في ظل وضع دولي يتهاوى يوماً عن يوم واقتصاد وأسواق دولية تنهار ويتفاقم سوئها وأوضاعها والإصرار عليه سيعمق أزمة الأسواق المالية وتفاقمها سواءً في شرق آسيا أو روسيا أو أمريكا اللاتينية أو أي بقاع أخرى في العالم سيقود إلى أزمات جديدة أخرى وما سيترتب على ذلك من تبعات جراء تأثير الأزمات المالية والاقتصادية وما يحدث في الأسواق العالمية على وضع البلدان النامية والأسواق الناشئة فيها حيث سيؤدي ذلك إلى أضرار وخيمة ستلحق بها ما يقود إلى تراخي الطلب على منتجاتها من المواد الخام والأولية وبما يؤدي إلى تدني أسعارها وخفض قوتها الإنتاجية الذي سيقود بدوره إلى خفض الإنتاج الذي سيقود إلى انخفاض التصدير يضاف إلى ذلك الخسارة التي ستحلق باستثمارات البلدان النامية الموظفة في تلك البلدان الصناعية حيث ستتأثر القيمة الحقيقية للأصول الاستثمارية للبلدان النامية في تلك البلدان التي تجتاحها الأزمة كالاستثمارات العربية-مثلا-في جنوب شرق آسيا.كما أن سيولة الاستثمارات الخارجية في البلدان النامية ستتقلص والموجودة منها سوف تحاول الهروب خوفاً من أن تطال الأزمة أسواق تلك البلدان وهو ما سيؤدي إلى تواجه صعوبات اقتصادية جمة.وفيما يتصل بالأثر الإيجابي الذي قدمته الأزمة الراهنة فن الأثر الإيجابي الذي يمكن استقائه يتمثل في الدروس المستفادة منها بأن التحرير السريع لحساب العمليات الرأسمالية في ميزان المدفوعات في إطار عمليات التحرير الاقتصادي مجاراة للعولمة ولضغوط صندوق النقد هما السبب الرئيسي الذي يمكنه أن يقود بنا إلى مثل هذه الأزمات أما الأثر الإيجابي الثاني فإنه يتمثل بأنه لا بد من أن يكون للدول دور فاعل وقوي في موضوع السياسات الاقتصادية وبالأخص منها النقدية وهو الأمر الذي يطرح على بساط البحث ضرورة الدعوة إلى هيكلة مالية عالمية جديدة.[c1]بناء نظام مالي ونقدي جديد[/c]إن دعوتنا إلى الهيكلة المالية العالمية الجديدة تعني الدعوة إلى بناء نظام مالي ونقدي عالمي جديد وهو الأمر الذي ينطوي على أهمية كبيرة فيما يتصل بجانب المؤسسات المالية-الصندوق أو البنك-باعتبارهما يمثلان عمادة النظام المالي والنقدي العالمي المطلوب تغييره.والنقدي وسلطان القرار فيه واللذين متى ما تم اندماجهما مع منظمة التجارة العالمية أو تم ضم المنظمات الثلاث في إطار تنظيمي دولي جديد سوف يشكلون بذلك(مجلس إدارة العالم) الأمر الذي يجري العمل له حثيثاً داخل الأروقة وخلف الكواليس الدولية-في إطار تناولنا لذلك سوف نعرج هنا بالتحليل إلى تناول وتمحيص ما يمثله هكذا أمر بالنسبة لوضعية المؤسسات المالية الدولية والنظام المالي النقدي أولاً..ومن ثم بعد أن تفرغ منهما سوف نعرج بالتحليل والتمحيص إلى وضع منظمة التجارة العالمية التي أصبح معها العالم حالياً بنسبة80%عبارة عن مناطق لمنطقة التجارة العالمية وكذلك بالنسبة لمؤسسات نظام بروتون وودز الصندوق والبنك اللذين سبق وأكدنا بأن الانتقادات التي أصبحت توجه لهما لها ما يبررها وأن الأمر وصل إلى أن توجد بعض الأصوات داخل هذه المؤسسات تطالب بتغيير ذلك النظام المرتبط بالقروض والمساعدات ومعاملة معظم دول العالم الثامن بنفس النمط.ونحن نعتقد في الإطار بأنه لا شك يوجد هناك مجال واسع لتحسين ما وضع في الماضي وبخاصة منها ما ذكر عن الشفافية وتبادل المعلومات والمساعدات التي لا ترتبط بشروط معينة وجميعها أمور تتداول حالياً في إطارات المؤسسات المالية الدولية ويتم تداول الكثير منها في هذا الشأن ولكنها للأسف لا تخرج عن نطاق ترميم أو ترقيع ما هو قائم أي في إطار بقاء النظام القائم لمؤسسات بروتون وودز مبتدئين بصندوق النقد الدولي وبعد ذلك سنتناول البنك الدولي. يمكن تحديدها على النحو التالي:[c1]المرحلة الأولى[/c]وهي التي تبتدئ مع بداية عمل هذه المؤسسة حتى 15أغسطس 1971م حينما كان النظام قائم على أساس الدولار والذهب ومنذ العام 1971م بعد فك الارتباط بين الدولار والذهب في 15 أغسطس من العام نفسه وما ترتب على ذلك كما حدث مؤخراً والذي جاء بأجندة موضوعات تتصل بأسعار الصرف والأسواق تتعارض في بعض مضامينها ومعانيها مع ما جاء ضمن بيان اجتماعهم السابق في(مؤتمر دبي) في ديسمبر.