مدخل إلى السينما في اليمن (2)
نجوى عبدالقادرلكي نبدأ حديثنا عن السينما في اليمن لابد لنا أولاً ، من وضع مقدمة عن أهمية السينما كفن واداة ثقافية تشمل الأدب والتاريخ والموسيقى .. قدمت للمشاهد أعظم الأعمال الروائية في قالب فني بصري بما أنتجت من أفلام تحمل مشاهد وصور تعكس حياة مرحلة من مراحل هذا العصر أو ذاك ونقلت السينما المشاهد إلى عوالم بعيدة تعرف خلالها على كثير من العادات والتقاليد والرقص والغناء وجميع أنواع الفنون بما في ذلك أنواع الملبوسات والمقتنيات الضرورية وغير الضرورية للانسان في جميع بلدان العالم .. وهذا تأكيد على ان السينما شاهد على العصر.. وهي ايضاً فن بصري يعتمد اساساً على التكوين في الصورة السينمائية .إذن فالسينما ليست موضوعاً أو رواية وليست سيناريو وتمثيلاً للمواقف فحسب .. لكن هناك خصائص مهمة في العمل السينمائي.. كالتصوير والاضاءة والألوان والديكور والموسيقى وغيرها من مكونات الكادر السينمائي الجمالي والشكلي .. مما يجعل هذا العمل الفني المتكامل يتم وفق رؤية سينمائية فنية محددة وواضحة .قدمت السينما كثيراً من الحقائق السياسية والاجتماعية أكثر مما جاء به كل السياسيين المحترفين والدعاة والوعاظ مجتمعين .حولت السينما روائع الاعمال الأدبية الروائية إلى مشاهد فنية محسوسة من خلال التمثيل بالصورة والصوت فضلاً عن الموسيقى والحركة والاضاءات الفنية الكثيرة .عالجت السينما عدداً من القضايا الاجتماعية التي تلامس حياتهم اليومية .. فتطرقت إلى مشاكل الشباب والعمال وأزمات البطالة .. ونضال العمال من اجل كسب حقوقهم الضائعة .. كما كشفت كثيراً من الالاعيب وأنواع الفساد والرشوة والمحسوبية والأهم من ذلك التلاعب بالقوانين .. وغير ذلك من الممارسات الخاطئة التي تعرقل مسيرة الفرد والمجتمع ، وقدمت كثيراً من الحقائق دون تزييف أو تشويه .كما ناقشت السينما أهم المواضيع التي تهم المجتمع فتعرضت لمشاكل الفقر والجهل والجوع والمرض .. وخاصة في البلدان النامية .. فعرضت مشاكل التعليم والامية ـ الاحوال الصحية ـ مشاكل السكن والمواصلات ـ كما قدمت لنا نماذج من مشاكل الإنسان مع مجتمعه فقد ابدعت السينما في تصوير مشاكل الانسان مع البيئة والطبيعة وصراع الانسان مع هذه الكوارث كالزلازل والفيضانات .هكذا كانت بدايات السينما تفضح الممارسات الخاطئة لارباب العمل ومعاناة العمل والفلاحين وقدمت نماذج من اساليبهم في معاملة الفرد واستغلال جهود الايدي العاملة .. وكان هدف السينما الكشف عن الحقائق التي نسمع عنها ولانراها ، فقدمت نماذج وصوراً للسجون والمعتقلات السياسية .. والاحباطات النفسية التي يتعرض لها الانسان في أماكن كثيرة من العالم ،كما صورت السينما نماذج للحروب ونتائجها ومخلفاتها .. واشكالاً من نضالات الشعوب ضد الاستعمار والعنصرية .وهكذا استطاعت السنيما ان تحقق نجاحاً متصاعداً وخاصة في مرحلة ماقبل ظهور الفيديو والقنوات الفضائية المتعددة .وقد كسبت السينما نجاحها من أقدميتها ومن أهدافها النبيلة التي شكلت بداياتها حتى وصلت إلى قمة ازدهارها وتطورها .. خاصة بعد أن تطورت الإمكانيات السينمائية .. وعرفت أنواعاً جديدة من الأفلام : كالفيلم الكوميدي ، والفيلم الاستعراضي ثم تطورت ايضاً لتشمل أفلام الخيال العلمي وافلام الغزو الفضائي وافلام الرعب .. وأفلام الاثارة والتشويق وكل تلك المسميات الاخيرة التي تعمل بتنافس سريع من اجل بقاء السينما كفن لايمكن الاستغناء عنه ، خاصة وقد اصبح للسينما مدناً خاصة بها وصناعات تمتلكها السينما وحدها دون غيرها من الفنون.