الداعية والمفكر الإسلامي نهرو طنطاوي :
نشرت صحيفة (( الشرق الاوسط )) السعودية التي تصدر باللغة العربية من لندن حواراً مع المفكر والداعية الاسلامي نهرو طنطاوي الذي بدأ نشاطه الاسلامي في (جماعة الاخوان المسلمين) التي تشرب فيها اصول التشدد ثم انتقل للانخراط في عدة جماعات متطرفة وتعرض بسبب ذلك للسجن الذي اتاح له فرصة التأمل ومراجعة افكاره الخاطئة والتعرف على النبع القرآني للاسلام الصحيح ، والتخلص من المصادر التي اضيفت القرآن واصبحت هي الدين على الرغم من تعارضها مع نصوص القرآن واحكامه ومقاصده .ونظرا لأهمية هذه المقابلة وما تناولته من افكار وقضايا واشكاليات تتعلق بالوعي الديني وسبل اعادة صياغته على اسس تحرره من المفاهيم المغلوطة والافكار الضالة والمتطرفة التي تقدم صورة مشوهة للاسلام والمسلمين وتلحق الضرر بعلاقة المسلمين فيما بينهم او مع غيرهم من اتباع الاديان الاخرى ، تعيد (14 اكتوبر) نشر النص الكامل لهذه المقابلة تعميما للفائدة. بم تصف كتابك الجديد "قراءة للإسلام من جديد" هل مذهب فقهي أو فكر إسلامي جديد يخرج عن الموروثات التقليدية ؟ - كتابي الجديد ليس برأي ولا مذهب فقهي جديد وليس بفكر، ما جاء في كتابي "قراءة للإسلام من جديد" هو محاولة لتنبيه المسلمين وإرشادهم إلى المصدر الوحيد للتشريع في دينهم ألا وهو القرآن الكريم، فقد أدخل على الدين مصادر عديدة للتشريع زيادة على المصدر الوحيد ومن هذه المصادر ما يسمى بالسنة والإجماع والقياس والاستنباط والاجتهاد ورأي الصحابي وغيرها من المصادر وكل هذه المصادر ما أنزل الله بها من سلطان وإنما هي من صنع الفقهاء والمجتهدين، وهذه المصادر المختلقة التي تم إضافتها إلى المصدر الوحيد للتشريع، إنما زادت الدين تعقيدا وتناقضا بحيث أصبح أنه من الممكن أن تكتب رسالة دكتوراه في أحكام وآداب دخول الحمام، وتخيل الكم الهائل الذي تحويه تلك الرسالة من أحاديث وشروح لها، وآراء أصحاب المذاهب الأربعة وتلاميذهم وشروح هذه المذاهب، والاجتهادات والقياسات والاستنباطات والناسخ والمنسوخ، ناهيك عن الاختلافات والتناقضات التي سوف تتناولها الرسالة بين الأحاديث والمذاهب وشروحها والقياسات والاجتهادات، وفي النهاية سوف تتبنى رسالة الدكتوراه رأيا أو مذهبا من كل هذه الآراء والمذاهب، وبعد نشرها في الأسواق، يقوم باحث آخر بعمل رسالة دكتوراه مماثلة للرد على هذه الرسالة وتخطئة ما جاء في الرسالة الأولى وتتبنى رأيا جديدا خلافا للرأي الذي تبنته الرسالة الأولى، وهكذا إلى ما لا نهاية، ويصبح الدين مثل الأعداد يبدأ بالرقم ( 1 ) إلى ما لا نهاية ، أو مثل مسألة القسمة غير المنتهية، وعلى الجانب الآخر ينتظر هذا المسلم المسكين البسيط، ألّا يدخل الحمام حتى ينتهي الفقهاء والعلماء من التوصل إلى الأحكام والآداب الصحيحة لدخول الحمام، وإن دخل المسلم الحمام وقضي حاجته يبقى الألم والخوف يعتصر قلبه خوفا من أن يكون قد أخطأ في إنجاز المهمة على أكمل وجه كما يقول الرئيس بوش دائما (لم ننجز المهمة بعد). إن عملية تعدد المصادر حتما توجد التناقض والتضارب الصارخ بين النصوص، وهذا ما استفرغ فيه العلماء جهدهم وأسالوا مدادهم