من كتاب القط الأسود وقصص أخرى
لقد قتل آلافاً من الناس وكان أشد فتكا من غيره ، و كانت الدماء هي غايته من هذا القتل وطابعه المميز، أما الآلام المبرحة فكانت وسيلته في تعذيب ضحاياه ، فقد كان يأتي بغتة من دون سابق إنذار و يقفز فوق جسد ووجه ضحيته ممزقا إياه إربا إربا، و كانت من أهم أعراض ظهوره هو النزيف الحاد ، فلا يكاد يظهر هذا النزيف حتى يفقد الأمل في إنقاذ الضحية. كان الأمير بروسبيرو يتمتع بالثراء و الشباب كما كان شجاعا و حكيما ، لكن عندما قُتل الكثير من شعبه ، قرر أن يجمع حوالي ألف من السيدات واللوردات في قلعته الكبيرة و المحصنة و كانوا جميعهم من الشباب الأثرياء ذوي النفوذ، و كانت هذه القلعة الضخمة محاطة بالكامل بحائط يستحيل اختراقه و توجد بهذا الحائط عدد من البوابات الحديدية الضخمة وبعد دخول جميع النبلاء المدعوون إلى القلعة تم إغلاق جميع البوابات المحيطة بها بإحكام وتم التأكد من عدم إمكانية فتحها مرة أخرى. أما بقية أفراد الشعب من الفقراء و المعدمين فكان محظوراً عليهم الدخول إلى القلعة، كما أنهم مسئولون عن حماية أنفسهم. و كانت القلعة- حينها- محصنة تماما بحيث لا يستطيع أحد الدخول إليها أو الخروج منها. كانت القلعة مزودة بالمؤن و الحماية من ذلك القاتل الخطير. و كان من السخف - بعد الآن- الشعور بالخوف والقلق بعد كل هذه التدابير المتخذة. وقد خطط الأمير للعيش بسعادة داخل قلعته الحصينة ظنا منه أنه بمأمن. و كان في القلعة العديد من الممثلين و الموسيقيين والعديد من السيدات الجميلات اللاتي ينتمين للطبقة الراقية ، كما كان هناك الكثير من الشراب حتى تكتمل متعتهم.و لكنه كان هناك....... كان الموت الدموي خلف أسوار القلعة. و استطاع أن يتسلق و أن يصل قمة القلعة في الوقت الذي دعا فيه الأمير العديد من الأصدقاء للحفلة التي أقامها داخل القلعة وكان من المفترض أن تكون من أجمل حفلات السنة التي عودهم عليها الأمير، و كانت عادةً حفلة تنكرية تُرتدى فيها الأقنعة بحيث لا يعرف المدعوون بعضهم بعضا.وقد تم إعداد سبع غرف وتأثيثها تأثيثا فاخرا للحفلة ، كل غرفة كان قد تم طلاؤها بلون مختلف عن الأخرى كما تم طلاء النوافذ بلون متناسق مع لون الغرفة التي توجد بها، فكانت الغرفة الأولى مطلية باللون الأزرق أما نوافذها فكانت بلون بحري ، أما الغرفة الثانية فكانت باللون الأرجواني و كانت نوافذها متناسقة معها، و كانت الغرفة الثالثة مطلية باللون الأخضر والرابعة باللون الأصفر و الخامسة ذات لون برتقالي وكانت الغرفة السادسة مطلية باللون الأبيض ، أما الغرفة السابعة فكانت غريبة فعلا ، كانت كلها مطلية باللون الأسود الفاحم كما أن نوافذها لم تكن متناسقة معها بل كانت مختلفة ، كان لونها أحمر قانياً ، كان مثل لون الدم تماما. كما لم تكن هناك أية أضواء في أي من تلك الغرف، و لكن كان يوجد العديد من المشاعل خارج نوافذ كل غرفة التي اخترقت أشعتها الغرف مكونة حزماً ضوئية غريبة و لكنها براقة. و لكن كان الوضع مختلفاً في الغرفة السابعة، فكانت الحزم الضوئية - التي اخترقت النوافذ الحمراء بلون الدم- ذات شكل رهيب و مفزع، و كان معظم المدعوين يشعرون بالخوف و الرهبة من الدخول إلى تلك الغرفة. كانت هناك ساعة حائط خشبية سوداء كبيرة الحجم في الغرفة السابعة ، و كانت مثبتة في الجهة الغربية من الغرفة، و مع مرور كل ساعة كانت تلك الساعة تدق جرسا ذات صوت موسيقي قوي مفزع ما يجعل الموسيقيين يوقفون عزفهم للاستماع لذلك الصوت الرهيب الذي تصنعه تلك الساعة الغريبة كما كان الراقصون يوقفون رقصهم بنوع من الرهبة ، و كان هناك قليل من التوتر يحدث كلما دقت أجراس تلك الساعة. و بعد أن دقت الساعة دقتها في الليل، بدا المدعون بالابتسام و بعدها نظروا حولهم و اتفقوا على أن لا يجعلوا من جرس تلك الساعة أن يوقف عزفهم و رقصهم في الساعة القادمة ، و لكن بعد ساعة أخرى كان هناك توتر مرة أخرى لسماعهم الرنين الرهيب الذي تطلقه تلك الساعة الغريبة.