هل يساهم التصعيد بما في ذلك ،نزول ألى الشارع، في تحسين الوضع اللبناني في شيء أم أنه تعبير عن مأزق تعيشه أطراف ثلاثة هي النظام الأيراني والنظام السوري و"حزب الله" الذي أخذ لبنان واللبنانيين ألى حرب ليست معروفة ألى اللحظة مبرّراتها. حصل ذلك على الرغم من أن الطفل في السياسة يدرك سلفاً، خصوصاً في ضوء ما حصل في قطاع غزّة، طبيعة الرد الأسرائيلي على قتل ثمانية جنود أسرائيليين وخطف أثنين داخل "الخط الأزرق" في منطقة حدودية ليست موضع نزاع بين لبنان والدولة اليهودية.لا تفسير منطقياً للتصعيد الذي لجأ اليه الأمين العام ل"حزب الله" السيّد حسن نصرالله في الحديث التلفزيوني الأخير الذي أدلى به الثلثاء الماضي سوى الرغبة في تسجيل أنتصار على ألفرقاء اللبنانيين الآخرين يصبّ في مصلحة تكريس لبنان ملعباً تمارس فيه دمشق وطهران مناورات شبيهة بتلك التي تمارس حالياً في غير مكان من المنطقة. ولا بدّ في هذا المجال من تكرار أن الأنتصار على لبنان ليس أنتصاراً على أسرائيل. من السهل النزول ألى الشارع وتعطيل الحياة في بيروت وغير بيروت، لكنّ الصعب هو البناء والمساهمة في تجاوز المحنة التي يمرّ فيها البلد بعيداً عن أي كلام عن أنتصارات لا علاقة لها بالواقع اللهمّ ألاّ أذا كان تحويل لبنان ورقة ضغط سوريّة أو أيرانيّة يعتبر أنجازاً! لا مصلحة للبنان واللبنانيين في التصعيد وتوجيه الأنذارات كما فعل الأمين العام ل"حزب الله"، ذلك أن المنطق الوحيد الذي يفسّر مواقفه الأخيرة يندرج في سياق تحويل السلاح في أتجّاه الداخل من منطلق أنّه ورقة ضغط على لبنان واللبنانيين الذين عليهم الأعتراف، بشكل لا لبس فيه، بأنّهم رهائن هذا السلاح والتصرف أنطلاقاً من ذلك، أي تحت الضغط. لو لم يكن الأمر كذلك، لكان " حزب الله" أستجاب للدعوات ألى تسليم سلاحه ألى الجيش اللبناني أو للصيغ المطروحة الهادفة ألى أيجاد صيغة تجعل مقاتليه جزءاً من قوات الشرعية اللبنانية على رأسها الجيش الذي كان ممنوعاً عليه التوجّه ألى الجنوب في الماضي. ألى أمس قريب، كان أرسال الجيش ألى الجنوب "خيانة وطنية" بحجة أن المقاومة يجب أن تظل على الحدود. ماذا كانت نتيجة هذا المنطق الأخرق؟ من دفع ثمن هذا المنطق؟ أوليس ما تعرّض له لبنان في حرب الصيف الماضي ما يوفّر أسباباً موجبة للخروج من المزايدات والشعارات الفارغة التي لم تصبّ في النهاية سوى في مصلحة أسرائيل؟لم يفت الأوان بعد كي يظهر "حزب الله" أنّه حزب لبناني أوّلاً وأنّ مصلحة لبنان تهمّه وأنّه لا يسعى ألى أظهار أن أيران على تماس مع أسرائيل في جنوب لبنان عبر صواريخه التي لم تكن في أي وقت قوة ردع بمقدار ما أنها سمحت للعدو الأسرائيلي بممارسة أرهاب الدولة. وتمثّل ذلك في تدمير آلاف البيوت وتشريد عشرات آلاف اللبنانيين فضلاً عن توجيه ضربة قاصمة ألى الأقتصاد اللبناني. على العكس من ذلك، في أستطاعة الحزب التعويض عن بعض الأضرار التي تسبب بها للبنان واللبنانيين عن طريق السعي