أمين عبدالله إبراهيم :تفيد العديد من الدراسات والأبحاث الاقتصادية العلمية الحديثة بأن النظريات التقليدية في مجال الاقتصاد والتنمية لم تتناول مفهوم العمل إلا في نطاق ضيق، حيث كانت تنظر للعمل على أنه نشاط اقتصادي الهدف منه زيادة إنتاج المجتمع - كما وكيفاً - في سبيل تحقيق الحاجات الاجتماعية والمادية للفرد والمجتمع إلا أن هذا يبدو عاماً ومحدوداً. أما من وجهة نظر التنمية البشرية فإن العمل - بالإضافة لما سبق - له خصائص وأبعاد إنسانية ومجتمعية تجعله من أهم العمليات الاجتماعية والإنسانية التي تساهم في تطور المجتمع إنتاجياً وفنياً وثقافياً ، وبالتالي فإن النظرة للعمل تغيرت بشكل كبير عما كانت عليه، فقد أصبح العمل حقاً وواجباً إنسانياً، وعليه فإن إعادة النظر في الموارد البشرية كفاية وليس كوسيلة هو ضرورة إنسانية. وبحسب خبراء الاقتصاد والتنمية ، فإن الاتجاه نحو التغيير يعد فرصة للمجتمعات النامية ولاسيما العربية وذلك للاستفادة من ثرواتها البشرية وقدرتها الحضارية والعقلية والمعرفية ، على أن الذي يجب تأكيده هنا أن هذه الأمنية لن تتحول إلى دائرة الواقع إلا باختيار أسلوب تنموي يكون هدفه الرئيسي مشاركة الإنسان العربي في صنع قراره الخاص حاضراً ومستقبلاً والعمل على تعبئة قدراته وموارده للاستفادة من إبداعه ، وعليه فإن تأمين العمل يشكل أحد المكونات الرئيسية لتحقيق التنمية البشرية باعتبار أن العمل يعطي صورة واضحة وملخصاً عن أحوال البنية الاجتماعية السائدة وعلاقتها بالعوامل الخارجية، حيث تفرض الهيمنة الخارجية على المجتمع التابع القيام بنشاطات إنتاجية وتوزيعية وخدمية لم تنتج من تطور تلقائي لنمط الإنتاج، مما يخلق طلباً على مهن ونشاطات ومهارات لم تنتجها البنية الاجتماعية، وهذا أدى إلى الاختلال الهيكلي في عرض العمل والطلب عليه فزادت مدة البطالة ما أدى إلى الهجرة ، حيث أن عوامل الجذب الخارجية كانت أكثر قوة من عوامل البقاء داخل البنية الاجتماعية .ونظراً لانتقائية الهجرة، من حيث السن والنوع والمهارة، فقد أحدثت خللاً في بيئة سوق العمل ولم تخفف من حدة البطالة بقدرما أحدثت نقصاً نوعياً في عرض العمل لبعض المهن والمهارات ، كما تلعب العوامل الداخلية دورها في التأثير على مفهوم العمل من خلال تأثير أوضاع البنية الطبقية للمجتمع، وذلك بسيطرتها على عملية التنمية والطلب على نوعية محددة من العمل ونمط وسياسات التشغيل والتدريب اللازمة ، حيث يؤثر مالكو الثروة والسلطة فيها من خلال كيفية توظيف الموارد المالية والاستثمارات وبالتالي نمط الاستهلاك والإنتاج ، كما أن لأوضاع السكان - حجماً وخصائص وحركة - تأثيراً على سياسات التشغيل من خلال تفاعلها مع أنماط الإنتاج السائدة وخاصة تلك المسببة لفائض سكاني عاطل عن العمل ، وبالتالي فإن الفائض الاجتماعي ( المادي والبشري ) وأساليب وطرق توليده وتوزيعه وتوظيفه يعد مفتاحاً للكشف عن خصائص العمل من حيث تنظيمه وعلاقاته وعوائده. وانطلاقاً من هذه المفاهيم فإن العلاقة بين العمل المنتج والتنمية البشرية علاقة متبادلة حيث يغذى كل منهما الآخر، فالعمل المنتج يبدو وكأحد المقومات الرئيسية للتنمية البشرية ، على اعتبار أن العمل يعود على العامل بدخل يسمح له ولعائلته بالعيش فوق خط الفقر المطلق ، كما أن التنمية البشرية تبدو من المقومات الرئيسية للعمل المنتج ، وذلك بإتاحة فرص العمل أمام الناس وتحسين إنتاجيتهم من خلال توفير التعليم والتدريب ، حيث يعتبر انخراط الناس في دائرة العمل المنتج الأبعاد الرئيسية للتنمية البشرية لكونه يشكل المدخل الأساسي لتجسيد مفهوم التنمية البشرية والذي يقوم على توسيع الخيارات والاستخدام الأمثل للقدرات وتحقيق المشاركة والتمكين والعدالة والأمن. فعلى صعيد المجتمع لا يمكن للتنمية البشرية أن تأخذ مجراها دون نمو اقتصادي، أي دون زيادة في إنتاج السلع والخدمات ، حيث أن تأمين حاجات الناس من السلع والخدمات يعتبر الركيزة الأساسية لتوسيع خياراتهم وتعزيز قدراتهم وباعتبار العمل أحد العناصر الرئيسية للإنتاج ، فإنه بذلك يعتبر أحد مقومات التنمية البشرية وهو المصدر الرئيسي للحصول على الدخل الذي يمكن الناس من إشباع حاجاتهم وبالتالي فإن الدخل المتأتي من العمل المنتج يعتبر أحد الطرق الضرورية لتوسيع خيارات الناس وتعزيز قدراتهم. كما أن الانخراط في العمل المنتج شرط أساسي للتمكين الاقتصادي والشعور بالأمان ولمكافحة الفقر، وهو مدخل أساسي للاندماج الاجتماعي إذ يبعد الأفراد عن دائرة التهميش أو الشعور بأنهم عالة على الغير مما يعطيهم دوراً معترفاً به في المجتمع ، ولا يشكل الانخراط في العمل المنتج مجالاً للمشاركة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية فحسب ، بل إنما هو مجال للمشاركة السياحية أيضاً، وذلك عندما ينتظم العاملون في نقابات من شأنها التأثير على القرارات التي تؤخذ في أماكن العمل وخارجه.
العمل والتنمية البشرية
أخبار متعلقة