بعد أربعة عقود ونصف من الثورة اليمنية
[c1]* الكاتب والمفكر اليمني/ عبد الباري طاهر في حوار مع (14أكتوبر) : الحداثة في اليمن لا تزال وافدة ومحاصرة والمجتمع التقليدي أقوى من مجتمع الحداثة[/c]لقاء/ وردة العواضيأسئلة لم نطرحها من قبل.. عن ماهية ثقافة الثورة التي كان يحملها الثوار اليمنيون وهل حملت الثورة اليمنية ثقافة جديدة للشعب؟! وحصل بسببها تغيير جذري للشعب اليمني؟!اليوم ونحن بعد أربعة عقود ونصف من الثورة اليمنية نناقش هذا الموضوع المثير في حوار صريح مع الأستاذ/ عبد الباري طاهر الباحث في مركز الدراسات والبحوث اليمني والكاتب الصحفي المعروف فإلى محتوى هذا اللقاء :[c1]الثقافة والثورة* ما هي الثقافة التي كان يحملها الثوار، وهل حملت الثورة اليمنية ثقافة للمجتمع؟[/c]- لاشك في أن الثوار إذا ما قرأنا تجربة الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر، نلاحظ أن معظم الثوار هم طلاب مدارس متخرجون من مدارس حديثة حيث كانت المدراس في صنعاء وعدن بنموذج حديث ودراسة حديثة ترتبط بالعصر وتطورات العصر ويغلب عليها الاتجاه القومي والاتجاه العلمي والحداثي، فكان هؤلاء الطلاب الذين هم من خريجي المدارس الثانوية والإعدادية والذين التحقوا بعد ذلك بالكليات العسكرية يحملون الفكر الجديد الآتي من مصر والشام ومن الكتب الحديثة، ومن التواصل مع الاتحاد السوفييتي وفرنسا وبريطانيا، ولكن معظم هؤلاء الشباب الذين تعلموا الدراسات الحديثة والعلم الحديث كانوا يعيشون في واقع متخلف وواقع معزول ومغلق، فالذي لا يعرف صنعاء في الخمسينات والستينات لا يستطيع أن يقدر الحدث الذي حصل بعد 1962م، وأيضاً الذي لم يعرف عدن في الأربعينات والخمسينات ومحميات الجنوب لا يستطيع أن يدرك التطورات التي حصلت منذ 14 أكتوبر 1963م فهؤلاء الشباب كانت لديهم ثقافة تنتمي إلى العصر ولكن ليس بذلك العمق ولا بذلك التطور، لأنهم أيضاً في مجتمع معزول ومجتمع متخلف ومجتمع منغلق وكان لديهم ثقافة مزدوجة جزء منها من الموروث الآتي من البيئة القديمة المتخلفة والرجعية وجزء آتٍ من العصر، ومن هنا عندما قامت الثورة كانت شعاراتها ربما تنتمي إلى النصر وإلى الثورة القومية أكثر من ما تنتمي إلى طبيعة التطورات داخل المجتمع اليمني، ومن هنا واجهت الصعوبات والمشاكل والحرب الضارية، ولا شك أن الحرب التي استمرت في الشمال من 1962 - 1968م، وفي الجنوب استمرت إلى السبعينات قد أعاقت الحداثة والتطور وشكلت عامل تلجيم وكبح للتطور في الثورة اليمنية، ورغم أن الثقافة العصرية المتواضعة والمحصورة للثورة اليمنية فهي لاتختلف عن حال شقيقاتها من البلدان العربية وتحديداً في مصر وسوريا والعراق والجزائر، لذلك ما أن انتكست الثورة العربية في مصر وسوريا، كان هناك تراجع في اليمن حيث حصل انقلاب في 5 نوفمبر وهو انقلاب يتسم بالمحافظة والتقليد أكثر مما ينتمي إلى الحداثة والعلمانية، وكانت الانجازات التي تحققت في المستوى الثقافي آنذاك في الثورة اليمنية ظلت محاصرة ومحصورة، ونلاحظ ذلك حتى اليوم بعد مرور نصف قرن على الثورة اليمنية نجد أن التغيير والحداثة والعلمنة والعقلانية لا تزال محاصرة، فلم يحصل تغيير جوهري وجذري وشامل شأنه من شأن المنطقة العربية ولكن اليمن ربما تكون أكثر صعوبة لأسباب عديدة تأتي في مقدمتها تركيبة المجتمع التقليدي أقوى من مجتمع الحداثة (مؤسسات المجتمع المدني سواء الأحزاب أو الصحافة أو الجمعيات والنقابات المختلفة) فالحداثة في اليمن لا تزال وافدة ولا تزال محاصرة ولا تزال البيئة التقليدية والبيئة المتخلفة هي السائدة، وبإمكانك أن تلاحظي هذا كصحافية من خلال نشاطك اليومي الصحافي وعلاقتك أيضاً بالهيئات والنخبة السياسية والمثقفة، أيضاً الناشطة في المجال المدني والإبداعي ما تزال هي الأخرى محدودة التأثير.[c1]التعليم والتغيير* هذا يعني أن التعليم لم يلعب دوره في تغيير السلوك؟[/c]- هذا صحيح، وللأسف الشديد أيضاً هيمنة التعليم التقليدي له دور فالتعليم الحديث الذي كان موجوداً في عدن في الأربعينات والخمسينات، ووجد أيضاً في صنعاء في الخمسينات والستينات تراجع كثيراً وأصبح التعليم ذا طابع ديني سلفي وسياسي مؤدلج ويتسم بقدر كبير من المحافظة ويرفض كل جديد وتجديد، فالتغيير الذي عمله التعليم تغيير محدود وهو أن الأمية كانت في الستينات في صفوف الرجال والنساء شبه كاملة، تتجاوز 90 من الرجال وشبه كاملة لدى النساء، لكن الآن نسبة المتعلمات من النساء ما يقرب 20 والمتعلمين من الرجال يتجاوز 30.