نشر الزميل النائب محمد الحزمي وهو أحد الموقعين على بيان (علماء) الدين في 14/ 1/ 2010 مقالة استهلها كما يلي “ “إذا صح أن القاعدة في اليمن كانت وراء محاولة الهجوم على الطائرة الأمريكية فإن هذا يعد عملا غير موفق من الناحية الشرعية “ ... وفي حين يحسب للكاتب أنه بدا أقل ترددا من كثيرين غيره من الدعاة الذين يراوغون ويؤثرون الصمت والسكوت عن الحق عندما يكون الكلام من ذهب والرأي قبل شجاعة الشجعان ، لكن ما يلفت النظر هو اللين المفرط في عبارات الكاتب ومفرداته خصوصا استهلاله بعبارة مثل : “ فإن هذا يعد عملا غير موفق” ... لقد كان بإمكان الكاتب اختيار عبارات وألفاظ تطابق مقتضى الحال وتكون أكثر صراحة وأوضح دلالة على شناعة الأفعال وسوء الأعمال لكنه آثر التعاطي باللين والمرونة، حيث تتوجب الشدة والحزم ، خصوصا وقد اشتهر الكاتب بأنه يبدو كمن يناطح في مقالاته ومداخلاته وخطبه ويشتط غضبا في حالات كثيرة وهي أدنى خطرا وأقل ضررا مما تجلبه لنا القاعدة وتستحق عليه المواجهة والصراحة بلا مواربة ولا اختباء ولا تخف ، وأذكر من ذلك موقف الكاتب حول زواج الصغيرات وقد رأيته يؤنب الأستاذ الزميل شوقي القاضي بغضب وشدة ويتهمه بالتدليس ، ومع ذلك فالكاتب يشكر على جهده لأنه وحده تجرأ وانتقد التطرف والغلو والإجرام ولو على استحياء وخجل.قبل سنوات سمعت من أحد طلاب جامعة الإيمان أن الشيخ عبدالمجيد الزنداني علق على ضرب مركز التجارة العالمي في نيويورك في 11/ سبتمبر 2001 بقوله أو بما معناه “ هذا خطأ وستكون له نتائج ضد الإسلام والمسلمين “ لكننا منذ ذلك الحين وإلى اليوم لم نسمع من الشيخ وكثيرين غيره تخطئة علنية لتلك الجريمة فما بالك بتنديد أو استنكار أو إدانة أو تحريم لذلك العدوان على أبرياء مدنيين ومسالمين من كل جنس ولون ودين .. ولئن جارينا الشيخ في فهمه وفيما يقول بأن هناك حربا بين أمريكا والقاعدة مثلما أشار في تصريحات لقناة الجزيرة مؤخرا ، لكننا نفهم أن القاعدة تدعي أنها تخوض حربها تلك مع العالم وفي مقدمته أمريكا نيابة عن الإسلام والمسلمين، وكان أولى بالشيخ وأمثاله وهم كثيرون أن يقولوا للقاعدة أننا لم ولن نخولهم خوض مثل تلك الحماقات والجرائم باسم الإسلام والمسلمين ، ويقولوا لهم أيضا أن غايات القاعدة النهائية في إقامة دولة تسمى إسلامية على غرار دولة طالبان وأمير المؤمنين الملا محمد عمر ، ليست غاية ولا هدفا ولا حلما لنا ، بل إنها تعد بمثابة كابوس لجميع المسلمين أو على الأقل لأغلبيتهم الساحقة في شتى بقاع الأرض وفي ما يستقبل من الزمن ...ومن غير شك فالمسلمون وفي طليعتهم العرب أحفاد النبي والصحابة والفاتحين ، تواقون إلى العزة والمنعة والتحرر من الفساد والاستبداد والتفرق والضعف والتبعية للغرب أو الشرق ، لكنهم مدركون وواعون تماما أن مشاريع القاعدة وطالبان وأشباههما ومن على شاكلتهما لا يرجى من ورائها نفع ولا يعقد عليها أمل ، وإن ما يأتي به أمثال هؤلاء هو مجرد تخرصات وأوهام وشعوذات لا يتوقع من ورائها برء أو علاج أمراض متراكمة ومستفحلة في روح وفكر وجسد الأمة منذ قرون ...