ألى أقناع المسؤولين في أيران بأن لبنان "الساحة" لا يفيدهم في شيء. على العكس من ذلك، ما يفيدهم هو أستخدام لبنان لأظهار الوجه الحضاري لأيران في شكل دولة منفتحة على جيرانها وعلى أهل المنطقة أوّلاً وأنّها ليست دولة عدوانية تستغلّ أي فرصة تتاح لها بغية تأكيد نيّتها في الهيمنة. من يقول كلاماً مخالفاً يمكن أحالته على فضية الجزر الأماراتية الثلاث، أبو موسى وطنب الصغرى وطنب الكبرى، التي تحتلّها أيران منذ العام 1971، أيّ منذ أيام الشاه الراحل. ما الذي تغيّرمنذ تلك الأيام؟ الجواب أن لا تغيير في السياسة الأيرانية وأنّ الأطماع لا تزال هي أيّاها...هل في أستطاعة "حزب الله" الأقتناع بأنّ لا مصلحة له في أن يكون تابعاً لأيران وأنّ عليه وضع مصلحة لبنان فوق كلّ مصلحة؟ أنّها نقلة نوعية تمثّل التحدي الأكبر الذي يواجه الحزب. ولكن يبقى ما هو أهمّ من ذلك، أن يتمكنّ الحزب من أظهار أنّه يستطيع أفهام النظام السوري بأن عليه التخلّي عن حلم العودة ألى لبنان عسكرياً وعن عقدة الأنتقام من لبنان واللبنانيين. وبكلام أوضح، هل يستطيع الحزب وضع نفسه في خدمة لبنان بدل رفع الشعارات الكبيرة التي لم تجلب سوى الكوارث والمآسي على البلد، وأقناع القيمين على النظام في سوريا أن تفجير الوضع في لبنان لا يفيدهم في شيء وأنّ لبنان المزدهر أفضل خدمة لسوريا والسوريين والعكس صحيح. يمكن لسوريا أن تزدهر في حال كان لبنان مزدهراً. لن تستفيد سوريا بشيء من تفجير في لبنان، بل أن تدهور الوضع اللبناني لا بدّمن أن يرتدّ عليها عاجلاً أم آجلاً.من حمى لبنان خلال العدوان الأسرائيلي كان حكومة لبنان. على "حزب الله" أمتلاك ما يكفي من الشجاعة للأعتراف بذلك. أن كلّ النظريات التي بنى عليها الحزب سياساته، بما في ذلك الأحتفاظ بالسلاح على خلاف اللبنانيين الآخرين سقطت في الحرب الأخيرة. لم يردع السلاح الذي لدى الحزب أسرائيل التي تذرّعت بالصواريخ التي أطلقت عليها كي تضرب من دون رحمة ما تسبب في خسائر ضخمة كان لبنان في غنى عنها. مرّة أخرى، ثمة حاجة ألى نقلة نوعية يقوم بها "حزب الله" تكون بديلاً من أدارة سلاحه في أتجّاه الداخل اللبناني. لكنّ السؤال الذي يفرض نفسه مجدّداً هل يمتلك الحزب حرّية قراره؟ وهل لديه غير الشعارات الكبيرة وتخوين الآخرين لتبرير غياب هذه القدرة؟ في كلّ الأحوال، أنّ وقفة شجاعة للحزب تشمل عملية نقد للذات في العمق ستوّفر الكثير على لبنان واللبنانيين وسوريا والسوريين وأيران والأيرانيين في مرحلة يمكن أن تكون حبلى بالمفاجآت على الصعيد الأقليمي. في البداية كما في النهاية، أن الأنتصار على لبنان ليس بديلاً من الأنتصار على أسرائيل!أكثر من ذلك أن التصعيد الذي يعدنا به السيّد حسن نصرالله هو دعوة للعودة ألى الحرب الأهلية لا أكثر ولا أقلّ. هل من لبناني من أي طائفة من الطوائف أستفاد من هذه الحرب؟ [c1]كاتب لبناني [/c]
|
فكر
بين الانتصار على لبنان والانتصار على اسرائيل
أخبار متعلقة