يوم الثلاثاء الأسبق 28 أبريل 2006 انتهت اللجان الأساسية والفرعية في عموم الدوائر الانتخابية بجميع محافظات الجمهورية من مراجعة جداول الناخبين في إطار عملية القيد والتسجيل التي ستدخل خلال الفترة القريبة القادمة مرحلة جديدة على طريق التحضير للانتخابات الرئاسية والمحلية المقرر اجراؤها في سبتمبر القادم من العام الجاري 2006 م . وبقدر ما شهدت المرحلة الاولى من اعمال مراجعة جداول الناخبين التي انجزتها اللجان الانتخابية الاساسية والفرعية في جميع الدوائر الانتخابية اقبالا واسعا على مستوى الجمهورية بأسرها ، بقدر ما شهدت قيام احزاب المعارضة المنضوية في اطار ما يسمى (( اللقاء المشترك )) الذي بقوده وينطق باسمه حزب التجمع اليمني للاصلاح باطلاق وابل من التصريحات النارية وخطب الجمعة التحريضية بالاضافة الى اعمال التحشيد والدعاية الانتخابية المبكرة والمصحوبة باعمال غير قانونية ، الأمر الذي يشير إلى خطورة التأثير الذي تمارسه رواسب الثقافة الشمولية والبنى التقليدية على المجال السياسي في المجتمع المدني .في هذا الإطار تبادلت الأحزاب السياسية - في السلطة والمعارضة واللجنة العليا للانتخابات - اتهامات قاسية، فيما لوحت أحزاب "اللقاء المشترك" بمقاطعة الانتخابات القادمة، حيث سبق لهذه الأحزاب استخدام سلاح التلويح بالمقاطعة في مرحلة تشكيل اللجنة العليا للانتخابات واللجان الفرعية، لابتزاز الحزب الحاكم اثناء التحضير للانتخابات البرلمانية الاخيرة التي جرت في ابريل 2003 م بهدف انتزاع مكاسب سياسية بوسائل غير ديمقراطية وغير قانونية !!ولئن أفرطت أحزاب " اللقاءالمشترك" في الإدمان على ابتزاز الحزب الحاكم، فإنّ الأخير أفرط أيضاً في التعاطي مع محاولات استدراجه إلى مثل هذا الفخ من خلال ماتسمى بجلسات الحوار التي اعتادت احزاب المعارضة على استغلالها لطرح مساومات ومطالب ابتزازية مخالفة للدستور والقوانين النافذة، بهدف عزل العملية الديمقراطية عن المجال السياسي للمجتمع، وتحويل مركز ثقل عملها إلى المجال الوظيفي للسلطة السياسية التنفيذية.بوسعنا القول إنّ أحزاب " اللقاء المشترك"، اعتادت على تحقيق إنجازاتها من خلال مراهناتها المتواصلة على ابتزاز الحزب الحاكم ، وحين تعتاد هذه الأحزاب على استثمار ذلك الابتزاز والخروج ببعض المكاسب التي يتداخل فيها الابتزاز بالخضوع والمساومات، يتحول الابتزاز إلى عادة دورية مدمرة لقدرة أحزاب معارضة ، الأمر الذي لا يؤهلها لإنجاز مكاسب حقيقية بالاعتماد على مصادر القوة الكامنة في المجال السياسي للمجتمع المدني ، بما ينطوي عليه من مفاعيل فكرية وسياسية واقتصادية وثقافية لا يمكن بدونها تجذير وعي هذه الأحزاب للديمقراطية، وتطوير وتحديث ثقافتها السياسية، وتعميق صلاتها بالناس .صحيح أنّ تلويح أحزاب المعارضة بمقاطعة الانتخابات سيلحق ضرراً قاتلاً بهذه الأحزاب سواء في حال نجاحها في ابتزاز السلطة والحزب الحاكم ، أو في حال أن تكون المقاطعة قراراً جدياً لا رجوع عنه.. بيد أنّ ذلك أقل خطراً من الدعوة التي نشرتها مؤخرا ً احدى الصحف المستقلة التي تتبنى خطابا ً سياسيا واعلاميا ًً مستنسخا ً من النسخة الاصلية لخطاب احزاب المعارضة المنضوية في اطار ما يسمى (( اللقاء المشترك )) ، حيث طالبت تلك الصحيفة (( المستقلة )) ـ في مزحة ثقيلة الدم ـ بتأجيل الانتخابات ، وباركت تصريحات بعض قيادات الحزب الحاكم بشأن عدم مشاركة المؤتمر الشعبي العام في الانتخابات الرئاسية اذا لم يتراجع الرئيس علي عبدالله صالح عن رغبته التي سبق له الاعلان عنها بعدم ترشيح نفسه مجددا ً لرئاسة الجمهورية ، ولم تنس تلك الصحيفة ان تدعو احزاب المعارضة الى مقاطعة الانتخابات ايضا ً ، بحجة ما اسمته " وجود إجماع من أحزاب السلطة والمعارضة على تفادي انفجار أزمة سياسية ـ مفترضة ـ تسبق الانتخابات " !!.لا ريب في أنّ هذه الدعوة تعكس تجاهل أحزاب المعارضة لخطورة الفراغ الدستوري الذي سينشأ عن عدم إجراء الانتخابات القادمة ، وما قد يترتب عليه من انفجار أزمة سياسية حقيقية ـ وليست مفترضة في هذه الحالة على وجه التحديد ـ ربما ترى المعارضة فيها بيئة مثالية لممارسة غرامها القديم مع السلطة عبر الأبواب الخلفية، والمشاركة فيها بعيداً عن صندوق الاقتراع الذي أصبح المرجع الرئيسي لشرعية قيادة السلطة أو المشاركة فيها، منذ تحقيق الوحدة وقيام النظام الديمقراطي التعددي في الثاني والعشرين من مايو 1990م .