بل إن ما يجيء به أولئك هو أقرب إلى حالة “وداوني بالتي كانت هي الداء” ...إن النموذج الإسلامي الذي يجب أن يعتز به المسلمون في هذا العصر هو نموذج أردوغان وليس نموذج طالبان ...والغريب أن كثيرا منا معجبون ويفاخرون بنموذج أردوغان لكنهم يبدون في سلوكهم وعلاقاتهم ومواقفهم وكأنهم يروجون لنموذج طالبان...وكم أبدى كثيرون اندهاشهم عندما عقدت جامعة الإيمان اجتماعا خصص لتكفير حسن الترابي لكنها لم تعقد لحد الآن لقاء واحدا لإرشاد الشباب وبيان خطر التطرف والإرهاب.. أفهم أن نقاش شيوخ الدين أو الاختلاف معهم يرقى في نظر كثيرين إلى طائفة الممنوعات والمحرمات ، لكننا طالما سمعنا لكثيرين وأطعناهم واكتشفنا كم كنا مخطئين ، وطالما سكتنا عن شطحات بعضهم ووجدنا أنها قد توردنا المهالك ، ولا نزال نتذكر كم كان الشيخ الزنداني مخطئا عندما كان يلح على ضرورة تعديل الدستور قبل تحقيق الوحدة مخافة الشيوعية التي كانت تلفظ أنفاسها الأخيرة وتتلاشى في عقر دارها ، ولو تبعه أكثر الناس أو كان هو صاحب القرار في ذلك الوقت لما تحققت وحدة اليمن إلى اليوم ، مخافة الشيوعية والإلحاد ، وقد بينت الأيام أن كل ذلك التخوف كان مجرد وهم كبير ...وأظن أن الأمر قد وُضِحَ اليوم للشيخ الفاضل نفسه ولا شك، ولعل الشيخ قد اكتشف مزايا الوحدة وضرورتها لأهل اليمن وقد دافع عنها بقوة عند ما تعرضت للخطر في عام 1994 !، لكنه لم يبين للناس إلى اليوم كم كان فضيلته مخطئا وقصير النظر ، عندما كان يحشد الناس ويخطب ويحذر وينذر من تحقيق الوحدة اليمنية قبل تعديل الدستور ، مع أن الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر قد فعل واعترف في مذكراته أنه لم يكن مصيبا في التخوف من الشيوعية وأن الرئيس صالح كان أبعد نظرا عندما سعى إلى تحقيق الوحدة.إن من الواجب أن نناقش شيوخ العلم ونصارحهم ونواجههم إذا تطلب الأمر ، خصوصا عندما يتصدون لقضايا ترتبط بمصائر الأوطان ومستقبل الشعوب أو يغفلوا عن مثل تلك القضايا ، ولا ينبغي أن يرهبنا أحد بفهم خاص لنصوص وأحكام الدين التي كثيرا ما يفهمونها خطأ وينزلون أحكامها على الواقع والناس بما يضر ولا ينفع ثم يقولون هذا هو الدين والشرع، طبقوا ونفذوا بلا نقاش..وإلا وإلا !في الأسبوع المنصرم عقد بعض علماء الدين لقاء موسعا في جامع المشهد وتمخض اللقاء عن رفض التدخل الأجنبي والتلويح بإعلان الجهاد صدا لأي تدخل عسكري في اليمن وإن كان مثل تلك الدعوة تأتي والمعنيون بالأمر في واشنطن ولندن يقولون أن لا نية لديهم في التدخل المباشر في اليمن .. وكل من عرف اليمن منذ عهد سيف بن ذي يزن وعمرو بن معد يكرب يدرك أن اليمن لا ترحب بالتدخلات وأنها ليست مضيافا للغزاة... وقد تحدث استكانة ووهن في الروح الوطنية بسبب التفرق والتباعد لبعض الوقت، وقد يستغل ذلك غزاة مثل الكابتن هينز وغيره، لكن الروح الوطنية سرعان ما تتيقظ وتتوثب البطولة من جديد بدون الحاجة إلى فتوى من أحد، ونتذكر أن الشيوعيين الحمر والمناضلين القوميين هم من نال شرف طرد المحتلين الإنجليز من جنوب اليمن فيما تعايش معهم وأذعن لهم كثير من دعاة العلم الديني وشيوخه ، مثل كثير من شيوخ القبائل وأمرائها ، لأكثر من قرن من الزمان ...