ونحن لا نفسر ذلك بأنها من أنواع المغالطات أو محاولات التعمية لأننا نعرف أن الدول المتقدمة تمارس مع الدول الأخرى.(لعبة الأمم)الاقتصادية الجديدة وفقاً لميكانيزمات العولمة وآلياتها.والتي كانوا فيها هم دائماً لا يسمعون بشكل جاد لتقديم الحلول الناجحة والمعالجات الصائبة لمشاكل العالم المعاصرة وبخاصة فيما يتصل بالقضاء على الفقر وزيادة النمو بما يقود إلى تحقيق نهوض وتطور العالم النامي!!لقد تبلورت محاولات الهروب والتعمية على مثل هكذا قضايا أساسية وجادة إزاء كل العالم ليس بعدم قيامهم بأية محاولات للتصدي ووضع المعالجات إزائها بل بالإضافة إلى ذلك يكونون هم الآن ذاته متسببون رئيسيون لها.وهو الأمر الذي يتضح في شكل جلي وناصع بما أوردوه في بيان مؤتمرهم الأخير للدعوة حول ما أسموه(المرونة)كما وردت في بيانهم بالنص(المرونة لتشجيع التعديلات السلسلة والواسعة النطاق في النظام الدولي بناء على آليات السوق)وهي المرونة التي وصفها وزير التجارة التنزاني السيد جمعة في اجتماع ممباسا في كينيا حول قضايا التجارة الدولية بسين أفريقيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية الذي أنعقد في 18-20 فبراير الماضي بقوله (لقد وصلنا الى النقطة التي يؤدي عندها مزيد من المرونة الى قصم ظهورنا) بسبب من أنها أي المرونة تلك لقمة السبع لا تعني في المحصلة النهائية سوى الأخذ بسياسات السوق التي تقوم على التحرير الاقتصادي الشامل الذي محق الاقتصاديات الاسيوية بالمحرقة المالية التي عصفت بها والتي كان أهم اسبابها الأخذ بالسياسات التي تقوم على آليات السوق !! ما يعني أنها أي آليات السوق تعني موضوعياً الابقاء على جذر الازمة وأسبابها التي لم تسلم منها حتى الدول الصناعية ذاتها التي كانت حينما اضحت كشرط وكضرورة بأن عليها أن تأخذ بالعمل على تخفيف سعر الفائدة ومواجهة مخاطر احتمال تراجع معدل النمو الاقتصادي ولكن بالرغم من فإن القوي الاقتصادية الرئيسية في العالم لم تقم حتى الآن بما يكفي لمواجهة الازمة التي بدأت نتيجة لعملية التحرير الاقتصادي وكانت في انهيار قيمة العملات الاسيوية التي عصفت في تايلاند أولاً ثم في بقية الدول التي كانت تعرف بالنمور والتي سرعان ما تحولت الى أفراخ وجاء الانهيار شبه التام في روسيا ليزيد من عنف الخطر بشأن الازمة المالية العالمية في جميع اسواق المال العالمية المختلفة وازدادت المخاوف أكثرعند انتقال موجات الازمة الي الاسواق الصاعدة في امريكا اللاتينية كنتيجة طبيعية لسياسات التحرير الاقتصادي ومع بدء الاضطرابات في البورصات الغربية الكبيرة التي اتسعت دائرة الاهتمام بالازمة التي فسرها خطأ أو مغالطة المحللون الغربيون على أنها صدمة طبيعية نتيجة التحول الاقتصادي في العالم نحو السوق الواحد من الزمن كما يحدث في كل مرحلة تحول كبرى في القوت التي كانت التحليلات على النقيض منهم بسبب من أنه لم تكن هناك بوادر على ذلك أو حتى مؤشرات على أنها ستستقر ولو بعد حين لأننا كنا نرى أن الخلل في النظام نفسه الذي يقوم عليه نظام الاقتصاد الحر في آليات ذلك النظام التي تعتمد على اقتصاد السوق الذي يقود الى الفوضى والملكية الخاصة والقطاع الخاص الاحتكاري الذي يعتبرون مبدأي المزاحمة والتنافس الحر مكون أساسي لقاعدة الحراك