[c1]سعود البلوي [/c] “الخطاب الديني الإسلامي خطاب تحريضي مليء باللغة الظلامية، خطاب ضد العقل وضد المنطق”. هذا ما قاله المفكر المغربي المعروف محمد أركون الذي يرى أنّ محتوى هذا الخطاب يعاني من الركود والركون إلى الماضي؛ لأن المجتمعات الإسلامية ليس لديها وعي كافٍ بتاريخها حيث تعتمد على أيديولوجيا “الكفاح والنضال” التي فرضتها ظروف الاستعمار، لكن هذه الفكرة سيطرت على المجتمعات الإسلامية حتى خلقت تصوراً أسطورياً خيالياً “لما لا نزال نسميه الغرب” بأنه هو الذي يعيق تطورنا ويخرّب ثقافتنا؛ مما فوّت علينا الفرصة للاهتمام ببناء الدول الحديثة والمجتمعات المدنية بعد الاستقلال.بفعل تأويل النص الديني وعدم البحث عن تأويلات جديدة أكثر إنسانية يتكرّس الهامش على حساب النص فيصرّ الخطاب الإسلامي دائماً على الانطلاق من “الماضوية” كنقطة بداية ترتكز على الركون المستمر إلى الماضي، وقد ترسّب الاستكانة إلى الماضي بعد أن أفاق المسلمون من غفوتهم التاريخية الطويلة فلم يستوعبوا أو يدركوا حجم الهوة التي تفصلهم عن العالم المتحضر مادياً ومعنوياً في العصر الحديث. وبذلك كان لا بد من الاطمئنان إلى شيء ما فلم يجدوا سوى تاريخهم الذي ينتمون إليه بما يشبه التباكي. واليوم نجد انتشار خطاب التحريض والكراهية والعنف الفكري والجسدي مسيطراً على القلوب والأذهان لأن من يستعير هذا الخطاب ويشدد عليه كأنه يريد،ربما دون قصد، أن يثبت فعلياً أن التراث الإسلامي لا يملك رصيداً إنسانياً مؤثراً سوى العنف والتطرف، في ظل التخلف الصناعي والعلمي والفكري والأخلاقي الذي تمثله الوصاية والسيطرة الدينية، وهي التي جعلت من المريدين والأتباع يؤدون دورهم بشكل تلقائي مثل دمى المسرح. محتوى الخطاب الإسلامي اليوم فيه الكثير من الفوقية والحقائق المطلقة التي يجب ألا يرقى إليها الشك، وفيه الكثير من التقديس لمرويات الأسلاف التاريخية التي لن يُقبل إخضاعها للنقد العقلاني سيما في هذا العصر الذي تغير ت فيه الكثير من المسلمات. لكن المبررات التي تظهر دائماً على السطح يكون خلفها ما يقبع في العمق، إذ إن رفض التجديد الحقيقي والعميق في الخطاب الإسلامي يوضح أن هناك من يستفيد من سيادة هذا النوع من الخطاب الذي يتميز بملامسته العاطفة التاريخية عبر استحضار الأمجاد الغابرة للأمة على مختلف المشارب والتوجهات؛ وهذا ما يحتّم استدعاء اللحظات التاريخية التي تتميز بالشدة والقوة في زمن اتساع السلطة السياسية الإسلامية، ولم يكن هناك للأسف من يفكر بلحظات القوة الحقيقية التي تجسدها لحظات “الأنسنة” في التاريخ الإسلامي؛ لأن مثل هذه اللحظات تعتبر دعوة للخنوع الذي يجب ألا يكون في الشدة مما ولد قناعة بأن ليس أمامنا سبيل سوى قوة السيف!