د. فهد محمود ألصبري من القضايا الهامة التي أخذت لفترات طويلة , كثير من الجدل و البحث واهتمام المعنيين بمستوى الاقتصاد, هي مسألة النمو السكاني و علاقته بالنمو الاقتصادي وبمستوى الفقر . فمنهم من يرى أن نمو السكان هو عامل محفز يؤثر إيجابا على معدلات نمو الدخل القومي فمع زيادة السكان يزداد الكم المعرفي نتيجة للتقدم التكنولوجي الذي تولده زيادة الطلب على إنتاج السلع والخدمات, وآخرون يرون إن النمو السكاني عامل يؤثر سلبا على النمو الاقتصادي, فارتفاع نمو السكان يعيق نمو الدخل القومي, فمع تزايد أعداد السكان يزداد استنزاف الموارد المادية والطبيعية والاقتصادية . وفي ظل اختلاف وجهات النظر حول طبيعة العلاقة بين نمو السكان والنمو الاقتصادي, ظهرت فكرة ثالثه اعتبرت ان النمو السكاني عامل محايد في النمو الاقتصادي ويتحدد خارج نماذج النمو القياسية.. وهذا الاختلاف في وجهات النظر والآراء كانت لها تبعات كبيرة ومؤثرة كان آخرها وأخطرها بعدا على العمل السكاني هو وجهة النظر التي تنص على إن نمو السكان عامل محايد في النمو الاقتصادي. وكان توظيف هذه النتائج خلال العقود الأخيرة لتبرير حيادية النمو السكاني قد أدى إلى التقليل من الأثر المتبادل بين النمو السكاني والنمو الاقتصادي وساهم في عدم إعطاء القضايا السكانية الأولوية التي تستحقها في سياق إنشاء السياسات المتكاملة في العديد من الدول. والملاحظ إن الصراعات بين المدارس الفكرية المختلفة وعدم تمكنها من إثبات فرضياتها بشكل مطلق يعود إلى أن تركيزها كان بالمجمل على حجم ونمو السكان ولم .الاهتمام الكافي لمسألة التركيب العمري للسكان واتجاهات تغيرها واثر ذلك على النمو الاقتصادي فهناك لكل فئة عمريه سلوك ومتطلبات مختلفة و يترتب عليها نتائج اقتصادية مختلفة أيضا.فحاجات السكان الأطفال واليافعين تتطلب تكثيف المزيد من الاستثمارات في الصحة والتعليم , أما الشباب في المراحل الأولى من سن العمل فهم مكون أساسي لعرض العمل وزيادة الادخار , ومع التقدم في السن ترتفع الحاجة إلى تكثيف الرعاية الصحية مع ضمان دخل تقاعدي للمسنين .. حيث أشارت بعض الدراسات القياسية التي أجريت في بعض البلدان إلى أن التغيرات السكانية ممثلة بارتفاع نمو السكان في سن العمل ساهمت بمقدار 50 % من النمو الاقتصادي لهذه البلدان بين 1970 و 1990. وخلاصة الاستنتاجات في هذا المجال إن النمو الاقتصادي يتسم بالمبطئ عندما يكون نمو السكان في سن العمل منخفضا عن نظيره نمو أجمالي السكان, ويتحسن النمو الاقتصادي عندما يتعدى نمو السكان في سن العمل نظيره نمو إجمالي السكان. ويحدث ذلك نتيجة انحسار الفجوة إلى فارق ايجابي ضئيل جدا بين متوسط دخل الفرد من إجمالي الناتج المحلي ومتوسط حصة العامل من الناتج. وقد وضحت هذه العلاقة في المؤتمر الدولي للسكان في وثائقه التي أكدت أن العلاقة بين السكان و النمو الاقتصادي المطرد والفقر هي علاقة متبادلة ومتعاضدة. فتؤكد في الفصل الثالث حول أوجه الترابط بين السكان والنمو الاقتصادي المطرد والتنمية المستدامة “ أن الأنشطة اليومية لجميع البشر والمجتمعات المحلية والبلدان ترتبط بالتغير السكاني وأنماط ومستويات استخدام الموارد الطبيعية وحالة البيئة وسرعة التنمية الاقتصادية والاجتماعية ونوعيتها. وهناك اتفاق عام على أن استمرار انتشار الفقر على نطاق واسع فضلا عن أوجه الجور الخطيرة, الاجتماعية والقائمة على نوع الجنس ,لها اثر كبير على البارامترات الديموغرافية مثل نمو السكان وهيكلهم وتوزيعهم , كما أنها تتأثر بذلك . وهناك اتفاق عام أيضا على أن أنماط الاستهلاك والإنتاج غير المستدامة لا تفتأ تسهم في الاستعمال غير المستدام للموارد الطبيعية وتدهور البيئة فضلا عن زيادة الجور الاجتماعي والفقر مما يقترن بالنتائج السالفة الذكر للبارامترات الديموغرافية .”. إن الأثر المتبادل لانخفاض الخصوبة والوفيات المقرون بزيادة تراكم رأس المال في عملية النمو الاقتصادي له إمكانية تفسير النتائج الايجابية في بلدان عديدة , حيث إن اثر التغذية الاسترجاعية الذي يظهر بين كل عامل من العوامل له إمكانية مضاعفة تأثير العوامل الخارجية المؤثرة عليه وهذا التغير الديموغرافي يؤثر على مخرجات عملية الإنتاج مباشرة من خلال عرض قوة العمل ويؤثر بشكل غير مباشر من خلال الادخار والاستثمار وبالتالي على تراكم رأس المال . من ناحية أخرى فان مستوى الدخل وخزين رأس المال يؤثر على الخصوبة والوفيات. فعندما يتسع الهرم العمري للسكان يرتفع الأنفاق الحكومي والعائلي على الاستهلاك مؤديا إلى انخفاض الادخار وعندما يتحسن مستوى الدخل وخزين رأس المال فان تأثيره ينعكس على الخصوبة والوفيات , ويعود ذلك إلى تحسن مستوى رفاه العائلة الصحي والتعليمي وبالتالي إلى تغير في سلوكها الإنجابي . ويؤثر الدخل على رأس المال , إذ يرتفع وينخفض تبعا للقيمة المضافة التي يولدها رأس المال . وبدوره أي رأس المال يؤثر على الدخل من خلال الادخار . إذ يرتفع الادخار عندما تنحسر قاعدة الهرم السكاني وترتفع نسبة السكان في سن العمل ويتيح ذلك المزيد من النمو اقتصادي نتيجة ارتفاع حصة العاملين في الناتج . ويمكن توسيع هذا المخطط ليتضمن عوامل خارجية تتدخل ويكون لها تبعات على المتغيرات الداخلية المكونة للنظام. فمثلا السياسات السكانية ومن ضمنها برامج الصحة الإنجابية و تنظيم الأسرة قد تعجل من انخفاض معدلات الخصوبة وتغير البنية العمرية للسكان. وهذا التغيير في البنية العمرية للسكان بدوره ينطوي على تغير في اتجاهات الادخار والاستهلاك وبالتالي له تأثير مباشر على متوسط دخل الفرد و من خلال تأثيره على معدلات الإعالة وحجم قوة العمل . فعندما نقارن تأثير نمو السكان في سن العمل مع تأثير نمو السكان الكلي يظهر بوضوح الأثر الكبير للهيكل العمري للسكان على النمو الاقتصادي. [c1]المرجع: المنتدى العربي للسكان19- 11-2004 بيروت* خبير في المجلس السكاني [/c]
النمو السكاني.. والفقر
أخبار متعلقة