و بالرغم من ذلك فقد كانت الحفلة التنكرية بهيجة، و كانت السيدات ترتدين ملابس تنكرية رائعة الجمال لكنها في الوقت نفسه كانت غريبة و كذلك كان الحال بالنسبة لملابس النبلاء ، و كان بعضهم يرتدي ملابس تنكرية بهيئات رهيبة وآخرون ذوي هيئات مثيرة للغثيان والاشمئزاز ، و كان النبلاء والسيدات بملابسهم التنكرية أثناء رقصهم يمرون بالغرف السبع و كانوا يتمايلون حسب الموسيقى الصاخبة و كان من الملاحظ بأنه عند حلول الظلام يتناقص عدد الراقصين باتجاه الغرفة السابعة السوداء المضاءة بالأشعة الحمراء الدموية.دقت الساعة معلنة منتصف الليل ، و بعدها توقفت الموسيقى و الراقصون و كان هناك شعور بعدم الاطمئنان بين المدعوين جميعا ، و قبل أن تدق الساعة الثانية عشرة ليلا بقليل ، شاهد بعض الراقصون هيئة غريبة متنكرة لم يرها أحد من قبل وجعلت المدعوين يتهامسون عليها وبعدها بدأت صرخات المدعوين المليئة بالخوف والرعب ترتفع. كانت تلك الهيئة الغريبة طويلة ونحيلة وكانت مغطاة من قمة الرأس إلى أسفل القدم بكفن ابيض ، وكأنها لشخص ميت ، و كان رعب المدعوين ليس فقط بسبب تلك الهيئة البشعة ولكن أيضا لأن تلك الهيئة الغريبة كانت تقلد في حركاتها حركات الموت ، كما كان الكفن ملطخاً ببقع حمراء قانية مثلها مثل الدم ما زاد من بشاعة المنظر.امتقع وجه الأمير بروسبيرو بالخوف و الغضب في آن واحد بمجرد أن وقعت عيناه على تلك الهيئة الرهيبة ، صرخ قائلا بغطرسة و غضب « من يجرؤ على إفساد حفلتنا وإخافتنا على هذا النحو؟» ثم التفت إلى أحد الخدم آمرا « اقبض عليه ، و انزع عنه قناعه هذا لنرى من هو ، ونعدمه في الصباح الباكر» ، في هذا الوقت كان الأمير يتكلم وهو في الغرفة ذات اللون الأزرق، و بمجرد أن تحرك بعض الخدم نحو تلك الهيئة الغريبة لم يجرؤ أحد على أن يمد ذراعه حتى يميط اللثام عنها أو حتى يمسكها، بدأت تلك الهيئة الغريبة بالتحرك - من دون أن يعترض طريقها أحد - مارة بالأمير ومن ثم الغرفة الزرقاء فالغرفة الأرجوانية فالخضراء فالصفراء فالغرفة البرتقالية ومن ثم إلى الغرفة البيضاء من دون أن يجرؤ أحد على اعتراض طريقها . جن جنون الأمير ، فأندفع مسرعا مارا بالغرف الست شاهرا سيفه ، وبعدها وصلت تلك الهيئة الغريبة الغرفة السابعة السوداء، و فجأة التفتت باتجاه الأمير وسارت نحوه، وعلت صرخة مدوية وسقط سيف الأمير أرضا وبعدها مباشرة شوهد الأمير و هو صريع بجانب سيفه ، شعر المدعوون بالحزن والغضب الشديد لمقتل أميرهم فالتفتوا باتجاه تلك الهيئة الغريبة و قفزوا جميعهم قفزة واحدة باتجاهها ، و قاموا بنزع قناع تلك الهيئة وتمزيق ثيابها لمعرفة ما بداخلها، ولكنهم تراجعوا مذعورين ، فلم يكن بداخل ذلك الكفن والقناع شخصا أو شيئاً ما.حينها أدركوا بان زائرهم هذا كان هو الموت الدموي ، فقد تسلل إلى الحفلة في تلك القلعة التي كان يعتقد بأنها حصينة ، وكانت تلك الساعة الرهيبة تدق أجراسها كل ساعة ، و بعدها انطفأت المشاعل الموجودة خارج الغرف السبع وحل الظلام الدامس جميع أركان القلعة وعندها بدأ الموت بقتل المدعوين واحداً واحدا. لقد انتصر عليهم جميعا.[c1]* كلية التربية / صبر / قسم اللغة الإنكليزية[/c]