ظلوا السنوات يتآمرون على الثورة ويحاربونها، كما أتت أيضا من بعض الذين ارتبطت مصائرهم بخارج حدود الوطن، ممن ظلوا يناصبون الثورة العداء فأعاقوا مسيرتها، كما أتت كذلك من بعض الذين لا يريدون التغيير لمجرد أنه تغيير، ذلك أنهم بحجم ما درجوا عليه وألفوه، فإن الحياة الجديدة لم ترق لهم، لأنهم اعتادوا على نمط معين من الحياة، وتكيفوا مع أوضاع رتيبة ومعتادة وسهلة، لذلك فإن الأوضاع الجديدة التي أفرزتها الثورة في المجتمع كانت صعبة على هؤلاء، لكونها سارت ضد مجرى تفكيرهم المتخلف، وحياتهم المعتادة. كما واجهت الثورة عددا من الصعوبات والتحديات من أصحاب النظرة الذاتية والأحلام الخرافية أو قصار النظر، الذين أرادوا إعادة عجلة التاريخ إلى الوراء.ولقد أسهم هؤلاء وغيرهم في عرقلة مسيرة الثورة اليمنية ولا يزالون - للأسف - يمارسون أدوارهم المعيقة للتطور والنمو، في ظل المتغيرات الجديدة التي أفرزتها الوحدة اليمنية المباركة منذ مايو 1990م، فهؤلاء - رغم كونهم عاشوا في ظل الثورة وربما شاركوا في قيادتها - لم يكونوا مهيئين للعمل الثوري، أو غير قادرين على التكيف مع متغيرات الحياة الجديدة التي أفرزتها الثورة والوحدة، ربما لأن ثقافتهم غير قادرة على استيعاب جملة المتغيرات التي حصلت في المجتمع اليمني خلال المسيرة الثورية قبل الوحدة، أو خلال مرحلة البناء والتنمية في ظل الوحدة المباركة، فبعض هؤلاء قد أندس في صفوف الثورة، وانخرط في طابور المنتفعين من الوحدة، فاستثمروها لصالحهم، فتحولت الوحدة بالنسبة لهم غنيمة يقتسمون خيراتها، مثلما كانت الثورة بالنسبة لهم وسيلة للتهافت على السلطة، فتهافتوا عليها كتهافت الأكلة على القصعة، فهؤلاء تعاركوا على السلطة قبل الوحدة، وذهب من جراء عراكهم عليها ناس كثيرون، كان من بينهم شباب في مقتبل العمر.ولقد تعرضت اليمن بسب عراكهم للعديد من الأزمات، وتعرض المجتمع اليمني بسبب صراعاتهم على السلطة لكثير من الويلات والنكبات، وليت هؤلاء قد اعتبروا بصراعات الماضي، وما نجم عنها من ضحايا أبرياء، فيكفون عن مواصلة إعاقة الثورة، وتعطيل المسيرة الوحدوية الظافرة.واليوم ونحن نحتفل بالذكرى السابعة والأربعين لثورة سبتمبر والذكرى السادسة والأربعين لثورة أكتوبر، جدير بنا أن نتذكر الشهداء الذين ضحوا من أجل الثورة، خصوصًا وقد تحقق أعز وأنبل وأغلى هدف ناضلوا من أجله وهو وحدة الوطن اليمني، فلتكن أعياد الثورة محطة لمراجعة الأخطاء، وتصحيح الإعوجاجات، وفرصة للتسامح وتناسي الأحقاد والضغائن، والانطلاق نحو المستقبل لبناء الوطن بخطى ثابتة.
الثورة اليمنية.. وتحدياتها
أخبار متعلقة