[c1]تراجع الثقافة* ما هي أسباب عدم انتعاش الثقافة بين صفوف المتعلمين، هل هي بسبب انتشار نمط معين من الكتب وعدم توفر الكتب التي تخاطب جميع الفئات بمختلف أعمارهم؟[/c]- هذا صحيح وهو جزء من السبب، فإذا لاحظت الآن ستجدين أن الكتاب السائد والمنتشر سواء في المكتبات أو في معارض الكتب، هو الكتاب التقليدي، بينما كتب الحداثة والعصر أصبحت غير موجودة، فالموجود في المكتبات وفي دور الكتب وفي معارض الكتاب السنوية التي تقام هو الكتاب السلفي والكتاب التقليدي ولكن هذا جزء واحد من السبب، فهناك أيضاً الكتاب المدرسي الذي من المفترض أن يساهم في صناعة الثقافة بين الطلاب وهو مهم جداً، فالكتاب المدرسي هو كتاب يعتمد في أغلبه على الجانب الديني ويستبعد العلم والمعرفة ويستبعد الثقافة الحقيقية والمنهج العلمي العصري.[c1]حقائق الثورة* بالنسبة للكتب التي كتبت عن الثورة اليمنية هل ذكرت كل حقائق الثورة اليمنية أو هناك حقائق غفلت عنها؟[/c]- هو كتب الكثير عن الثورة ولكن لم يكتب عن ما بقي من تجربة الثورة وهو الشيء الأكثر، وما كتب عن الثورة لم يكن كلها صائباً ولم يكن كله دقيقاً فيغلب عليه كثير من النواقص وكثير من الأخطاء وكثير من العيوب، وللأسف الشديد هذه الكتابات لم تتأدب حتى الآن كتوثيق وتدوين حقيقي ونقد حقيقي أيضاً عن الثورة اليمنية.[c1]* وماذا تعتقد سبب هذا؟[/c]- السبب حتى الآن أنه لم يكن يوجد الاهتمام الكامل بحقائق الثورة، فالناس منصرفون إلى هم آخر وإلى تفكير آخر ولم يهتموا بدراسة تجربتهم بنقدها وباستيحاء العبر منها وبنقد ما هو سلبي فيها وتزكية ما هو عقلاني وصائب، فهذا الجانب بتدوين الحقائق الكاملة عن الثورة، حتى الآن ضعيف إن لم يكن مغيباً.[c1]متطلبات التغيير* ماذا نحتاج لتحصل ثورة ثقافية وتغيير جذري في المجتمع؟ [/c]- البلد بحاجة إلى إقرار بوجود مشكلة حقيقية، المشكلة أن اليمن لا تزال محافظة على سمتها التقليدية رغم القشور الحادثة في التعليم وفي الصحة وفي التربية وفي الخطاب، لكن جوهر المشكلة أن اليمن حافظت على تقليديتها، على تركيبتها القبلية، على تخلفها ونحتاج إلى تغيير شامل؛ تغيير في الجوانب المادية في البناء في الاقتصاد في السياسة وفي الفكر وفي خطاب المسجد وفي خطاب الصحافة الرسمية، يعني تغيير شامل، وهذا يحتاج إلى مزيد من الحرية ومزيد من الديمقراطية لأنه بدون هذه المقومات البلد لن تتغير لأن البلد التخلف فيها كان شاملاً وكاملاً والتغيير الذي حصل في الثورة على مدى نصف قرن لا يزال أثره محدود في عقول ووجدان مشاعر الناس، فلابد أن يكون في حرص من المجتمع ومن مؤسسات المجتمع المدني ومن الدولة أيضاً بأن يحصل تغيير حقيقي في البناء وفي التنمية وفي الثقافة وفي التعليم وفي كل مختلف مناحي الحياة.[c1]دور المثقفين* أين دور المثقفين في قيام نهضة ثقافية، ولماذا لم يؤثروا على المجتمع؟[/c]- دور المثقفين محدود وتأثيرهم بالأساس على المجتمع ضعيف، بسبب وجود أمية أبجدية وأمية معرفية بكم كبير داخل صفوف المجتمع، ومع ذلك حتى دورهم المحدود لم يوظف توظيفاً عقلانياً وحياً لأن المثقفين في عزلة عن الحياة أو عدم تأثيرهم على الآخرين ربما يؤدي إلى الانكسار والانكفاء على الذات، فلم يلعبوا الدور الاهتمامي اليومي بالشأن السياسي وبالقضايا الآنية، ولم يتجهوا بشكل صحيح في المجتمع والبيئة ولذلك دورهم حتى الآن محدود، أما مؤسسات المجتمع الحديث فلا تزال هامشية ومحدودة التأثير.[c1]الثقافة والقات* إذا ما أردنا أن نعرف عدد المثقفين لدينا، كيف يمكن أن نقيس ذلك من خلال الحاضرين إلى مؤسسة العفيف الثقافية؟ [/c]- تستطيعي أن تلاحظي ذلك من خلال الحضور الموجود، فنحن في مؤسسة العفيف نعد في كل يوم في الأسبوع ندوة ثقافية، ولكن ولأن وقت هذه الندوات يتزامن مع وقت القات فلا يأتي حضور كثير، فبسبب القات يتقلص عدد المثقفين وتتراجع الثقافة في البلد، فالرجال والنساء والأطفال يخزنون القات يومياً.