التأمين الصحي هو نظام اجتماعي تكافلي بين جميع المواطنين العاملين في البلد هدفه تيسير الحصول على الخدمات الطبية وضمان الصحة العامة للجميع. وتطبيق هذا النظام بشكل صحيح في اليمن ستكون له نتائج ايجابية كثيرة اهمها انه سوف يحول دون استمرار تفاقم التبعات السلبية للنمو السكاني على الوضع الصحي للكسان. النمو السكاني في اليمن يصنف بأنه من أعلى معدلات النمو السكاني في العالم خلال العقود الثلاثة الماضية ويبدو انه زخمه سيستمر لعقود أخرى قادمة، ولهذا النمو المتسارع في أعداد السكان آثار كارثية على القطاع الصحي فهو سبب رئيسي في قصور خدماته وكثرة اعتلالاته وإعاقة تطوراته. وكل عام تستقبل اليمن أكثر من 600 ألف مولود.. وكل عام يزداد عدد الطالبين للخدمات الصحية في المرافق الصحية في البلد وهذا العدد المتزايد باطراد يشكل ضغطاً كبيراً وعبئا ثقيلاً على تلك المستشفيات والمستوصفات - المحدودة اساساً في عددها ونوعية خدماتها - التي أنهكت ووقفت عاجزة وهي تحاول مجاراة تلك الحاجة السكانية في طلب الصحة والعافية فتجمد تطور معظم المرافق الصحية الحكومية وتردى مستوى تقديمها للخدمات الصحية المختلفة وما يفاقم ذلك ضآلة الإنفاق الحكومي على الصحة العامة واستشراء الفساد. أما ما لوحظ من تطور بسيط في القطاع الصحي الخاص فقد رافقه تقديم الخدمات الصحية بكلفة مرتفعة جداً لا يستطيع تحملها الكثير من الناس الأمر الذي حد من السكان المستفيدين من خدماتها. والمتابع لهذه التطورات سيصل إلى قناعة جازمة مفادها أن النمو السكاني المرتفع جدا في اليمن يجب أن يقابل ويواجه بنمو كبير ومواز في القطاع الصحي من حيث الكم والنوع مع توفير اليسر المادي للمواطن للوصول إلى تلك الخدمات. لكن الأسئلة التي تطرح نفسها الآن هي كيف سنحقق ذلك في ظل العراقيل التي تواجه القطاع الصحي الحكومي والخاص السالفة الذكر؟ وكيف سنوفر ذلك الكم المطلوب من المرافق الصحية الحديثة من مستشفيات ومستوصفات ومراكز صحية متخصصة وبتلك الخدمات المتميزة المرجوة وبتلك بالأسعار الزهيدة جداً أو المجانية لجميع المواطنين؟ وما هو الاختراق الذي يجب أن يحدث؟ كل تلك التساؤلات لها إجابة واحدة واحدة هي انه لا يمكن تحقيق التطور المطلوب في القطاع الصحي إلا عن طريق الالتزام بتفعيل وتطبيق قوانين التأمين الصحي وتعميمها ومتابعة تنفيذها لتصل مميزاتها إلى كافة العاملين وذويهم في القطاع الحكومي والمختلط والخاص وبأسرع وقت ممكن.. وهي مسؤولية كبيرة ومهمة تقع على عاتق الحكومة. وفكرة التأمين الصحي عند تطبيقها انه يتم استقطاع مبالغ بسيطة من رواتب جميع الموظفين وتسلم إلى وسيط غالباً يكون شركات تأمين مهمتها الأساسية التعاقد مع مستشفيات بمواصفاتها متميزة وتنظيم وتسهيل حصول الموظف وذويه على الخدمات الطبية مجاناً أو بأسعار زهيدة متى احتاج لذلك. وعند تطبيق نظام التأمين الصحي للجميع فانه بالتأكيد ستحدث طفرة كبيرة في الاستثمارات الخاصة في القطاع الصحي نظرا للتنافس الذي ينتج بين مقدمي الخدمات الصحية للفوز بالعقود مع شركات التأمين التي ستوفر لهم عدداً كبيراً من المرضى وبتكاليف مضمونة الدفع مهما بلغت شركات التأمين بالمقابل تضع شروطاً معينة يجب توفرها في المرافق والمنشآت الصحية وجميع تلك الشروط تهدف إلى تقديم خدمات صحية متميزة للمواطن . وبهذه الآلية التي يحدثها التأمين الصحي فهو يسهم في حدوث تطور كبير في القطاع الصحي كماً ونوعاً في البلد كما ستسهم تلك الاستثمارات في تعزيز النمو الاقتصادي المطلوب في مواجهة المشكلة السكانية ككل في اليمن، لكن أهم ما يسهم به التأمين هو رفع نسبة السكان الذين يستطيعون الحصول على الخدمات الصحية وخاصة من الفقراء ويوفر للمواطن الاستقرار الاجتماعي والاطمئنان الأسري لتوفر الخدمات الصحية الأساسية بجودة عالية مجاناً أو بكلفة زهيدة. وكلما اتسعت خدمات التأمين الصحي لتصل إلى الأرياف ساهمت في خفض وفيات الأطفال وفيات الأمهات المرتفعتين في اليمن. التأمين الصحي في اليمن سوف لن يحد من تفاقم المشكلات الصحية المصاحبة للنمو السكاني فحسب بل سوف يساهم كثيراً في الرقي بالصحة العامة لمستويات عليا ومن ثم الرفع من إنتاجية الإنسان اليمني... وهذا أسمى ما تسعى وتكافح جميع الأمم والشعوب للوصول إليه.. ونحن اليمانيين كل ما نتطلع إليه مجرد قرارات شجاعة وجهد مخلص وحتما سنصل للهدف.
التأمين الصحي حاجة ملحة لمواجهة النمو السكاني
أخبار متعلقة