الفن السابع يتراجع وينحسر ..كانت سنوات الثلاثينات والاربعينات والخمسينات ثم الستينات حتى بداية السبعينات من القرن الماضي تمثل السنوات الذهبية الحافلة بالامجاد السينمائية التي جعلت منها الفن الاكثر شيوعاً وشعبية .ونتيجة لانحسار الفن السابع أو فن السينما الذي اخذ ينحسر مع بداية الثمانينات ، كان ذلك بسبب اختراع الفيديو الذي عم العالم كله .. ومع هذا فقد أخذت السينما تناضل وتصارع من اجل بقائها سيدة الفنون .هل تراجعت السنيما بحسب انتشار التلفزيون أولاً ثم الفيديو ثانيا ً ؟لم تتخاذل السينما أمام الانجازات الحديثة وان كان عدد رواد السنيما قد بدأ بالعد التنازلي .. واخذت صناعة السينما تتجه نحو تغيير نمط الانتاج السينمائي باتجاه اعمال أكثر إثاره وتشويقاً لانتزاع المشاهد من امام التلفزيون والفيديو إلى صالات العرض السينمائي .. وهنا ظهرت اعداد من الافلام الكبيرة في ضخامتها وبهرجها وضجيجها فجاءت سلسلة افلام اكثر قوة وضجة مثل فيلم (المطار) ثم ( المطار70) ( المطار 75) (المطار 77) و ( المطار 80) .وحققت أفلام الاثارة والتشويق أعلى الارباح واكثر شهرة وبلغت ارباحها ارقاماً خيالية .. وهذا ما استدعى صناع السينما إلى خلق مثل هذه الافلام فكان فيلم ( الفك المفترس ) فيلم (الكوبرا) وفيلم ( الزلزال) وفيلم ( حديقة الديناصورات ) .ومن الافلام السينمائية التي تعمل من اجل بقائها .. كما جاء في مقالة للاستاذ والناقد السينمائي سعيد عولقي بعنوان (سينما الصراع من اجل البقاء ) لاننسى افلام الرعب وافلام الفضاء والكواكب والنجوم واشهرها سلسلة افلام ( حرب النجوم ) الاكثر شهرة والاضخم انتاجاً وعلى نسقها ابتكرت العاب ( الاتاري ) والكمبيوتر وصنعت اللعب والدمى والملبوسات الدعائية وفي المدة نفسها انتجت افلام ما بعد القيامة نتيجة للنجاح الكاسح الذي حققه فيلم ( ماكس المجنون ) باجزائه المتعددة ، وظهرت عشرات الافلام المقلدة لتدور في الاتجاه نفسه والفكرة نفسها .كما جاءت افلام الرعب لتضمن السينما مشوارها من اجل البقاء فكان اشهر هذه الافلام ( طارد الارواح الشريرة ) الذي انتج من هذا الفيلم الجزء الثاني والثالث وقلدته أفلام عدة اخرى باسماء مختلفة .ولايمكن أن نتجاهل ما وصلت إليه السينما في الآونة الاخيرة من التفاهات في مجموعة أفلام الابطال الخارقين الذين تحولت اسماؤهم إلى ابطال اسطوريين مثل أفلام (السوبر مان ) وفيلم اشتهر فيه (رامبو) اسم الفيلم الحقيقي وهو فيلم (الدم الأول ) ثم فيلم ( الدخول إلى التنين ) الذي اشتهر فيه الصيني ( بروس لي ) بطل أفلام الكاراتية . وظلت هذه الاسماء الواحدة تلو الاخرى يحفظها الصغار ويعشقونها لما تمثل لهم من ابطال خارقين وقد عرف من بين هذه الاسماء ايضاً ( بات مان ) أو الرجل الوطواط و (زورو) وغيرها من الاسماء لابطال اسطوريين .ومع ظهور مثل هذه الافلام التي تخترع لنا بطلاً خارقاً ، ازدهرت معها ايضاً مسلسلات الرسوم المتحركة للاطفال وذلك لرواج مثل هذه الخوارق بين الاطفال الذين لم تكتمل عقولهم الصغيرة بعد .ورغم كل تلك التفاهات الاخيرة التي انتجتها السينما إلا ان هناك سينما عالمية فكراً وفناً ولاتزال تقدم عدداً من الافلام الراقية التي تناقش قضايا الواقع وقضايا الناس ومشاكلهم وهي تقدم من خلال مخرجيها القلائل نماذج سينمائية واقعية وعقلانية .. وتقدم فناً متميزاً وقيماً .. بعيدة عن الدعاية والكذب والتشويش .* هامش : سعيد عولقي ـ سينما الصراع من اجل البقاءالثقافة العدد السادساغسطس/ سبتمبر 1993م