كان الواجب ولا يزال هو الرفض والتصدي لأي تدخل مباشر أو غير مباشر في اليمن .. لكن الواجب الأولى والأهم في اللحظة الراهنة وما قبلها وما بعدها ، أنه كان ولا يزال وسيظل على علماء الدين أن يبصروا الشباب ويقولوا لهم إن استعداء الغرب وجبابرة العصر على اليمن حرام وسفه ، وإن الإرهاب حرام، ولا يجوز خطف الطائرات وقتل الأبرياء سواء في برج التجارة العالمي في نيويورك أو معبد الشمس في مأرب أو ضرب منشآت النفط والطاقة في بلادنا أو مهاجمة السفارات أو التفجيرات في مدريد ولندن ..وكان عليهم أن يقولوا للقاعدة أن اليمن لاينقصها جنون وويلات وبؤس وخوف ففيها ما يكفيها ، وإذا كان لا بد من جهاد فليول المجاهدون وجوههم شطر أماكن أُخَر أكثر تحملا لنتائج أعمالهم وأخطارهم ... كان على العلماء أن يتذكروا ويدركوا أن غزو أفغانستان من قبل أمريكا هو نتيجة مباشرة لما أسماه المتطرفون “غزوة نيويورك المباركة “ ... وكان عليهم أن يوضحوا للشباب أن غزو العراق واحتلاله كان من تداعيات 11/سبتمبر 2001 وبحجج واهية أخرى استخدمها وبرر بها المحافظون الجدد المتطرفون ثأرهم من الأمة بغز و العراق...أفلا يدرك علماء الدين أيضا أن حملات التشهير والإساءة للإسلام والمسلمين ولنبيهم العظيم ترجع إلى ما يقترفه المتطرفون من أبنائنا ...وهل يدرك علماء الدين أن سكوتهم هو ما يزيد المتطرفين تطرفا وتشددا وإيغالا في جرائمهم التي جعلت المسلمين مشبوهين أينما اتجهوا وأصبح اليمنيون في هذه الأيام أمثال الشياه الجرباء في كل مكان ..مثلما يسكت معظم علماء الدين عن الفساد والاستبداد والتشرذم في أكثر بلاد المسلمين، يسكت العلماء عن التطرف والإرهاب ويهادنونه وكأنهم غير معنيين... لو أن العلماء تصدوا للفساد والاستبداد والتشرذم لما كان هناك تطرف ولا إرهاب ولا تدخل أجنبي ولا تلويح بذلك...وأتساءل هنا هل جلس علماء الدين يوما ليشخصوا لنا أمراض الأمة وأسباب ضعفها وهوانها على أعدائها وتطرف كثير من أبنائها الذي يعبر عن اليأس أكثر من أي شيء آخر؟ لو فعلوا لقالوا ببساطة إن الفرقة والاستبداد والفساد هي السبب الأساسي، ولكانت فتواهم الأولى : يا مسلمي العالم اتحدوا ، ولكن قبل ذلك تماما ، لا بد أن يفتوا بحرمة تفرق العرب قوم النبي ، وكان يجب أن يلزموهم أن يكونوا مثالا وأنموذجا للتوحد يحتذى ، وأنه لا يجوز لأبناء جزيرة العرب البتة أن يكونوا سبع دول أو دويلات وأنه لا يجوز لكل قبيلة أو حقل نفط أن يرفع علما ويعلن دولة ، لكن الذي نعلمه أن جامعة الإيمان ومن قبلها جامعة محمد بن سعود والجامعة الإسلامية تشغل الناس في أمور أخرى كثيرة وتبتعد عن تشخيص وعلاج ضعف الأمة وهوانها ، أما أمثال معهد دماج ومعهد بدر العلمي فهم منشغلون بما يفرق ويشتت أكثر من أي شيء آخر...