وملأوا قراطيسهم، ليس تفسيرا منهم للنصوص أو توضيحا لها، إنما كانت محاولاتهم دائما البحث عن سبيل للخروج من المأزق الخطير المتمثل في التناقض والتضارب بين أحكام المصادر المتعددة للدين ومحاولات التلفيق والتبرير والاعتذار والنسخ والتجميع والتكييف والترقيع بين النصوص المتضاربة في المصادر المتعددة. وأضرب لك مثالا واحدا على هذا التلفيق وذلك الترقيع للنصوص المختلفة التي قام بها العلماء وهو مثال واحد من بين عشرات الآلاف من الأمثلة فيما يسمى بالفقه الإسلامي. توجد فتوى على الإنترنت في موقع بن باز للشيخ عبد العزيز بن باز حول الجهاد نأخذ منها التالي :قال تعالى : " وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ« فقال الشيخ بن باز »فاعلم بذلك أنه أراد قتال الكفار لا من قاتل فقط ، بل أراد قتال الكفار جميعا حتى يكون الدين كله لله وحتى لا تكون فتنة والفتنة الشرك« ، ثم أنزل الله بعد ذلك آية السيف في سورة (براءة) وهي قوله جل وعلا : " فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ «. قال العلماء رحمة الله عليهم : إن هذه الآية ناسخة لجميع الآيات التي فيها الصفح والكف عن المشركين والتي فيها الكف عن قتال من لم يقاتل قالوا : فهذه آية السيف هي آية القتال ، آية الجهاد ، آية التشمير عن ساعد الجد وعن المال والنفس لقتال أعداء الله حتى يدخلوا في دين الله وحتى يتوبوا من شركهم ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ، فإذا فعلوا ذلك فقد عصموا دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام. وقال بعض أهل العلم هذه الآيات: ليست ناسخة لآيات الكف عمن كف عنا وقتال من قاتلنا وليست ناسخة لقوله : " لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ"، ولكن الأحوال تختلف فإذا قوي المسلمون وصارت لهم السلطة والقوة والهيبة استعملوا آية السيف وما جاء في معناها وعملوا بها وقاتلوا جميع الكفار حتى يدخلوا في دين الله أو يؤدوا الجزية إما مطلقا كما هو قول مالك رحمة الله وجماعة ، وإما من اليهود والنصارى والمجوس على القول الآخر ، وإذا ضعف المسلمون ولم يقووا على قتال الجميع فلا بأس أن يقاتلوا بحسن قدرتهم ويكفوا عمن كف عنهم إذا لم يستطيعوا ذلك فيكون الأمر إلى ولي الأمر إن شاء قاتل ، وإن شاء كف ، وإن شاء قاتل قوما دون قوم على حسب القوة والقدرة والمصلحة للمسلمين.وإذا صار عندهم من القوة والسلطان والقدرة والسلاح ما يستطيعون به قتال جميع الكفار أعلنوها حربا شعواء للجميع ، وأعلنوا الجهاد للجميع.وهذا القول ذكره أبو العباس شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، وهذا القول أظهر وأبين في الدليل؛ لأن القاعدة الأصولية أنه لا يصار إلى النسخ إلا عند تعذر الجمع بين الأدلة ، والجمع هنا غير متعذر.