اللافت للنظر أنّ تلك الصحيفة ( المستقلة والمعارضة ) في آن واحد نصحت أحزاب المعارضة بضبط النفس، وطمأنتها بأنّ اللجنة العليا للانتخابات بما فيها سجلات القيد يمكن تغييرها في وقت لاحق، وذلك في رسالة واضحة إلى السلطة مفادها أنّ أحزاب المعارضة ترغب في مساومة السلطة على شيء ما.. بمعنى أنّ هذه الأحزاب لا تراهن على مفاعيل الديمقراطية في المجال السياسي للمجتمع المدني ، بقدر ما تراهن على مخرجات المجال الوظيفي للسلطة السياسية التنفيذية فقط ، وهي مخرجات من طبيعة مختلفة تتعلق بوظائف السلطة المنتخبة لا بوظائف المعارضة التي يجب تأهيلها لأنّ تكون صنواً فاعلاً للسلطة في النظام السياسي الديمقراطي التعددي.ثمّة مجال حقوقي مستقل للدولة عن السلطة والمعارضة يضطلع بوظائف ضبط آليات الديمقراطية وتفعيل أطرها، بما في ذلك تشغيل الميكانيزمات الدستورية والقانونية الخاصة بحماية الديمقراطية من خلال السلطة القضائية ، وهو بالضرورة مجال مشترك للسلطة والمعارضة، ويمكن أن تمارس المعارضة وجودها المستقل واختياراتها الحرة من خلاله.من حقنا أن نتساءل عن السبب الذي يدفع المعارضة إلى تجاهل المجال الحقوقي للدولة، بما يوفره من فرص اللجوء إلى السلطة القضائية للطعن بسجلات القيد التي تنتج عن اعمال اللجان الانتخابية بوسائل الدستور والقانون . فمن نافل القول إنّ أحزاب (( اللقاء المشترك))، لا تراهن على المجال السياسي للمجتمع المدني أو المجال الحقوقي للدولة، بقدر مراهنتها على المجال الوظيفي للسلطة التنفيذية والحزب الحاكم من خلال الابتزاز والمساومات ، ولعل ذلك ما يفسر تصريحا شهيرا للاستاذ محمد قحطان الناطق الرسمي لاحزاب (( اللقاء المشترك )) نشرته صحيفة ((الصحوة)) في شهر ابريل الماضي، وتناولته في مقال سابق ، اتهم فيه اللجنة العليا بارتكاب (( انتهاكات وخروقات خطيرة للدستور والقانون)) لكنه قال في نهاية تصريحه الذي نشرته صحيفة ((الصحوة )) في صدر صفحتها الاولى بأن احزاب اللقاء المشترك لا تنوي رفع دعوى قضائية ضد اللجنة العليا للانتخابات التي اطلق في وجهها اتهامات خطيرة ما أنزل الله بها من سلطان ، بمعنى ان خلاف هذه الأحزاب مع اللجنة العليا للإنتخابات ليس قانونيا بل سياسيا بامتياز ، وكان من الواجب على احزاب (( اللقاء المشترك )) التصدى لأي مخالفات قانونية ـ إن وجدت حقا ً ـ عبر اللجوء الى القضاء وليس عبر الحوارات السياسية والمساومات غير الدستورية ، فالقضاء وحده هو السلطة التي تمتلك حق الحكم بوجود مخالفات للدستور والقانون ومحاسبة مرتكبي هذه المخالفات !!يقيناً أنّ التطور اللاحق للديمقراطية الناشئة في بلادنا مرهون بمعالجة تناقضاتها ومصاعبها من خلال المزيد من الديمقراطية ، ومراكمة المزيد من الخبرات الانتخابية وتعظيم رصيد المشاركة في الحياة السياسية ، فيما يؤدي إدمان احزاب المعارضة على ابتزاز الحزب الحاكم وتسول المساومات عبر الابواب الخلفية ، إلى خضوعها لمفاعيل سلطته السياسية، حتى وإن أنعم الحزب الحاكم على احزاب المعارضة ببعض التنازلات والمكاسب والمساومات من الباب الخلفي !! .والحال أنّ أخطر ما يهدد المستقبل السياسي للمعارضة لا يكمن في الخوف من عدم تحقيق نجاحات استرايجية وحاسمة تتطلع اليها احزاب المعارضة في الانتخابات القادمة ، بل في إصرارها على تجاهل مفاعيل المجال السياسي للمجتمع المدني ، الأمر الذي يدل على ضعف ميولها نحو التحرر من التبعية للمجال الوظيفي للسلطة التنفيذية، ناهيك عن أنّ إصرارها أيضاً على تعطيل المفاعيل الدستورية والقانونية للمجال الحقوقي للدولة من خلال حرصها على عرض المساومات و طرح المطالب الابتزازية الخارجة عن الدستور والقوانين النافذة ، يقدم دليلاً إضافياً على عجزها عن تحقيق حريتها واستقلالها، وعدم أهليتها في تحرير المجتمع المدني ـ وهي جزء اساسي فيه ـ من التبعية للدولة !!---------------------[c1]* نقلاً عن/ صحيفة 26 "سبتمبر" [/c]
مساومات و مطالب غير دستورية عبر الابواب الخلفية
أخبار متعلقة