إعداد/ محمد مصطفى عبد العزيزفي وقت يتغنى فيه العالم بإقرار دساتير ومواثيق تحفظ للمرأة حقوقها، ما زال هناك من يرفض وجودها من الأساس، حيث تنتشر في الهند جرائم الإجهاض الانتقائي لإناث الأجنة، وهو ما يجسده مثل هندي يقول: "تربية فتاة أشبه بسقي حديقة الجيران". في هذا السياق، كشفت دراسة نُشرت في مجلة "لانسيت" البريطانية الطبية المتخصصة حول معدلات المواليد في الهند على مدار الـ20 عاما الماضية أن عمليات الإجهاض الانتقائي للأجنة الإناث.. تسببت في فقدان البلاد عشرة ملايين مولودة وانخفاض نسبة الفتيات في المرحلة العمرية؛ التي تقل عن ستة أعوام من 962 في الألف ـ عام 1981 ـ إلى 954 في الألف عام 1991، ثم إلى 927 في الألف عام 2001. كما اكتشف فريق من العلماء من جامعة "تورونتو" الكندية قاموا بتحليل معدلات خصوبة المرأة في دراسة شملت ستة ملايين امرأة في الهند، أن عام 1997 شهد نقصا في عدد المواليد الإناث المتوقعة قدره نصف مليون.وتوصل "برابهات جها" رئيس فريق البحث إلى أن جنس المولود السابق للأسرة يلعب دورا حاسما في إجهاض الأنثى، وأن القليل من الإناث يولدن كأنثى ثانية أو ثالثة في الأسرة.وبحسب تقديرات "الجمعية الطبية الهندية" فإن خمسة ملايين من أجنة الإناث يتم إجهاضهن في الهند سنويا ويقول الخبراء: إن عدد النساء انخفض إلى 933 لكل ألف رجل في عام 2001 من 941 امرأة في عام 1961؛ بسبب مسلسل طويل من قتل المواليد قديما إلى الإجهاض الانتقائي على أساس النوع في الوقت الحاضر.ويؤكد علماء السكان أن هذا النقص في عدد الفتيات سيلازم الهند لأجيال قادمة، فيما اعتبرتها "أشيش بوسي" عالمة السكان البارزة ثمرة التخلص من أجنة الفتيات على نطاق واسع. وأدى هذا التراجع القياسي في معدل المواليد الإناث إلى مشكلات اجتماعية مثل خطف الفتيات، وتعدد الأزواج، وانتشار عصابات الاغتصاب، واستغلال الأطفال جنسيًّا. وفيما يجسد اعتراف الحكومة الهندية بخطورة الظاهرة قضت محكمة في ولاية هاريانا شمال الهند مؤخرا بالسجن لمدة عامين والغرامة على طبيب ومساعده؛ لإدانتهما بتحديد جنس الجنين في الهند، بحسب ما أوردته صحيفة "تايمز أوف إنديا". ويعد هذا الحكم هو الحكم الأول من نوعه؛ رغم صدور قانون بالهند قبل 12 عاما، بحظر تحديد جنس المولود وإنهاء الحمل بوسائل طبية بناء على نوع الجنين. كما أصدرت الحكومة قانونا يحظر إجراء الكشف بالأشعة فوق الصوتية للسيدات أقل من 35 عاما في محاولة لاحتواء ظاهرة اختفاء الإناث؛ والتي قدرت الإحصاءات أعدادهن ما بين 20 إلى 40 مليون فتاة؛ نتيجة الإجهاض أو واد الفتيات.وتشن الحكومة ـ بمساعدة منظمات أهلية ـ حملة على العيادات التي تجهض سرا الأجنة من الإناث. وأشارت "سوشما راث" المسؤولة البارزة بوزارة الصحة إلى توجه الحكومة إلى إشراك الزعماء الدينيين ومطالبتهم بإدراج مثل هذه القضايا في تعاليمهم. وتنتشر عمليات إجهاض الأجنة الإناث في الهند، وخاصة في ولايات هاريانا والبنجاب وأوتار براديش، وبرغم عدم مشروعية تحاليل معرفة نوع الجنين في الهند، إلا أنها تحظى بإقبال كبير من جانب الأسر الهندية لتجنب دفع مهور كبيرة، فيما لو أنجبن