وفيما يتعلق ببناء الدولة والمجتمع نجد هذا الخطاب أيضاً يعود إلى الماضي ويركن إلى تاريخه التليد في لحظة تجلٍ في غير مكانها. فرغم تراكمات الخبرة لدينا إلا أنه ليس لدينا مرجعية حضارية-إنسانية على المستوى التطبيقي، حيث نتحدث عن الحق والعدل لكننا عاجزون عن تحقيق أدنى درجاته. ولذلك يصر الخطاب الإسلامي على التأكيد دائماً على المرجعية الإسلامية، ولكن هذه المرجعية تكاد تكون أقرب إلى شكل الكائن المسخ الذي ليس له هوية واضحة المعالم، ولذلك كلما تم تطبيق أدبيات وتعاليم هذه المرجعية المزعومة على أرض الواقع كانت النتائج مؤسفة: المزيد من التسلط وإلغاء الإنسان باسم الدين، ويتم ذلك وسط التأكيد على أن هذا هو المنهج الصحيح. الإنسان في العالم الإسلامي لا يحتاج إلى استنهاض الهمم الواهية بقدر حاجته إلى أن يكون مكرماً في إنسانيته حراً في حياته واتخاذ قراراته، غير أن واقع هذا الخطاب قد جسد المزيد من سقوط الإنسان. ففي تجربة “الدولة الدينية الإسلامية” في إيران وأفغانستان والسودان اكتشفنا المزيد من الكذب والخداع، لا لسبب سوى أن أي أيديولوجيا يكون ظاهرها شيئاً وباطنها شيئاً. ظاهرها (الشعاراتي) يوهم الناس بأنها ستكون أفضل دولة في العالم لأنها تقوم على الحق والعدل الإسلامي وحين يأتي التطبيق تذهب هذه الشعارات أدراج الرياح في ظل مزيد من الشكوى بأن الدولة كادت أن تكون لولا مؤامرات (الغرب)، ثم يبدأ مسلسل استحضار تاريخ المؤامرة. والغريب أننا حين نجزم يقيناً بالمؤامرة فإننا نعطي فرصة للعقل بوصفنا بالسذاجة والخواء، إذ كيف نعلم بالمؤامرات التي تحاك ضدنا ولا نتخذ سبيلاً لإفشالها؟ لكن يبدو أن هذه المؤامرة المزعومة تتدحرج مثل كرة الثلج ما تلبث أن تنعكس على الإنسان في العالم الإسلامي، حيث المزيد من التدهور الاقتصادي والاجتماعي مع مزيد من القمع والتسلط. ورغم ذلك ليس ثمة فرصة للسلام والحوار والتعايش، فإن كانت مصافحة الغرب-ولو من أجل تقاطع المصالح- تحد من معضلاتنا الحضارية فلم لا تفكر مختلف تلك الدول في تحقيق مصالحها وحفظ كرامة شعوبها وإنسانيتها؟ فبناء دولة المدنية القائمة على القانون واحترام الحريات أهم مشروع تجاهلته الدول الإسلامية ولم تلتفت إليه إلا حينما وقعنا في براثن الإرهاب والتحولات السياسية العالمية التي بدأت كعاصفة لا يُستبعد أن تتآكل أمامها كل البُنى الهشة وتهترئ بفعل الزمن غير المخطط له، وبالتالي نحن لن نسهم في صنع أي منتج حضاري على المستوى الإنساني ما دام خطابنا الإسلامي يحتوي على قيم وأدبيات دينية راديكالية رافضة لتجديد الخطاب وتهذيبه ليتناسب مع المرحلة التاريخية الصعبة التي نعيشها والتي جعلت منا مثل مريض ينتظر الشفاء أو الموت دون أن يجزم أي الأمرين سوف يصيبه.وبما أن فحوى الخطاب الإسلامي تنطلق أولاً من تأويل النصّ فلا بد من إعادة النظر في هذا التأويل، وإعادة النظر تعني البحث عن تأويلات جديدة تعتمد على النص مباشرة لا على تراكمات الهوامش. الإصلاح أمر مهم وحتمي، وهو ليس ترفاً ثقافياً إنما ضرورة لابد منها ولكنه إذا لم يلامس الجذور الثقافية ويفتش عن الأسباب الرئيسية للمعضلات فإنه يكون خالي المحتوى، وهو الأمر الذي ترفضه المجتمعات الإسلامية مثل طفل يرفض الدواء. [c1] كاتب سعودي[/c]
|
فكر
الخطاب الإسلامي بين الركود والركون
أخبار متعلقة