أما قول من قال بأن القتال للدفاع فقط ، فهذا القول ما علمته لأحد من العلماء القدامى ، أن الجهاد شرع في الإسلام بعد آية السيف للدفاع فقط ، وأن الكفار لا يبدؤون بالقتال وإنما يشرع للدفاع فقط. وقد تعلق بعض الكتاب الذين قالوا : إن الجهاد للدفاع فقط ، بآيات لا حجة لهم فيها وقد تعلق القائلون بأن الجهاد للدفاع فقط بآيات ثلاث : الأولى قوله جل وعلا : "وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا" والجواب عن ذلك كما تقدم أن هذه الآية ليس معناها القتال للدفاع ، وإنما معناها القتال لمن كان شأنه القتال : كالرجل المكلف القوي ، وترك من ليس شأنه القتال : كالمرأة والصبي ونحو ذلك ، ولهذا قال بعدها : " وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ ".فاتضح بطلان هذا القول ، ثم لو صح ما قالوا ، فقد نسخت بآية السيف وانتهى الأمر بحمد الله. والآية الثانية التي احتج بها من قال بأن الجهاد للدفاع هي قوله تعالى :" لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ " وهذه لا حجة فيها؛ لأنها على الأصح مخصوصة بأهل الكتاب والمجوس وأشباههم ، فإنهم لا يكرهون على الدخول في الإسلام إذا بذلوا الجزية ، هذا هو أحد القولين في معناها. والقول الثاني أنها منسوخة بآية السيف ولا حاجة للنسخ بل هي مخصوصة بأهل الكتاب كما جاء في التفسير عن عدة من الصحابة والسلف فهي مخصوصة بأهل الكتاب ونحوهم فلا يكرهون إذا أدوا الجزية وهكذا من ألحق بهم من المجوس وغيرهم إذا أدوا الجزية فلا إكراه ، ولأن الراجح لدى أئمة الحديث والأصول أنه لا يصار إلى النسخ مع إمكان الجمع ، وقد عرفت أن الجمع ممكن بما ذكرنا. فإن أبوا الإسلام والجزية قوتلوا كما دلت عليه الآيات الكريمات الأخرى. والآية الثالثة التي تعلق بها من قال أن الجهاد للدفاع فقط قوله تعالى في سورة النساء : "فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً" قالوا : من اعتزلنا وكف عنا لم نقاتله. وقد عرفت أن هذا كان في حال ضعف المسلمين أول ما هاجروا إلى المدينة ثم نسخت بآية السيف وانتهى أمرها ، أو أنها محمولة على أن هذا كان في حالة ضعف المسلمين فإذا قووا أُمروا بالقتال كما هو القول الآخر كما عرفت وهو عدم النسخ (انتهى كلام بن باز).أرأينا مدى الحيرة والتضارب والتناقض الذي أوقع العلماء والفقهاء أنفسهم فيه، حتى أنهم لم يستطيعوا تحديد الناسخ من المنسوخ على حد قولهم، ورأينا كيف أنهم عند تضارب فهمهم للنصوص يجزئون النصوص ويقولون : عند ضعف المسلمين نأخذ الآيات المكية وعند غلبتهم نأخذ بالنصوص المدنية. ما هذا الهراء ؟ فلو رجعوا إلى الطريقة الصحيحة لفهم الدين باللغة العربية وعدم تجزئة النصوص وقطعها من سياقها والجمع بين النصوص لما وقعوا في هذا المأزق الخطير الذي شتتوا به الأمة الإسلامية في دينها، فحسابهم عند ربهم.ولقد فندت هذه الفتوى في كتابي وأوضحت مدى التضارب والتناقض الذي جاء فيها. أما عن قولك أن ما جاء في كتابي هل فكر أو رأي أو مذهب فأنا أقول لك إن ما جاء في كتابي ليس بفكر جديد ولا رأي جديد ولا مذهب جديد إنما هو عملية تنقية وإزالة لكل ما علق بالدين من اجتهادات وتفسيرات وإضافات ما أنزل الله بها من سلطان والعودة إلى قراءة النص الديني بالطريقة القرآنية. لأن الفكر : هو إعمال العقل في شيء يتسم بالغموض والتعتيم والإشكال للوصول فيه إلى حل. ودين الله ليس كذلك. أما الرأي فهو النظر والتأمل في شيء موجود واضح للخروج منه بوجه جديد مغاير للأصل، ودين الله ليس كذلك. أما