أضواء
نشر جراهام فوللر الباحث والخبير في مؤسسة راند الأمريكية, والأستاذ المساعد في كلية التاريخ بجامعة سايمون فريز في فانكوفر, نشر مقالة من نمط المقالات اللافتة والمثيرة للجدل في مجلة (شؤون خارجية) الأمريكية, عدد يناير ـ فبراير 2008م, بعنوان (العالم بدون الإسلام). في هذه المقالة حاول فوللر أن يجيب على تساؤل له طبيعته الحضارية والتاريخية والثقافية والسياسية, كما له علائقه بكل الثقافات والحضارات والمجتمعات في التاريخ الإنساني القديم والوسيط والحديث, وهذا التساؤل هو (ماذا لو لم يوجد الإسلام في العالم أبدا؟). ولم يشرح فوللر فيما إذا كان هو صاحب هذا التساؤل, أم أنه تساؤل مطروح ومتداول بين أوساط معينة أمريكية أو أوروبية, سياسية أم فكرية.ويبدو أن هذا التساؤل جاء من معمعة النقاشات والسجالات المكثفة والساخنة بين الأوساط الأمريكية المختلفة حول الإسلام وعلاقته بالعالم, ومتأثراً بأحداث الحادي عشر من سبتمبر, التي فجرت معها انفعالات غاضبة وغير متوازنة, وحرضت على مواقف لا تتسم بالحكمة والعقلانية تجاه الإسلام.وأمام هذا التساؤل يرى فوللر بالنسبة للبعض أنها فكرة جيدة لو لم يوجد الإسلام في العالم أبداً؟ لأنه حينئذ في نظر هؤلاء لا صدام حضارات, ولا حروب دينية, ولا إرهابيين. ويعقب فوللر على هذا الرأي بتساؤلات أخرى تضع سؤاله المركزي في إطار محدد يساعد على تكوين الفهم بطبيعة السياقات والأرضيات المحيطة والمتصلة به, فقد تساءل فوللر لو لم يوجد الإسلام فهل كان يمكن للمسيحية أن تبسط هيمنتها على العالم؟ وهل كان الشرق الأوسط واحة ديمقراطية؟ وهل كان يمكن للحادي عشر من سبتمبر أن لا تقع؟من هذه التساؤلات نفهم بعض ملابسات السؤال الذي طرحه فوللر, فالسؤال الأول له طبيعته الدينية ويضع الإسلام في إطار العلاقة مع المسيحية, والسؤال الثاني له طبيعته السياسية, ويضع الإسلام في إطار علاقته بالديمقراطية, والسؤال الثالث له طبيعته الدولية, ويضع الإسلام في إطار علاقته مع الدول الأخرى خارج عالم الإسلام.وهناك إطار آخر لسؤال فوللر له علاقة بتأثيرات شبكات الإعلام على الجمهور والرأي العام, حيث يظهر في نظر فوللر من السهولة تقبل أن الإسلام وكأنه يقدم لمسة تحليلية فورية وغير معقدة تتيح للغربيين والأمريكيين الإحساس بعالم اليوم المتشنج, فهو في عناوين الأخبار اليومية يبدو وكأنه يقف وراء مجموعة كبيرة من الإضطرابات العالمية, فهناك الهجمات الانتحارية, السيارات المفخخة, الاحتلالات العسكرية, نضالات المقاومة, حوادث الشغب, الفتاوى, الجهاد, أشرطة الفيديو التهديدية, إلى اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر. واللافت في هذه المقالة الموقف الذي عبر عنه فوللر حيث ظهر مدافعاً عن موقف الإسلام, وناقداً لموقف الغرب, وظل يشكك ويحاجج وجهات نظر الغربيين في هذا الشأن. ففي مقدمة المقالة اعتبر فوللر أننا لو أزلنا الإسلام من مسيرة التاريخ فإن العالم سيكون اليوم كما هو عليه الآن في صراعاته ونزاعاته وانقساماته, ويرى أن الصراعات الكبرى على السلطة والأراضي والنفوذ والتجارة بين الأمم والمجتمعات وجدت قبل ظهور الإسلام, أو بعيدة عن عالمه, فالإمبراطورية الفارسية العظمى اندفعت حتى وصلت إلى أبواب أثينا قبل الإسلام, وفي القرن الثالث عشر حاول المغول مهاجمة الحضارات وتدميرها في آسيا الوسطى وكثير من مناطق الشرق الأوسط بعيداً عن عالم الإسلام.وعندما تساءل فوللر هل كان الانسجام مع الغرب سيسود لو بقي الشرق الأوسط كله مسيحياً؟ يجيب فوللر أن الأمر بعيد المنال, وحسب هذا الفرض فإن الشرق الأوسط بدون الإسلام لكان تهيمن عليه المسيحية الأرثوذكسية الشرقية, وهي كنيسة كانت تاريخياً ونفسانياً متشككة إزاء الغرب, وحتى معادية له. [c1]* صحيفة »عكاظ» السعودية[/c]