قصة قصيرة
عبدالقادر النقيلي كان الصمت موحشاً يعربد في تلك الخبوت الجرداء .. ، حيث يملأ الفراغ الكيان ويفغر الذهول فاه اصفر لوعتاء القرون على ملاية رحبة من الرمال تمتد بامتداد عبقرية المكان في تضاريس التاريخ عبر خارطة الذاكرة..وكان فريق التنقيب كعادته يقضي وقت قيلولته داخل الخيمة قبل استئناف الحفريات بينما راح عالم الآثار د. ياسين نور الدين غير بعيد عن سيارته يتأمل المعامل المتناثرة من الرسوم والاطلال لملامح الموقع الاثري المفترض على طريق القوافل القديم..رأى زوبعة من الغبار تنعطف باتجاهه فظن د. ياسين انها دوامة ريح ثم اقتحم سكينته رتل من السيارات الفارهة خلف طقم عسكري مزيف ذي لوحة مدنية مؤقتة .." اللهم اجعله خيراً " - قال ياسين متوجساً من هذه الحملة الفضائية المفاجئة واستعد لأسوأ الاحتمالات ، ترجل المسلحون من السيارات بملابسهم التقليدية لينتشروا حوله على شكل نصف دائرة مصوبين فوهات بنادقهم الى عالم الآثار الاعزل فلزم محلة مكتوف اليدين كتمثال فارس مهزوم. ولم تمض سوى لحظات حتى شرع فريقه الفني نفسه يردم الحفريات ويطمس محتوياتها تحت تهديد الرصاص ، اقتضى الامر فقط بضع طلقات فوق مستوى الرؤوس الناشفة لتليينها مباشرة بما يكفي التنفيذ على الفور وياروح مابعدك روح " ... وحده ياسين نور الدين الذي ابتلع كبرياءه العلمي مع صفعة المفارقة العملية .. يستشعر الان فداحة الكارثة التي تجري بحق الانسانية حضارة وثقافة وتراث ... فصاح من قعر جب سحيق - " ماذا تفعلون ايها المجانين.. انتم لاتفهمون شيئاً .. هذه جريمة يعاقب عليها القانون".انها ارضنا نفعل بها مانشاء ولسنا بحاجة الى المحاضرات اجابه احدهم فيما ارتفعت وراءه قبضة آخر بقطعة رخامية من بقايا تمثال ، وفعلاً لم يتسع الوقت للكلام فقد جرى كل شيءٍ بسرعة البرق ضربة عنيفة على مؤخرة الرأس فسقط الدكتور مغشياً عليه كم لبث في غيبوبته العالقة بين الموت والحياة .. ربما انشتاين لايملك الجواب، فقد كان الوقت بالنسبة لياسين صفراً على ذمة مزولة في ثقب اسود يبتلع الجهات الاربع بابعادها الكونية المطلقة ، وحين آفاق لم يكن احد موجوداً هناك اختفى الجميع بمن فيهم معاونوه.." لابد ان هؤلاء المساكين اقتيدوا عنوة الى مكان مجهول "- قال معللاً غياب زملائه .. " الا ان يكونوا فعلوها بدافع الخوف" لكنه ليس من النوع الذي يضيع الوقت في قراءة الفنجان .هاتف ياسين رؤساءه الاداريين فأحالوه الى المحافظ قابل المحافظ فحصل على وعد قاطع بتوفير الحماية اللازمة في إطار الخطة الامنية للعام القادم " ان شاء الله .. إنما تستطيع التنسيق مؤقتاً مع قيادة اللواء". وفيما يشبه حالة الهلوسة المرضية التي تفتك بالسمع والبصر اكتشف في مكتب الافندم ان اليد قصيرة والعين بصيرة فقد سبق السيف العذل لان الارضية ابتاعت يادكتور.. سكني تجاري والموقع للأسف دخل ضمن صفقة البيع لحساب ديناصور من اياهم والعياذ بالله"..يعني كيف ..؟! - تساءل ياسين كالمستجير من الرمضاء بالنار والآثار .. هذه آثار "فقال القائد منهياً المقابلة بخفة دم - " سلم لي على آثار الحكيم" . وخرج عالم الآثار يفتش في وجوه النساء والفتيات عن آثار الحكيم معتقداً انها الملكة بلقيس..