عن المذهب الفقهي : فأنا أذهب في فقه القرآن بالطريقة القرآنية نفسها اللغة العربية، عدم اقتطاع النص من سياقه، الجمع بين النصوص. ونصوص القرآن نصت على هذا. إذاً ما ورد في كتابي هو ما ورد في القرآن نفسه ولم آت بجديد على القرآن لا بزيادة ولا بنقص بل كل ما فعلته هو إزاحة الآراء التي أضيفت على الدين بالزيادة فيه أو الإنقاص منه. هل كتابكم "قراءة للإسلام من جديد" هو الأول ، وهل هناك كتب أخرى في الطريق - إن شاء الله - وما موضوعها؟ - نعم كتابي "قراءة للإسلام من جديد"هو الكتاب الأول، وهناك كتب تحت الطبع وكتب لم أبدأ فيها بعد لانشغالي بعملي ومن موضوعات هذه الكتب: - المعركة المصطنعة بين العقل والله. - موسوعة الفقه القرآني : وهي موسوعة ستلم بجميع مواضيع الفقه من عبادات ومعاملات. - السنة في عيون علماء السنة. - الناسخ والمنسوخ. - الحلال والحرام في القرآن. - الجهاد في القرآن. - دور اجتهادات العلماء في تمزيق الدين. - المرأة في القرآن. وغيرها من مشاريع الكتب، إلا أن ما يعيقني في إنجازها هو ضعف العامل المادي. إن كتابي هذا قمت بطباعته على نفقتي الخاصة، وعزائي أن أحتسبه لوجه الله سبحانه ولنفع المسلمين وحبا في الإسلام الصحيح الذي أنزله خالق السموات والأرض وكنت أخشى أن يدركني الموت قبل أن يظهر هذا الكتاب إلى النور، ولقد عانيت الكثير لأجد مطبعة تطبع لي هذا الكتاب فلم أجد، ومكثت ثلاثة أشهر وأنا أترجى دور النشر في مصر وأصحاب المطابع لطباعة الكتاب إلا أنني كنت أواجه بالرفض بعد اطلاعهم على موضوع الكتاب حتى وصلت إلى مرحلة من اليأس والإحباط إلا أن أكرمني الله بمطبعة طبعته لي. ما رأيك في مصطلح الاختلاط وهل هو مصطلح إسلامي أصيل أم انه محدث وهل يوجد حكم للرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - فما يسمى الاختلاط ؟ - إن مصطلح الاختلاط هو مصطلح جديد ويقابله في فقه العلماء مصطلح الخلوة وحتى هذا المصطلح هو مختلق وهناك حديث ينسب للرسول (ص) عن الخلوة نصه "ما خلا رجل وامرأة إلا وكان الشيطان ثالثهما". وهذا الحديث كثير من العلماء ضعفوه من ناحية السند، أما عن القرآن فلا يوجد أي نص أو إشارة إلى حرمة خلوة الرجل بالمرأة والاختلاط بها في أي مكان، وأنا أقصد الخلوة في العمل، في وسائل المواصلات، في التعليم أو في أي ظروف أخرى. وقد بينت وأوضحت في كتابي ضوابط العلاقة بين الرجل والمرأة في القرآن وهي :لقد وضع الله بعض الضوابط بين الرجل والمرأة في علاقتهما خارج نطاق العلاقة الزوجية ونوجزها في التالي : - غض الرجل لبصره وحفظ فرجه إلا على زوجته: قال تعالى: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظون فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون ).قال تعالى:( والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون)- غض المرأة لبصرها وحفظ فرجها إلا على زوجها :قال تعالى:( وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن)- التزام كل من الرجل والمرأة بالعفة: قال تعالى: (وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله) وقال تعالى: ( وليستعففن خير لهن والله سميع عليم )والعفة هي : المنع والترك والكف عما لا يحل من قول أو فعل وترك الشهوات مما لا يحل.