أمهات بمعنى الكلمة
استطلاع / ابتهال الصالحي :الأم محبة.. ودفء وسلام ووحدها المحبة تنطق بلغة الأم ..عندما نتحدث عن الأمومة لا بد أن نعترف بأن الموضوع في غاية الدقة والأهمية نظراً لما يترتب على الأم من مسؤوليات تجاه أولادها .فالأم هي الحاضنة والمربية والمرشدة وهي المسئولة الأولى عن تربية طفلهـا وتنشئته وتوجيهه ورعايته صحياً ونفسيـاً وثقافياً وعن متابعته حتى يصبـح رجلاً مسئولا بدوره أمام مجتمعه أو شابـة ناضجة تملك المعطيات التي تؤهلها لأن تكون ربة أسرة وأماً صالحة .من الطبيعي أن ننظر إلى دور الأم كدور أساسي في حياة الأبناء ، فالأم هي التي تعد الطفل للاندماج في برامج الحياة الأسرية والاجتماعية ، وهي حجر الزاوية الأساسي الذي ينهض بكافة مقومات التربية والتنشئة التي ترفد شخصيات الأبناء ..ولا شك أنه بقدر وعي الأم ونضجها وأمانتها في تعاملها مع أبنائها يحظى الأبناء بشخصية سوية, فالرعاية الجيدة والتربية السليمة تخلق الابن الصالح المنسجم مع ذاته ومع محيطه .[c1]أمهات من الزمن الجميل [/c] الحجة آمنة سعيد عمر ..أو كما يقال لها أم عدنان .. سيدة في العقد الثامن من العمر وجهها كالقمر يشع نوراً وطمأنينة ، وأنت تقف في حضرتها تشعر أن حنانها يغمرك إلى درجة تحس فيها بالاطمئنان.. دفؤها يريح النفس ويملؤها هدوءاً وسكينة وصوتها الهادئ الحنون يشعرك بمعنى الأمومة والعطاء .جاءت من منطقة الحجرية في محافظة تعز إلى محافظة عدن في بداية الأربعينيات لتلقي العلاج وكانت المرة الأولى التي تطأ قدماها عدن .. ولم تعلم أن القدر يحمل لها الكثير.. فكان نصيبها بعد تلقي العلاج الذي جاءت من اجله أن أراد الله لها أن تبقى هنا لتزف إلى السيد جعفر علي اشرف الذي كان من سكان مدينة عدن و يعمل في مهنة النجارة وعلى الرغم من صعوبة التعلم في تلك الفترة إلا انه كان من المتعلمين ويتحدث عدة لغات منها الانجليزية والهندية بسبب الاستعمار في جنوب اليمن ومن ثم الفارسية نتيجة سفره للعمل في طهران ومن ثم الشارقة ..عمل مسؤولً النجارين والنحاتين .. رزقت الحجة أمنة منه بأحد عشر ابنا .. ورغم مطالبة الحجة أمنة له بتامين مستقبل أطفاله ولكن الوضع المالي كان لا يسمح وكانت مقولته الدائمة لها انه (ربما لن يورثهم مالا ولكنه سيورثهم القلم) وفعلا توفي زوجها في العام 1975م وجاءها خبر وفاته كالصاعقة من الشارقة ولم يخلف وراءه قرشاً واحداً ..وخلال سنوات طويلة عانت الحجة أمنة الأمرين في تربية 11 طفلا منهم 7 بنات و3 أولاد أكبر أبنائها في العشرين من العمر وأصغرهم 6 سنوات ..” عشت في مدينة عدن وليس لي فيها أي قريب ولم استطع اللحاق بأهلي أو حتى زيارتهم فقد توفي أبي وأمي ولم أستطع أن أراهما بسبب التشطير والظروف السياسية في تلك الفترة ».. كافحت وصبرت وربت فأحسنت التربية.. أبناؤها الأحد عشر جميعهم جامعيون ، منهم 4 تربويين و 5 مهندسين و2 يحملان شهادة الدكتوراه و6 يحملون الماجستير و 7 درسوا في الخارج ولا يزال أكبر أبنائها الدكتور عدنان في بلغاريا حيث درس ويعمل هناك مدرسا في إحدى الجامعات .بناتها درسن في معهد للمعلمين مستفيدات من مجانية التعليم الذي كان يصرف رواتب رمزية فاستطعن أن يعشن منها ليصرفن على بقية أخوتهن فكما يقال (ابن الوز عوام ) ولم يأت هذا من فراغ فقد زرعت الحجة أمنة روح التكاتف والإحساس بالمسؤولية في بناتها وهن بدورهن كن يدرسن ويعملن في نفس الوقت ليستطعن الصرف على بقية أخوتهن وتعليمهن .