فيه ومنظم لها والذين يعتبرون الازمات المالية جزء من دوران النظام الرأسمالي العالمي وهو الأمر الركود الكبير التي حدثت في ثلاثينيات القرن الماضي من حيث الآليات والميكانيزمات التي تتحرك بموجبها قوى السوق وأدواتها المختلفة التي تعتمد على المضاربات ومختلف اشكال المنافسة الحرة التي يحركها اللهث المحموم وراء تحقيق الارباح الامر الذي جعلنا كاخصائيين نؤكد حينها بأننا أمام أزمة كبرى تتجاوز أزمة الكساد الكبير أواخر العشرينيات وبداية الثلاثينيات من القرن الماضي وهذه الازمة تأخذ حالياً شكل الازمات النقدية والمالية وما يعقبها من ركزد تعود في جوهرها وأساسها الى عوامل ثلاثة هي :أولاً: الخلل في النظام نفسه الذي يقوم على قواعد الاقتصاد الحر والذي أثبت إخفاقه وفشله بدليل الازمات التي تعصف به والانهيارات المتلاحقة التي يواجهها .ثانياً: المناخ العالمي السياسي والاقتصادي الذي تشوبه التعارضات بين التكتلات الاقتصادية الكبرى والتسابق بينها على النفوذ والثروة وتحقيق السيطرة عليها .ثالثاً: أسباب داخلية في البلاد التي تظهر فيها الازمات وبخاصة التي تقوم بتحرير حسابات العمليات الرأسمالية دون تحوط.أما فيما يتعلق بالمناخ العالمي فأنا أتصور بأن السبب الرئيسي يعود في جذوره الى التوليدات الجديدة التي خلفتها أزمة نظام النقد الدولي الذي أنهار في أغسطس عام 1971م حينما أعلنت الولايات المتحدة الامريكية إلغاء العلاقات بين الدولار والذهب وما تلا ذلك من تعويم لأسعار الصرف وفوضى نقدية لا زال العالم يعاني منها حتى الآن من جهة .. ومن جهة أخرى يرتبط ذلك مع عملية التحول في إطار ما يسمى الآن بالعولمة المالية والاقتصادية التي تقوم على إزالة الحواجز والعقبات أمام حرية التجارة وانسياب رؤوس الاموال وتدفقها وهي – أي هذه العوامل – هي التي كان لها الدور الرئيسي الذي لعبته في اشعال لهيب المحرقة المالية ونشوب الازمة وبالذات في دول جنوب شرق آسيا عندما قامت دولها في تحرير حسابات العمليات الرأسمالية دون أن تكون مستعدة لذلك بشكل كافي حيث أنها سمحت بدخول الاموال وخاصة الساخنة وخروجها دون أي ضوابط أو رقيب والتي ترافق معها موجة المضاربات التي يعيشها العالم اليوم والتي تتمثل أبرزها فيما تقوم به من دور حركة صناديق الاستثمار الضخمة التي تشبه حركة الديناصورات فإن ذلك يجعل البلدان وتحديداً ذات الاقتصاديات الناشئة عرضة للازمات وللخطر الناجم عنها وجميعنا يعرف بأن ما حدث في الازمة الاسيوية وادى الى تفجيرها كانت نتيجة المضاربات التي تقوم بها صناديق الاستثمار الكبرى في الاموال الساخنة التي كانت توظيفها لذلك الغرض ويكفي أن نعرف بأن الملياردير جورج سورس مالك أكبر صناديق الاستثمار في العالم كسب في أسواق لندن التي توجد فيها أكبر قدر من التحوط مليار دولار كعائج لمبلغ عشرة مليون دولار كان يستثمرها في المضاربات داخل سوق لندن العريف وبذلك يتأكد لنا بأن العولمة الاقتصادية من خلال عمليات التحرير الاقتصادي للتجارة وانسياب رؤوس الاموال وتدفقها هي التي قادت الى عمليات المضاربة التي أدت بدورها الى تفجير الاوضاع في آسيا وروسيا وأمريكا اللاتينية وإمكانية انتقالها الى جميع البلدان التي تتواجد على أراضيها صناديق الاستثمار أو الاموال الساخنة أو التي تتحول إلكترونياً والذي سهل ذلك كان سببه بالاساس المطالبات بفتح الاسواق أو التحرير المالي والتجاري إزاء استراتيجية معينة تؤدي الى تمدد العالم والتي تقدمها الولايات المتحدة وصندوق النقد الذي تسيطر عليه وتلك الرؤية أو الاستراتيجية قد تكون وراء وقوع العالم الصناعي الغربي ذاته في مشكلات اقتصادية ومالية جمة .
|
فكر
تهاوي الاقتصاد الدولي وانهيار الأسواق المالية
أخبار متعلقة