والعفة محلها القلب وليس عدم الاختلاط فقد يختلط الإنسان بالجنس الآخر وهو يشتهيه ويتمنى الاجتماع به إلا أنه يستخفي من الناس وقد يختلط شخص آخر بالجنس الآخر وهو أكثر عفة وورعا ممن لا يختلط، فالعفة محلها القلب وواجبة على الجنسين وليس الرجال فقط أو النساء فقط. ما هي حدود الحجاب شرعا، ولماذا شرع، وهل هو من الدين أم انه كما يرى البعض شعارا اجتماعيا بدلالة أن الخليفة عمر بن الخطاب كان ينهي الجواري عن ارتدائه؟ - أما عن كلمة الحجاب فهي كلمة لم ترد في القرآن. وما ورد في القرآن هو إدناء الثوب والعفة وعدم إظهار الزينة وعدم اللين في الكلام الذي قد يفهم منه شيئا يطمع الرجل في المرأة مما قد يجعله يعتدي عليها أو يؤذيها. وكلمة الحجاب لم ترد في القرآن ولا حتى في السنة. واحتشام المرأة وعفتها وإدناء الثياب على جسدها هو دين شرعه الله وليس شعارا اجتماعيا كما يقول البعض، وربما البعض يتخذه شعارا لأغراض أخرى فالله أعلم بنياتهم. إن حدود ما يسمى بالحجاب كما جاءت في القرآن هي:- يحرم على المرأة إبداء زينتها إلا لهؤلاء [الزوج - الأب - الابن - أبو الزوج - ابن الزوج - الأخ - أبناء الأخوة - أبناء الأخوات - النساء - ملك اليمين من الجواري والعبيد - الأطفال - الرجال الذين لا يشتهون النساء ].فكل هؤلاء لا حرج في إظهار المرأة لزينتها أمامهم. إلا ما ظهر منها كالكحل في العين والخواتم والأساور في اليد لا حرج إن ظهر أمام الأغراب. قال تعالى: (ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الأربة من الرجال أو الطَفَل الذين لم يظهروا على عورات النساء) - ضرب الخمار على الجيب : قال تعالى: (وليضربن بخمرهن على جيوبهن)والخمار هو غطاء الرأس للمرأة، والجيب هو فتحة الصدر من الثياب، فقد أمر الله المرأة أن تضع ما نزل من غطاء الرأس على فتحة الصدر حتى لا يظهر ثديا المرأة. - يجب على المرأة إذا خرجت من بيتها إرخاء الثوب حتى لا تتعرض للأذى من قبل الذين في قلوبهم مرض : قال تعالى: (يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدني أن يعرفن فلا يؤذين).إذا فحدود الحجاب كما جاءت في القرآن الكريم هي ستر المرأة لجسدها وضرب الخمار الذي هو غطاء الرأس على صدرها، وليس ثياب المرأة مختصاً بزي معين أوتصميم خاص، أو لون خاص، فأي تصميم للثوب وبأي لون يقوم بعدم تحديد أجزاء المرأة أو استشفاف جسدها يؤدي الغرض، أما فرض تصميم معين أو لون معين فهو فرض على الناس ما لم يفرضه الله، فالله أمر المؤمنات بإدناء الجلباب ومعنى الإدناء هو القرب والإرخاء والإسدال بحيث يكون الثوب فضفاضا وأي ثوب فضفاض يؤدي الغرض سواء أكان بنطلوناً أو بدلة أو (تايير) أو بلوزة أو عباءة أو أي ثوب بأي لون سوف يؤدي الغرض. أما لماذا شرع الله الحجاب؟ فقد ذكر الله سببا وهو : }ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين {أي حتى لا تتعرض المرأة من قبل البعض للأذى بالكلام أو الفعل وهو ما نسميه اليوم " بالمعاكسة ". أما قولك أن (عمر) كان ينهي الجواري عن ارتدائه فعمر ليس بمشرّع وقوله وفعله ليس حجة يحتج بها. فلله الحجة البالغة على الناس جميعا بما فيهم عمر وغيره. وما جاء به القرآن هو الحجة على الناس جميعا. أعطى البعض لنفسه من الاخوة الأصوليين مثل أبو قتادة الإسلامي الفلسطيني الحق في تكفير الآخرين واصدر فتاوى سابقة قبل اعتقاله في لندن راجت بين المهاجرين المسلمين تحلل قتل أبناء الذرية من ضباط الشرطة والجيش في الجزائر ومصر، وكذلك استحلال أموال الكفار في الغرب.. فما رأيك في هذه المسألة؟ ـ أما بخصوص تكفير الناس واستحلال أموالهم ودمائهم فينقسم فيه الكلام إلى قسمين:- الأول : تكفير المسلمين واستحلال دمائهم وأموالهم : قلت إن إطلاق الأحكام على جرائم الكفر والخروج من ملة الإسلام يتطلب التحقق من عدة أمور مستحيل أن يطلع عليها إلا الله وحده، مثل عدم التبين وعدم التحقق وعدم الخطأ أو النسيان أو الجهل، لذلك لا يحل لأحد ولا يحق له إطلاق حكم الكفر لشخص منتسب إلى الإسلام ينطق بالشهادتين ويقيم شعائره مهما صدر منه من أقوال أو أفعال توجب الكفر ما لم يعلن ردته وانسلاخه عن الإسلام صراحة واعتناقه دينا آخر أو لم يعتنق فهذا كافر مرتد ولا يحل قتله لعدم وجود نص في القرآن بقتل المرتد. أما الأفعال والأقوال التي قد تصدر من الأشخاص المنتسبين إلى الإسلام كإنكار شيء من الدين أو رفضه أو الاستهزاء بدين الله أو ترك فرض من فروض الدين أو استحلال ما حرم الله وغير ذلك من الأفعال التي توجب الكفر أو تعد في دين الله كفرا، فلا يحل لأحد ولا يحق له إطلاق الكفر عليه لعدم التحقق من ذلك ولا يستطيع أحد التحقق من ذلك إلا الله سبحانه وتعالى، ما دام هذا الشخص لم ينكر الدين جملة ولم يعلن ردته وانسلاخه الكلي عن الإسلام، ولا يحل لأحد قتله أو عقابه لعدم ورود نص قرآني ينص على ذلك. بل إن كثيرا من المسلمين على عهد الرسول الكريم (ص) فعلوا الكفر وقالوا الكفر ولم يُروَ أن رسول الله (ص) قتل أحدا منهم ولم يأت القرآن بقتلهم بل بقوا كما هم في صفوف المسلمين ومنهم من تاب وقبل الله توبته ومنهم من لم يقبل الله توبته ومن لم يقبل توبته لم يأمر بقتلهم. - الثاني: غير المسلمين فهم نوعان، أعداء محاربون باغون، هؤلاء أمرنا الله برد عدوانهم وبغيهم بكل ما أوتينا من قوة وقد فصلت ضوابط ذلك في الكتاب في فصل الجهاد، وغير مسلمين مسالمون غير محاربين، فهؤلاء أمرنا الله بحسن معاملتهم بالقسط والبر والحب.قال تعالى:}لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين{* لماذا اصبح إطلاق اللحية لدى الجماعات الإسلامية شيئاً أساسياً والتمادي في طول اللحية بات من القرب إلى الله عز وجل.. ولماذا يعتبر البعض أن حلق اللحية هو من الفسوق والخروج عن الملة، من أين جاءوا بهذه التصورات ؟- بخصوص إطلاق اللحية أو عدمه فهو أمر شخصي بحت ولا يمت للدين بصلة. ولو كان أمرا دينيا جوهريا لذكره الله في القرآن. وأما عن الأحاديث التي وردت في اللحى فالله أعلم بصحتها، وعموما هي من أحاديث الآحاد بمعنى أنها ظنية مشكوك في ثبوتها عن الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم- . هناك حالة من التمزق تصيب المسلمين في الغرب، فإما أن يخضعوا لفتاوي غير مناسبة لحياتهم وظروف مجتمعاتهم في الغرب أما ترى بوجوب فقه جديد لمسلمي الغرب فما رأيكم؟ - يا أخي العزيز المسلمون في الغرب لا يحتاجون إلى فقه جديد. المسلمون في الغرب يحتاجون إلى فقه صحيح لكتاب الله. يا أخي العزيز إن دين الله يمارس في أي بقعة من الأرض وفي أي زمان دون حرج أو مشقة فقط لو فهمنا كتاب الله فهما صحيحا. أما هذا الفهم الصحيح الذي يحتاجه المسلمون في الغرب لا يتسع المجال الآن لذكر كيفيته أو شرحه، فقد بُحّ صوتي مع رجال الأعمال والأخوة الصحفيين والمثقفين والإصلاحيين وغيرهم في مصر والكويت وأنا أطلب منهم إنشاء قناة فضائية للإصلاح الديني. وأنا على أتم الاستعداد أن أبذل قصارى جهدي فيها دون مقابل لنتناول فيها جميع القضايا الدينية من فقه واستفتاءات ومناقشة لجميع جوانب الدين المعرفية والثقافية والتاريخية والفقهية وغيرها من الموضوعات. وأخبرتهم بأن الفضاء مملوء بالقنوات الفضائية لجميع التوجهات الدينية والفنية والثقافية والسياسية إلا الإصلاح الديني أو الفهم الصحيح للإسلام فلماذا لا تكون هناك قناة فضائية مستقلة للإصلاح الديني والفقهي؟ ولقد أرسلت بالعديد من الرسائل لمواقع الإنترنت الإصلاحية المستنيرة وتحدثت مع الكثيرين من الناس حول هذا الموضوع ولكن لا مجيب لما أنادي به. وطالبت أيضا بإنشاء موقع للاستفتاءات الفقهية القرآنية وأيضا لم يهتم أحد بما طلبت. وهناك مشروع ضخم قد وضعت خطته وهو وضع موسوعة فقهية قرآنية إلا أن هذا المشروع يحتاج إلى المال والوقت ولو عندي والله ما بخلت به على دين الله ولا على أمتي الإسلامية. لماذا هناك حملات مطاردة للأدباء والمبدعين في العالم الإسلامي ؟ - يا أخي العزيز نحن في العالم العربي والإسلامي ننقسم إلى أربعة أصناف :أما الصنف الأول: رجال دين وهم نوعان : - النوع الأول : رجال دين موظفون تقليديون حتى النخاع، هؤلاء اختاروا بمحض إرادتهم أن يكونوا مغلوبين على أمرهم، متمسكين بالتراث حتى وكأن الزمن وقف عند القرون الأولى للإسلام لا هم لهم إلا حفظ المتون والحواشي وآراء المذاهب المختلفة. أما عن وظائفهم فتتلخص في محاولة تلبيس الحاضر ثوب الماضي، اختراع أحكام واستنساخها لكل ما يستجد من تطورات في الدنيا ممالئة الحكام ومباركتهم وإضفاء الشرعية على أقوالهم وأفعالهم وأحلامهم وأنفاسهم حتى اعتقد المواطن أن صاحب الجلالة أو صاحب السمو أو صاحب الفخامة أو القائد قد بلغ من العصمة مبلغا لم يبلغه رسول الله صلي الله عليه وسلم. والأنبياء من قبله عليهم الصلاة والسلام. وتراهم دائما خائفين. خائفين من ماذا؟ من كتاب ، من قصيدة ، من فيلم من أغنية من مقال. وهنا يتساءل المرء ما هذا الدين الهش الضعيف الذي يهزه كتاب أو أغنية أو مقال أو فيلم، فهم خائفون ومتربصون من كل جرة قلم أو مشهد في فيلم أو (كوبليه) في أغنية أو رأي في مقالة أو كتاب. - النوع الثاني من رجال الدين: هؤلاء أصحاب التيارات الدينية. قاموا باختطاف الإسلام لأغراض سياسية للاستيلاء على السلطة لإعادة أمجاد الخلافة على حد زعمهم، وهم كالذين من قبلهم في تقليديتهم إلا أنهم يتحركون في إطار سياسي ودائما متربصون وخائفون من كل جديد ومن أي نقد أو تطوير، ويقومون بتنفيذ أحكامهم