نالت الحاجة أمنة في عام 1989م شهادة الأم المثالية فقد كرمتها الدولة في 10سبتمبر ( يوم العلم) لإنجازاتها في تربية أسرة جميع أفرادها من حملة الشهادات العليا .[c1]أم عدنان .. تجني الثمار [/c] الآن وبعد هذه السنين الطوال وبعد سنوات الكفاح والبناء استطاعت الحجة أمنة أن ترسو بأبنائها في بر الأمان و استطاعت أن تنتج أبناء يفخر بهم المجتمع قبل أن تفخر هي بهم .. 11 ابنا وابنة استطاعوا الوصول إلى مراكزهم التي وصلوا إليها بجهد وكد امرأة تستحق لقب الأم المثالية ولأن النجاح لا يورق إلا نجاح فإن لها من الأحفاد 36 حفيدا وحفيدة جميعهم من المتفوقين في مدارسهم وكلياتهم .. منهم من تخرج في أفضل الكليات منها (الطب والهندسة) ..وغيرها ..ولاتزال تتابع الأحفاد وتحثهم وتشجعهم على التعلم والمثابرة !عندما تحدثت عنها أكبر بناتها وصفتها بالجندي الشجاع وغير المجهول فتقول “ ما فعلته أمنا لنا لن تستطيع أي أم منا أن تقوم به وحتى ما غرسته بيننا نحن الإخوة من روح المسؤولية تجاه بعضنا البعض وما نقشته فينا من روح التحدي على الصعاب والكفاح وحب العلم والتعلم .أما الحجة كلثوم محمد سلمان فهي نموذج مشرف لأم يشار إلى ثمارها التي زرعتها طوال سنين عجاف لأطيب محصول.[c1]مسقط رأسها[/c]ولدت الحجة أم طه كما ينادى لها في قرية الصوالحة انتقلت إلى مدينة عدن وهي في عمر الثالثة وعندما أكملت سن الثالثة عشرة تزوجت الحاج مجاهد سالم رحمه الله ..هي الآن في نهاية العقد الثامن ومعها من الأبناء عشرة 7 أبناء و3 بنات و43 حفيدا وحفيدة ..على الرغم أن الحاجة كلثوم أمية ولم تنل من التعليم في المدارس شيئا يذكر إلا انك وأنت في حضرتها تشعر انك أمام امرأة نهلت من العلم الكثير فهي مثقفة رغم أميتها واعية لما يدور من حولها في مختلف النواحي فإن تحدثت معها في السياسة تجدها متابعة جيدة وإن تحدثت معها في الشئون الاجتماعية قد تغلبك في الحجة والبراهين .. رجاحة عقلها قد يحرجك وأنت المتعلم المثقف وتشعرك كأنك تلميذ في حضرة أستاذة . كيف لا وهي من كانت الحياة مدرستها ومنهاجها ..أبناؤها جميعاً جامعيون ومنهم من حملة الماجستير والدكتوراه شغلوا جميعهم مراكز قيادية في المجتمع ومنهم أساتذة الجامعات ومنهم من برع في الخارج ونال لقب بروفسور ويدرس في جامعات أروبية ... الحاجة كلثوم لم تكرمها الدولة أو أي منظمة عن دورها في إخراج مثل هذه النماذج المشرفة للحياة ولا تنتظر هي هذا التكريم كغيرها من مئات الأمهات اليمنيات ويكفي أنها أدت رسالتها بأمانة وباجتهاد وإخلاص فكانت تستحق لقب الأم المثالية واكبر تكريم لها هو حفاوة أبنائها وأحفادها واحترامهم وتقديرهم لها.ذكرنا هنا نماذج لو تكررت مثلها في نصف أمهات أيامنا هذه لكان الحال غير الحال في كثير من الأسر التي تقطعت أوصالها وفرق الشيطان وسوء الاختيار أركانها !! ولكن رغم كل شيء تبقى هي الأرق والأجمل, هي الأنقى والأسمى, هي العدل والحكمة, عروس الأزمنة هي وحاضنة الأجيال.حبها يفوق كل حب, وجمال نفسها تفوق على كل جمال, وعطاؤها أنبل من كل عطاء.. جميلة هي في كل حالة, إيمانها عميق, تواضعها فريد, ومحبتها سامية.