د. هيا إبراهيم الجوهر:أغلبنا ينظر إلى عصور ما قبل التاريخ (العصر الحجري) على أنهم شعوب بدائية جدا لا تملك أي مستوى من التطور، لكن الآثار والبحوث والدراسات لتلك الأزمنة كشفت أنهم كانوا على درجة عالية من التفكير العلمي ساعدتهم على ابتكار العديد من الوسائل العلمية والتكنولوجية في جميع المجالات، مثل الكيمياء والرياضيات وعلوم الفلك ورسم الخرائط والعمارة الحجرية والقوارب والتعامل مع المعادن, التي لم نكن نتصور يوما ما أن تكون لديهم، لولا وجود الأدلة والبراهين وعلماء ينسبون العلم إلى أهله دون التمسك بما هو سائد. أعظم مثال على ذلك استخدامهم الكهرباء ومعرفتهم بها قبل العالم الطبيب لويس جلفاني، الذي تنسب إليه أول بطارية جافة في التاريخ هو والعالم الفيزيائي أليساندرا فولت حينما لاحظ جلفاني عام 1791 انقباض عضلات ساق الضفدع عندما لامسها المشرط بعد أن ثبتها بدبوس, وكلما كرر العملية لاحظ الانقباضات, وعزا ذلك إلى ما سماه (الكهرباء الحيوية), أي أن الضفدع مشحونة كهربائيا, وعند وصلها بمعدنين مختلفين يفرغ تلك الشحنة, لكن صديقه فولت كان له تفسير آخر هو الأقرب إلى الصحة, وهو أن تفاعلا كيماويا حدث في السائل الملاصق للمعدنين نتج عنه تولد تيار كهربائي, وقام بالعديد من التجارب على سوائل مختلفة، منها وضعه السلكين على لسانه, واستنتج أن للعاب دورا في توليد الكهرباء, ومنها صنع أول بطارية سائلة وعرضها على نابليون في عام 1800. ولأن الكهرباء لم تكن جزءا من حياتهم في ذلك الوقت مثل اليوم (حيث تكاد البطاريات تدير حياتنا فهل يستطيع أحدنا أن يستغني عن هاتفه الجوال أو كمبيوتره الشخصي أو سيارته أو أجهزة التحكم عن بعد التي يشغل بها أغلبية الأجهزة من حوله وكلها تعمل بالبطارية؟)، لذلك كانوا ينظرون إليها على أنها قوة سحرية غامضة تحيي الموتى وتميت الحي, ولم يقتصر ذلك على العامة, بل اقتنع بعض العلماء بأن في الكهرباء سر الحياة وأن بإمكانهم بواسطتها إحياء الموتى, وكي يثبتوا ذلك أحضروا جثة مجرم يدعى جورج ووضعوها على طاولة التشريح وقام جويفاني آلديني حفيد العالم جلفاني بوضع القطبين في بعض المواضع مثل الفك ففتح الميت فمه، والفخذ فحرك رجله إلى الأعلى، ثم على الذراعين فرفع يده .. إلا أنه لم يستطع أن يعيد النبض إلى القلب الميت, وهكذا فشلت هذه التجربة والعديد من التجارب بعدها.ومثل ذلك حدث في الصين, حيث يعتقدون أن الروح هي الكهرباء التي تسري في جسم الإنسان بأمر من عقله وتكون مسؤولة عن حركاته وسكناته وتمكنوا من إيجاد النقاط المهمة التي تحكم التيار الكهربائي في جسم الإنسان ليتمكنوا من خلالها بث الطاقة الكهربائية في جسم الميت ويسري التيار داخل جسده حتى يصل إلى المخ الذي ينشط ويرسل إلى القلب الذي ينبض بالحياة، ومن أجل هذه الفكرة قاموا بالكثير من المحاولات التي باءت كلها بالفشل ‘’ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا’’, ولم ينجح من هذه الفكرة وفكرة جلفاني إلا شيء واحد أسهم في إنعاش الكثيرين, وهو تنشيط القلب المتوقف بالكهرباء. ونعود إلى عصور ما قبل التاريخ والكهرباء, ففي حزيران (يونيو) عام 1936 عندما كانت تجري عمليات الحفر في بغداد عثروا على قبر يحتوي على ثروة تاريخية يعود تاريخها إلى 248 سنة قبل الميلاد, وكان من بين تلك الأشياء أدوات غريبة مثل أسطوانة نحاسية وقضبان حديدية يعلوها الصدأ الشديد, وكانت المفاجأة الكبرى حين أعلن عالم الآثار الألماني ولهلم كوينيج أن هذه الأشياء مع الأواني الفخارية تصنع بطاريات بدائية, وقام بإعادة تركيب هذه الأشياء وملأ الأسطوانة النحاسية بعصير العنب الحامض وتمكن من توليد تيار كهربائي مقداره نص فولت, ويرجح العلماء أن هذا الاختراع استخدم من أجل طلاء الأواني والتماثيل بالذهب، كما استنتج عالم الآثار المصرية نورمان لوكيار أن مثل هذه البطاريات قد تكون استخدمت لإنارة عمق الأهرامات حيث توجد رسومات دقيقة جدا ولا يوجد أي أثر للكربون الناتج عن حرق المشاعل والمصابيح الزيتية على الجدران.
الكهرباء وإحياء الموتى
أخبار متعلقة