أما موضوع الجهاد فغالبا ما طرح كقضية حق ولكن كثيرا ما يراد بها باطل ... ونعلم أن الملك عبد العزيز يرحمه الله كان يقاتل خصومه في الجهات الأربع جهادا ، ونعلم أيضا أن الإمام يحيى يرحمه الله كان يفعل الشيء نفسه حتى وهو يقاتل في منطقة البيضاء ، ونعلم أن أخانا الحوثي سامحه الله يقاتل جيش الجمهورية اليمنية جهادا أيضا ويسمي أتباعه بالمجاهدين، وهناك تشكيل في القوات السعودية يسمون (المجاهدين) ، وإذا وقع في أيديهم مسلمون يمنيون يتسللون إلى المملكة من أجل لقمة العيش [قبل مشكلة الحوثية] فيا ويلهم من المجاهدين ، الذين يحرصون على السنة وتقصير الثياب وإطالة اللحى، وحرصا على استكمال مظاهر الورع والتقوى لا ينسون حمل “مساويك الإراك” في جيوبهم ظاهرة للعيان ، وقد يحرقون اليمنيين حرقا بلا شفقة ، مثل ما حصل قبل فترة، ولعل ذلك يأتي في إطار تطبيق السنة في نظرهم وإعمالا لشرع الله وخدمة دينه، لِمَ لا فهم المجاهدون !نعرف أن أخانا السلطان طارق الفضلي شب على الجهاد في أفغانستان حيث ذهب يطلب الشهادة هناك وهو اليوم يستنجد ببريطانيا ورابطة الكومُنوِلث ويحفر المتاريس في فناء داره كما قال ، استعدادا لموجهة “المحتلين” من أهل الشمال اليمنيين العرب المسلمين أيضا ، وعلى الرغم من أنه لا يزال يرفع شعار النضال السلمي ، لكن المرجح أن الجهاد سيكون غاية من شب عليه في النهاية ، خصوصا وهو يفرض العصيان المدني في زنجبار بقوة الحديد والنار...ولو أنه كان في أفغانستان بنفس العنفوان والهمة التي نراه اليوم يشهرها مع بني جلدته من عرب اليمن المسلمين، فسيكون من الغريب أن لا تسقط في يده موسكو ولينينجراد أو بطرسبرج التي استعصت على جيوش هتلر من قبل ...لا نزال نتذكر جيدا كم هي الأخطار والأضرار التي تمخض عنها جهادنا في أفغانستان عندما كنا نجاهد هناك ومعنا المجاهدون الكبار “الإخوة الأعداء فيما بعد “ أحمد مسعود ورباني وسياف وحكمتيار - [ وهل ننسى أسامة و عبدالله عزام الذي كان يظن يرحمه الله أن طريق القدس يبدأ من كابل ] - ومن خلفنا الولايات الأمريكية ، وجنبا إلى جنب مع عملاء المخابرات الغربية ، ونتلقى التمويل من خزائن خليج العرب وجزيرة العرب المكتظة بأموال النفط ، وكل شيء يهون من أجل الجهاد ، ولا صوت يعلو فوق صوت الجهاد في أفغانستان، ومع ذلك لا يزال أكثر من نصف أبناء الجزيرة جياعا وفقراء وبائسين ولا جهد ولا جهاد ولا فتوى من أجلهم ، ومنهم كثير من أحفاد النبي والصحابة ، ويبدو أنه لم ينقص أهل اليمن سوى جنون القاعدة وصواريخ أمريكا وسكوت الشيوخ أو فتاوى بعضهم وهم الذين حدثونا كثيرا عن “آيات الرحمن في جهاد الأفغان” .و بعد ثلاثين عاما ها هو الجبل يتمخض فيلد فارا في أفغانستان وفي القدس أيضا ... ويبدو أن هناك من هو مغرم بتكرار الأخطاء وجلب المصائب والمآسي من دون بصيرة وهل أقول من دون إحساس بمسؤولية أيضا. ألا تتساءلون لِمَ لا قلق ولا خوف على أنقرة واستانبول مع أن الحكام هناك مناضلون إسلاميون ومستقيمون جدا ؟!.
|
فكر
من يجرؤ على الكلام ؟
أخبار متعلقة