في إحدى رحلاتي إلى المنطقه العربية.. اشتريت بعض الكتب للمساعدة في تعليم أطفالي اللغة العربية لفت نظري أحد هذه الكتب.. الصادر من دار الأسرة للنشر والتوزيع وأيضا من دار عالم الثقافة للنشر والتوزيع بعنوان (قصص الأنبياء المبسطة للأطفال) تاليف الكاتب ياسر سلامة ومراجعة الشيخ أحمد التميمي.الكتاب يحتوى على قصص الأنبياء بدءا من سيدنا آدم.. وانتهاء بالنبي محمد ( سلام الله عليه ).ولحسن الحظ أنني قرأته قبل أن أقدمه لأولادي.. حيث وجدت أن كل القصص الواردة فيه عن جميع الأنبياء لا تبث سوى الرعب من غضب الله والخوف والترهيب فقط بدون استعمال أي من صفات الله الحسنى الأخرى.. ما جعلني أعدل عن قراءته لأطفالي.لأنني على قناعة تامة بان الخوف لا يولد إلا حالة من الجمود والشك والحذر من البشر عموما.. وأن مضاعفاته السلبية تحد وتمنع القدرة على التفكير الحر.. وأن وجودهم في بيئة تشجع على التفكير المجرد والموضوعي لإنتاج فكر عقلاني منطقي يعتمد على الحجة والبرهان لكسب الحوار بإقناع الآخر المختلف.. سيجعلني اخسر المعركة معهم.. وأخسر احترامهم لي ولتفكيري وما سأطرحه عليهم في مرات قادمة..تذكرت هذه الحادثة بعد مشاهدتي قبل يومين لبرنامج بانوراما المفضل لدى ملايين من البريطانيين والذي بين بما لا يدع مجالا للشك بأن موضوع الهوية للمواطنين البريطانيين المسلمين لا زال مصمما على إعلاء الهوية الدينية على الهوية الوطنية برغم ما قدمته لهم الحكومات البريطانية المتعاقبة من تسهيلات معيشية ومن حقوق متساوية في المواطنة وفي فرص عمل وحياة كريمه قد لا يحظون بمثلها في بلدانهم الإسلامية.. وبرغم وجود العديد من المدارس الحكومية البريطانية إلا أن البحث بيّن زيادة الطلب من العائلات البريطانية المسلمة على إلحاق أبنائها وبناتها بهذه المدارس الدينية لتعليم أطفالهم ديانتهم..وللحفاظ على ثقافتهم وحماية أطفالهم من الرذيلة التي يخافون من تأثيرها على أولادهم في المجتمع البريطاني..وحتى لا تتهم الـ (بي بي سي) بالهجوم على الإسلام.. قامت بعمل بحث مماثل لمدرسة يهودية كانت نتيجته بأنها منغلقة على نفسها كديانة ولا تقبل بغير اليهود.. ولمدرسة كاثوليكية مسيحية بيّن البحث أنها كارهة للإسلام ومنددة به ولكن مناهجها تحمل التسامح المسيحي الذي حث عليه المسيح.. ولكن تبقى المدارس الإسلامية هي الأكثر غلوا بين الجميع في تدريسها لمنهاج صادر عن وزارة التربية والتعليم في بعض الدول العرابية يحمل أكثر الأفكار تشددا في كراهية اليهود وكل من لا يعتنق الإسلام.. وتشبيههم بالقردة والخنازير وأن الإعدام هو العقاب الحق للشواذ. وعدم الاختلاط بين الجنسين. وعدم خروج المرأة إلا للضرورة القصوى.. وتحريم الموسيقى.. ووصف الآخرين غير المسلمين بالكفّار و تدريس بعض مواد الشريعة التي تنص على قطع يد السارق في سرقته الأولى ثم قطع رجله في المرة الثانية. بمعنى آخر أن مثل هذه المدارس ترمي عرض الحائط بكل ما تعمل عليه الحكومة البريطانية في خوفها من الإرهاب من حث على الإندماج في المجتمع والثقافة البريطانية لحماية التعددية والديمقراطية وإعلاء المواطنة وتهميش الدين كعامل مفرّق بين الجاليات المختلفة...