أمين عبدالله ابراهيمقد يقول قائل ان استهلاك السلع نشاط مستمر في هذه الحياة باعتبار ان حياة البشر يغطيها الاستهلاك، وهذا أمر صحيح ومنطقي لكن القضية هنا ليست قضية الاستهلاك بحد ذاته، بل انماطه وآثاره. فالاستهلاك من منظور التنمية البشرية يركز على الطرق المختلفة التي يؤثر بها على حياة الناس، ومن منظور الناس فان الاستهلاك يعتبر وسيلة لتحقيق تنميتهم ورفاهيتهم، وتكمن أهمية الاستهلاك في توسيع قدرات الناس، فالغذاء والمأوى والصرف الصحي والرعاية الطبية كلها اشياء ضرورية، كما ان التعليم المدرسي والحصول على المعلومات من الكتب والاذاعة والتلفزيون والصحف والانترنت وغيرها كلها اشياء ضرورية لاكتساب المعرفة، كذلك تعتبر وسائط النقل والطاقة وسيلة للمشاركة في المجتمع.ومن منظور التنمية البشرية لا يقتصر الاستهلاك على الاستهلاك المادي للافراد باستخدام دخلهم الخاص، وذلك لان هذا النهج من شأنه تأمين جزء يسير فقط من السلع والخدمات التي تسهم في تحقيق التنمية البشرية، فمن المهم بالقدر نفسه ان يقوم المجتمع بتأمين سلع وخدمات اجتماعية غير مادية كالضمان الاجتماعي والرعاية الصحية والتعليم والنقل وغيرها، فأساس التنمية البشرية هو مبدأ عالمية مطالب الحياة، أي الاعتراف بمطالب الجياة للجميع رجالا ونساء واطفالا ولجميع طبقات المجتمع من دون تمييز وهذا المبدأ يتطلب عالما يكون فيه الاستهلاك عاما، أي الاستهلاك الذي يجعل لدى الجميع ما يكفي من الطعام ولا يحيا فيه طفل دون تعليم ولا يحرم فيه انسان من الرعاية الصحية ويمكن فيه لجميع الناس تنمية قدراتهم.ويتطلب مبدأ العالمية انصافا داخل الجيل الواحد وبين الاجيال القادمة فقد تم تفسير التنمية المستدامة، احيانا، بشكل خاطئ على انها تعني وجوب استمرار مستوى التنمية والاستهلاك ونمطها الحالي من أجل الاجيال المقبلة، ولكن لا يجب توريث التفاوتات القائمة اليوم للاجيال المقبلة.ويؤكد منظور عالمية الحياة وجود حاجة ضرورية لاستكشاف الصلات بين التنمية البشرية والاستهلاك وان معالجة نواحي القصور في الاستهلاك ضرورة حيوية، فلكل فرد في المجتمع الحق في استهلاك الحد الادنى من السلع والخدمات الضرورة لضمان تنمية قدراته والعيش بمستوى لائق، وهذا يقود بالضرورية لطرح تساؤل مهم حول صلة الاستهلاك بالتنمية البشرية؟ وبالطبع فان الاجابة عن هذا التساؤل من اختصاص خبراء الاقتصاد والتنمية البشرية الذين قالوا ان الاستهلاك وسيلة ضرورية لتحقيق التنمية البشرية الا ان صلته بالتنمية البشرية ليست تلقائية، فالاستهلاك يسهم في التنمية البشرية عندما يوسع نطاق القدرات ويثري حياة البشر دون ان يؤثر ذلك سلبا على رفاه الآخرين، لكن كثيرا ما تنفصم الصلة بين الاستهلاك والتنمية البشرية وذلك عندما تتحول اتجاهات الاستهلاك وانماطة لتصبح ضارة للتنمية البشرية ويحدث ذلك حين يقوض الاستهلاك قاعدة الموارد الطبيعية ويفاقم التفاوتات فتتسارع ديناميكية العلاقة الارتباطية بين الاستهلاك وكل من الفقر وانعدام المساواة والتدهور البيئي.ووفقا لتحليل خبراء الاقتصاد والتنمية فانه اذا ما ساتمرت الاتجاهات الحالية للاستهلاك كما هي عليه الآن، أي اذا لم تحدث اعادة توزيع من المستهلكين ذوي الدخول المرتفعة الى المستهلكين ذوي الدخول المنخفضة، واذا لم يحدث تحول عن السلع والتكنولوجيا المسببة للتلوث الى سلع وتكنولوجيا انظف واذا لم يحدث ترويج لسلع صغار المنتجين والفقراء. واذا لم يحدث تحول لاولويات الاستهلاك من الاستهلاك المظهري الى استهلاك يلبي الحاجات الاساسية فان المشاكل التي تعترض تحقيق التنمية البشرية القائمة اليوم ستزيد بدليل ان توسع الاستهلاك العالمي لم ينعكس بشكل ايجابي على البشر اذ ان التفاوتات مازالت كبيرة بين البلدان وداخلها بين الطبقات المجتمعية وذلك من حيث الاستهلاك الكمي والنوعي، حيث ستؤدي هذه التفاوتات الى تعميق الفقر وتؤثر بشكل سلبي على حياة البشر.ولكي يصبح الاستهلاك ذا فائدة داعمة للتنمية البشرية، يؤكد الخبراء انه لابد ان يكون الاستهلاك موزعا بصورة صحيحة بحيث يكفل الحاجات الاساسية للجميع فيبعد الفقر، ومعززاً بحيث يلبي القدرات البشرية فيوفر فرص العمل وبالتالي الدخل الذي يعتبر وسيلة هامة لتوسيع نطاق الخيارات الاستهلاكية وتحسين مستوى المعيشة وان يكون مسؤولا اجتماعيا بحيث لا يؤدي استهلاك البعض لتعريض الآخرين الى الخطر ويكون مستداما ليحمي فرصة الاجيال القادمة وهذا يتطلب اعادة توزيع الضرائب للابتعاد عن الاستهلاك الذي يلحق ضررا بالبيئة كفرض ضرائب على السيارات والكماليات والتبغ وهذا من شأنه زيادة الايرادات الحكومية بهدف استخدامها لزيادة الانفاق الاجتماعي وحماية البيئة.
الاستهلاك وعلاقته بالتنمية البشرية
أخبار متعلقة