يبقى موضوع المرأة وحقوقها لدينا من المواضيع المعقدة والشائكة، فأنت قد تتحدث عن أي من الأمور الحياتية الأخرى بكل حرية ويسر مهما بلغت حساسيتها، إلا موضوع المرأة، فهذه مسألة فيها نظر. وقد أدى إهمال أو تجاهل مناقشة هذا الموضوع البالغ الأهمية بشكل موضوعي وشامل إلى إبعاد المرأة من أن تلعب دوراً فاعلاً وفعالاً في تنمية الوطن، لاسيما وأنها ليست هي نصف المجتمع فحسب، بل رئته الأخرى التي يتنفس بها، والتي هي للأسف معطلة تماما.والحقيقة، سواءً اعترفنا بذلك أم لا، فإن وضع المرأة لدينا صعب للغاية، فالمرأة تحكمها في كافة شؤون الحياة العادات والتقاليد التي أصبحت عائقاً كبيراً أمام تقدم وتطور المجتمع والمضي قُدماً في خطط التنمية التي وضعتها الدولة، ونتج عن ذلك أن اختلط الحابل بالنابل فعمت الفوضى، حيث أصبح من الصعوبة بمكان التفرقة بين ما هو مطلوب دينياً وبين عادات وتقاليد لم تعد تواكب العصر الذي نعيش فيه. ولذلك أضحى الرجل مسيطراً لوحده على الساحة الاجتماعية، مستغلاً بذلك تلك العادات والتقاليد تارةً وحق القوامة بشكل قاسٍ وغير صحيح تارةً أخرى، وبشكل مغاير لما جاء في الشرع الحنيف، وضرب بعرض الحائط كل هذه القيم والاعتبارات. والغريب في الأمر أن الرجل يعتقد مخطئاً أو جاهلاً بأنه بتهميشه للمرأة بهذه الصورة قد حقق نجاحاً كبيراً، مع العلم أنه لا يدرك أنه بذلك يزيد من أعباء الحياة الواقعة على كاهله، حيث أصبح يتحملها بمفرده في وقت هو في أمسّ الحاجة لمساعدة ومشاركة المرأة، ولذلك كثرت حالات الطلاق والانحراف والعنف الأسري والأمراض النفسية، بل وزادت أمراض الرجال بالذات من هذا العبء المتزايد ومن المعادلة المقلوبة اجتماعياً.فالمرأة لدينا محدودة الحركة، القيود تحيط بها من كل جانب، ويمارس الرجل عليها حجراً جسدياً ونفسياً وذهنياً، ولا تعمل إلا في نطاق ضيق رغم جهود الدولة الكبيرة في هذا المجال، وبالذات في عهد ملك الإصلاح (رعاه الله)، فهي وإن عملت تظل معزولة وكأنها منبوذة ومراقبة في كل أفعالها وتصرفاتها، وإلا فإن سيف «الخلوة» سوف يُشهر عليها، ولذلك قُسم المجتمع بشكل قسري ومغاير لكل مجتمعات الدنيا إلى فئتين إما رجالاً أو نساءً. وللأسف الشديد لم يقتصر الأمر على ذلك، بل أدى هذا التهميش لها إلى عدم معرفتها بحقوقها «لكي تطالب بها»، مثل حقها في الزواج (حيث يتحتّم عليها أن تبصم للزوج الذي يختاره ولي أمرها، حتى لو كانت دون العاشرة ولم تُشبع طفولتها البريئة لعباً وفرحاً)، وحقها في الطلاق والمهر والحضانة والإرث والسفر وحتى موضوع قيادة السيارة حُرّم اجتماعياً، في وقت لدينا عدد هائل من السائقين الأجانب الذين يمارسون الخلوة بمعدل يومي بجميع أشكالها وأنواعها، ومُنعت النساء من بيع ملابسهن بينما يُسمح للرجال بذلك، فأي تناقض أكثر من هذا؟ وأي دليل أكبر من هذا التناقض الذي يعيشه المجتمع وأن هذه مسألة عادات وتقاليد وليست من الدين في شيء، وأصبحت المرأة «دون وعي وإدراك» وبعد ما يئست من هذا الواقع تردد ما يُقال لها إن قيادة السيارة ليست أهم حقوقها، وهذا ربما يكون صحيحاً، ولكن كثرة اللغط حول هذا الموضوع وعدم حسمه، جعل منه وكأنه سقف لحقوق المرأة، ولذلك فإن هذا الموضوع يستحق الالتفات والحسم بعد أن أصبح نصف المجتمع معاقاً عن حركته الطبيعية. ولنا في الملك /فيصل (رحمه الله) قدوة ونموذج يُحتذى به، عندما تمت معارضة تعليم المرأة، إلا أنه اتخذ قراره التاريخي والشجاع بالسماح لها بالتعليم، واليوم أصبح هؤلاء الذين كانوا يعارضون تعليمها أول المستفيدين من هذا القرار الكبير، والأمثلة كثيرة منها أيضاً عندما تمت معارضة (الستلايت) قبل ما يقارب العقدين خوفاً مما سُمي آنذاك بالغزو الثقافي وطمس الهوية واليوم أضحى معارضو هذا الأمر ليسوا مشاهدي التلفاز فحسب، بل نجوم الشاشات التلفزيونية.إن أحد أسرار وعظمة هذا الدين هو أنه صالح لكل زمان ومكان، ومن نعم الله عزّ وجلّ أنه أنعم على هذه البلاد بالشريعة الإسلامية وتطبيقها في مختلف جوانب الحياة، ولكن الإشكالية الكبرى أن هنالك إرثاً فكرياً وثقافياً سيطر على المجتمع لسنوات عديدة إلى أن وصل الأمر إلى أنه ليس باستطاعة أي إنسان التفريق بين ما هو ديني ومقدس وبين ما هو عادات وتقاليد أكل عليها الدهر وشرب ولم تؤد إلى شيء سوى أنها حطّمت المرأة وقتلتها كياناً وكبرياء وإنساناً.إذاً ما هو الحل لهذه المعضلة البالغة التعقيد، لاسيما أن عدم مناقشتها بهدوء ودون أي انفعال ومحاولة إيجاد الحلول العملية والجذرية لها وفق ما جاء في الشرع الحنيف وبعيداً عن التزمت والانغلاق له تأثير سلبي على حركة المجتمع ونموه وخطط التنمية وأهدافها، فلا تنمية حقيقية بدون امرأة مشاركة وفعّالة. لقد آن الأوان لأن يكف الرجل عن سطوته ووصايته على المرأة وأن يتركها تتحرك بحرية وكرامة، وليتذكر بأن هذه المرأة التي يتفنن اليوم في السيطرة عليها هي تلك التي حملته في بطنها وهناً على وهن ولاقت من العنت والعذاب ما لاقت في سبيل تنشئته وتربيته، وبالتالي لا يجوز له بعد كل هذا ـ ولو من باب العرفان بالجميل ـ أن يتمرد عليها بهذا الشكل بعد أن ترعرع في كنفها وحضنها. والأمر الآخر، هو أنه حان الوقت لإيجاد هيئة خاصة بالمرأة لتضطلع وتدير أمورها بنفسها، فالمرأة أدرى بشؤونها من الرجل، وتكون من مهام هذه الهيئة نشر ثقافة حقوق المرأة والدفاع عنها ومساعدة الجهات المعنية بإيجاد تقنين واضح ومحدد فيما يتعلق بالمرأة وكافة حقوقها القانونية والمدنية والاجتماعية والأسرية وعملها ونشاطها وتحركها، لاسيما أنها كانت تتمتع بحقوق قبل أكثر من ألف وأربعمئة عام وفي صدر الإسلام العظيم أكثر مما هي عليه الآن، فإما أن تُعطى حقوقها التي تتواكب مع متغيرات القرن الحادي والعشرين، وإما أن تُعاد لها على الأقل حقوقها التي كانت تتمتع بها قبل أكثر من ألف وأربعمئة عام، إذ كانت تعمل بالتجارة وتشارك في الحروب وتسافر ولها دور مهم في كافة الأمور الحياتية الأخرى.[c1]كاتب سعودي[/c]
|
فكر
هيئة سعودية تقودها امرأة لشؤون وحقوق المرأة
أخبار متعلقة