على الناس بأيديهم في حكمهم على أحد بالكفر أو الردة. أما عن الصنف الثاني من شعوبنا: هم الحكام وذووهم والمقربون منهم وهؤلاء الجميع يعلم أحوالهم وفسادهم وهم كرجال الدين سواء بسواء، إلا أن الحكام ليست لهم عقيدة ولا فكر ولا علم ولا يصدق عليهم إلا ما جاء في أغنية الراحل عبد الحليم حافظ : "على حس الريح ما يودي الريح وياه أنا ماشي ماشي ولا بيدي":. - أما الصنف الثالث من شعوبنا: هم المفكرون والمبدعون وهؤلاء على نوعين: - النوع الأول: مفكرون ومبدعون لهم آراؤهم وأبحاثهم وأفكارهم الجادة المخلصة حتى وإن كنت أختلف معهم كثيرا في أطروحاتهم إلا أنهم أصحاب فكر جاد متجدد ومتميز وجدير بالقراءة والمناقشة أذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر الدكتور فرج فودة ونصر حامد أبو زيد ومحمد أركون والمستشار العشماوي وعابد الجابري ومن الأدباء الأستاذ نجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس وغيرهما الكثير.، وأنا من أشد المعجبين برواية (أولاد حارتنا) وقد قرأتها عدة مرات، وهناك من الكتاب السياسيين والمفكرين الإسلاميين الذين أعجب بفكرهم كثيرا مع بعض خلافاتي أيضا مع بعض أطروحاتهم وأذكر منهم الأستاذ محمد عمارة وفهمي هويدي و سيد قطب والشيخ الغزالي رحمهما الله والأستاذ هيكل وغيرهم الكثير. فأنا أحب وأحترم الفكر الجاد الهادف المخلص حتى وإن اختلفت معه. - أما النوع الثاني : فهم بعض من يدعون أنهم مثقفون وكتاب. فهؤلاء ليسوا بمبدعين ولا مفكرين، هؤلاء أشبه ما يكونون بالباعة الجائلين وهم أرباع وأنصاف المثقفين من الصحفيين والكتاب والشعراء والباحثين عن الشهرة ولقمة العيش أيا كان مصدرها حلالا أو حراما أو رشوة أو ابتزاز، والباحثين عن أي حيلة وأية وسيلة للوصول للشهرة إما عن طريق مقالات أو كتابات أو قصائد شعرية يسخرون فيها من الجنة والنار والملائكة والله والأنبياء والتاريخ والجغرافيا والمقدسات والثوابت ويلعنون كل شئ حتى أنهم يلعنون اليوم الذي ولدوا فيه، لماذا لا أدري؟وأستغرب حال هؤلاء القوم فأحسبهم مرضى نفسيين يحاولون بشتى السبل أن يضعوا لأنفسهم قدما بين المفكرين والمبدعين وهم خاوون من أي فكر جاد وجديد ومستنير يستحق الدراسة والقراءة والبحث. هذا هو الإبداع لدينا على الصعيد الفكري والأدبي ، أما الإبداع على الصعيد البيولوجي والفيزياء والطب والكيمياء والفلك والمعلوماتية فأين هذا الإبداع في عالمنا العربي والإسلامي. لا يوجد أحد وإن وجد فهو هناك بعيد في أحضان الغرب. أما تلاحظ معي يا أخي العزيز أن فكرنا وإبداعنا في العالم العربي هو عقيم إلا في المجال الأدبي والكلامي بمعنى أن إبداعنا هو عبارة عن كلام في كلام في كلام وليته كلام مفيد كالفلسفة الغربية التي غيرت مجرى التاريخ في أوروبا على يد العبقري كانط وغيره من الفلاسفة العظام الذين سبقوه والذين جاءوا من بعده؟!. أما تلاحظ يا سيدي العزيز أن إبداعنا في العالم العربي انحصر في كتاب تافه أو مقالة عبيطة أو قصيدة شعرية لشاعر يتسكع نهارا على المقاهي وفي الطرقات يغازل الفتيات وفي آخر الليل يمسك بقلمه ليكتب قصيدة يلعن فيها السموات والأرض وما فيهن وما عليهن. ؟!!