نعم إن مثل هذه المناهج هي الخطوة الأولى للتطرف.. ثم التبرير لاستعمال العنف كطريقة للحصول على المكاسب السياسية وهو الأمر الذي يخشاه البريطانيون خاصة وفي ظل الزيادة السكانية الكبيرة من المسلمين التي من المتوقع وصولها إلى 50 % من السكان البريطانيين في غضون 20 عاما.. وهو الأمر الذي يخيف الحكومة والشعب البريطاني بل والأوروبي عموما حذرا مما قد يقوم به البعض منهم من عمليات تفجيرية تطال أكبر عدد ولا تفرّق بين أي من معتنقي الديانات الأخرى ؟؟ولكني وبالرغم من رفضي لمبدأ المدارس الدينية جملة وتفصيلا.. أعتقد بأن وجود هذه الكمية الكبيرة من مثل هذه الكتب.. والإستمرار في تدريسها في هذه المدارس ينم عن منتهى الجهل من الجهاز الإداري للقائمين على مثل هذه المدارس في الاستمرار بتدريس هذه المواد في مجتمع يحتضنهم.. وأيضا لما في هذا الغلو من خطر على الطلاب وعلى مستقبلهم في بريطانيا...نعم هناك بعض العادات السيئة المتصلة بالثقافة البريطانية والتي نرفضها جميعا.. ولكن من المجحف وغير الممكن عدم الاعتراف بأن هناك الكثير من الجوانب الإيجابية أيضا في هذه الثقافة والتي لولاها لما تمتعنا بالحرية وبالمواطنة التي نحث على الأخذ بها في الدول العربية الأخرى..ولكن السؤال الأهم.. هل من مصلحة أي طفل في هذا العالم أن يؤدلج تفكيره بمثل هذه الأفكار في مثل هذه السن الصغيرة والتي تحمل ليس فقط إنغلاقا على الذات..بل تحمل بذور تطرف وعنف. وعدم استقرار نفسي..لقد أثبت علماء النفس بأن عقل الطفل مبرمج على تصديق كل ما يقوله الكبار على أنه حقيقة نظرا لأنها تأتي من أفواه من اعتقد فيهم الأمان والحب.. وأن تخويفهم بالأساطير وبالخرافة على أنها الحقيقة المطلقة هو استغلال لبراءتهم وتسميم لعقولهم.. وقتل لقدرة النقد والإبداع فيهم.. إن أدلجة تفكير الطفل في مثل هذه الأعمار إنما هي نوع من أنواع العنف الفكري ضدهم.. وانتهاك لحقوق الطفل في العيش بأمان وبحرية وبدون خوف.. ونتائج مثل هذه الأدلجة خطيرة جدا على النمو الإنساني في تفكير الطفل الذي من حقه أن يتعرف على الآخرين بغض النظر عن اللون والدين في المجتمع الذي يعيش فيه..وكما تثور ثائرة الحكومة البريطانية خوفا على مجتمعها من تعتيم قلوب هؤلاء الأطفال.. أتمنى أن تثور ثائرة الإنسان العربي على أن تدريس هذه المواد يحجب نور العقل.. ونور القلب الذي هم بحاجة ماسة إليه للخروج من التبرير الديني لكره الآخر.. وتبرير فقه الولاء والبراء. فالرب واحد.. والعالم مفتوح ليحتضن إنسانيتنا المشتركة بدون حواجز ولا قيود..أتمنى أن أرى يوما على المنطقة العربية تمنع فيه تدريس هذه الكتب.. التي لا تعمل إلا على خلق حواجز من الكره بين الإنسان العربي وإخوة في الوطن.. وبينه وبين اخيه في الإنسانية في العالم الآخر .. فالدين لله والوطن للجميع.. وفي عالم لا حدود فيه.. فإن أرض الله لخلق الله..[c1]*باحثة وناشطة في حقوق الإنسان [/c]
|
فكر
المـدارس الـديـنـيـة
أخبار متعلقة