إناثا. [c1]"ماتروبومي".. جرس إنذارإ [/c]السينما الهندية لم تكن بعيدة عن هذه المأساة؛ فأنتجت العام الماضي فيلما بعنوان "ماتروبومي" تدور أحداثه حول مستقبل قرية بغرب الهند.. لا يوجد بها أعداد كافية من النساء للرجال الراغبين في الزواج؛ مما يضطر خمسة أشقاء للزواج من امرأة واحدة، والتناوب عليها بوحشية، ودافع حقوقيون عن الفيلم، وعدوه جرس إنذار من خطورة هذه الظاهرة. ومن جانبها، قالت "أخيلا شيفداس" من مركز الدفاع عن القضايا والأبحاث "قتل البنات ربما يكون مازال موجودا في جيوب صغيرة لكن قتل الأجنة أكثر انتشارا". على صعيد تفسير هذه الظاهرة، من الناحيتين الاجتماعية والثقافية توصل "أغنيهورتي" البروفيسور في جامعة "كالكتا"؛ الذي يجري دراسات حول ديموغرافية ما يسميه النشطاء "قتل الأجنة"، إن واقع التمدن والازدهار لم يؤثرا بالسلب على تنامي عمليات الإجهاض الانتقائي. كما أظهرت دراسة حديثة أعدتها "جمعية الطب المسيحية" أن قتل الأجنة لا يقتصر على الأسر الفقيرة؛ التي تعيش في الريف، بل يمتد إلى العاصمة الهندية. وتتساءل الدكتورة "شارده جاين"، أخصائية الأمراض النسائية المعروفة في الأوساط الثرية في نيودلهي: "اعتقدنا أننا سنوجد وعيا" عن طريق التربية، ولكن ماذا يحدث عندما يطلب المتعلمون وضع حد لحياة أطفالهم البنات؟". وقتل الفتيات ليس بجديد على الهند ـ فقد سجل الكولونيل "ألكسندر والكر" الضابط بالجيش البريطاني في أوائل القرن التاسع عشر تجربة عايش فصولها، إذ أقدمت أم على إغراق ابنتها الرضيعة في وعاء مليء بالحليب في منطقة جوجارات الغربية. ومع توافر أجهزة الأشعة فوق الصوتية لمعرفة نوع الجنين بات إجهاض الأجنة من الإناث أمرًا شائعا الآن. ويرى "أشيش بوس" المتخصص في الدراسات الإحصائية للسكان "أنه تحالف غير مقدس بين العادات والتكنولوجيا" معزيا أسبابها إلى عوامل اقتصادية، فالذكور يرعون أسرهم في الكبر أما البنات فيتركن البيت حين يتزوجن. كما يصعب على أهل الفتاة توفير المهر لأهل العريس، كما تقضي التقاليد والذي يتراوح من مائة دولار أميركي إلى سيارة جديدة، فضلا عن المجوهرات وغيرها. فيما يحمل النشطاء ثقافة المجتمع ونظرته إلى قيمة المرأة مسئولية تفاقم عمليات الإجهاض، مستشهدين بإحدى المأثورات التي تقول: "اصرف ألف روبية اليوم على معرفة نوع الجنين توفر مائة ألف روبية تكاليف تجهيز زفاف بنت". ووسط هذه المؤشرات والإحصاءات الخطيرة لا زال هناك بصيص أمل في التغلب على ظاهرة تتشابك خطوطها؛ فقد أقسم نحو 45 هندي متزوجون حديثا ـ خلال حفل جماعي، في يناير الماضي في ولاية جوجارت غربي الهند ـ على عدم إجهاض الأجنة الإناث، وهي الخطوة الأولى من نوعها، لا سيما في ولاية يوجد بها 878 فتاة، مقابل كل ألف ولد في الفئة العمرية بين المواليد الجدد.كما أقسم الأزواج على عدم الاستعانة بأشعة الموجات الصوتية للكشف عن نوع الأجنة.وأخيرا.. تبدو الحاجة ملحة لترجمة موقف الأمم المتحدة ـ ممثلة في "صندوق الأمم المتحدة للسكان" ـ الرافض لعمليات الإجهاض بشكل مطلق لاسيما إن كان يمس الحق في الحياة
|
ومجتمع
إجهاض الأجنة من الإناث نذير خطر على مستقبل الهند
أخبار متعلقة