قاتلت وحوصرت وهدمت منازلي لثلاث مرات
حوار/ دبوان عبدالقوي الصوفيالشيخ قائد شويط ليس مجرد شيخ من مشايخ القبائل اليمنية ولا واحداً من رموز المجتمع فحسب، بل هو إلى جانب ذلك، وبما هو أهم تاريخ طويل وحي من النضال الوطني، واسم بارز ولامع في تاريخ اليمن المعاصر شئنا ذلك ام أبينا.من صعدة وبالتحديد من منطقة جبل بني عوير انطلق مبتدئاً حياته بقصة كفاح ثوري جميل لحدث من أهم وأجمل الأحداث في تاريخنا المعاصر، ثورة 26 سبتمبر 1962م.. راهن على الثورة لإيمانه بها كفكرة للخلاص من واقع مزري والارتقاء بهذا الوطن نحو الأفضل.عايش معها اصعب مراحلها.. قاتل وحوصر وشرد وهُدمت منازله لثلاث مرات.. عايش حصار السبعين وشارك فيه.. وكان له الشرف انه ربما كان من أوائل من رفع السلاح دفاعاً عن الثورة بعد حدوثها وهو آخر من رمى هذا السلاح بعد اطمئنانه على نجاحها، على اعتبار أن صعدة كانت آخر معقل للملكيين في بلادنا.انتصرت الثورة لينتصر معها، من أجل أجيال كثيرة متعاقبة ستظل تذكر له ولرفاقه الثوار جميلهم الذي سيسطره التاريخ باحرف من ذهب.لا أعرف إذا كان من حسن حظه أو سوئه انه لم يتقلد مناصب رسمية في الدولة، لكنني على الأقل متأكد من أن ذلك ساهم وسيساهم في بقاء سجله النضالي نقياً وبما يليق باسمه.قائد شويط شخصية كاريزمية وبوجود شعبي كبير يحترمه دون مصلحة، ويقدره دون فائدة.ويعتبر كلامه أوامر، يجب أن تُطاع، دون أن يفرض ذلك عليهم.اسمه ارتبط بالأصالة والشجاعة وقول الحقيقة مهما كانت وفي وجه كائنً من كان.صحيفة (14 أكتوبر) في إطار افراحنا بالذكرى الـ 46 لثورة 26 سبتمبر 1962م التقت الشيخ قائد شويط عضو مجالس الشورى والشعب والنواب سابقاً وذلك في منزله الكائن في محافظة صعدة، ونظراً لمكانته ودوره في ثورة 26 سبتمبر تركت له الصحيفة حرية الحديث دون اسئلة أو مداخلة، إلا باستثناء بسيط، ليتذكر تاريخه مع الثورة، فكانت هذه هي الحصيلة من البداية وحتى النهاية..البداية كانت عن طريق إخواني الكبار ـ وقد توفوا يرحمهم الله ـ كانوا أيام الإمام احمد حميدالدين "عرائف" والعريف هو شيخ العسكر بما يتوازىمع الضابط في أيامنا هذه، وفي أيامها كان كبار القوم جميعهم عرائف عند الإمام.ونظراً لقرب موقعهم من الإمام استطاعوا معرفة حقائقه، مما كوّن لديهم فكرة لما هو واقع وكائن للوطن في تلك الأيام من ظلم وجبروت، مما جعلهم يلتقون بمجموعة من عظماء الثورة، مثل عبدالسلام صبرة وغيره من الثوار ونسقوا معهم.. كنت حينها في مقتبل العمر، كانت صلتي بإخواني تأتي عن طريق الشيخ حميد الأحمر والشيخ حسين بن ناصر وهم الذين قادوا الانقلاب الذي حدث قبل الثورة ـ وهو بمعنى أوضح شبه إنقلاب ـ مما حدا بالإمام إلى قتلهم جميعاً.ولم تمض إلا فترة قليلة حتى قامت الثورة وعاد إخواني إلى محافظة صعدة للقيام بأدوارهم فيها وكان معهم الشيخ قايد مجلي والشيخ فيصل السري والشيخ ابوعبيد وكان دخولهم إليها وهم المعروفون بولائهم للثورة إعلاناً ببدء القتال بين الملكيين والجمهوريين، وبالفعل كان ذلك ما حصل فقد حدثت مشادات بيننا وبين الملكيين ما جعلنا نتجه إلى مركز النظام الملكي، كان في قلعة القشلة الكائنة داخل مدينة صعدة القديمة.. كان معنا ضابط اسمه "مرير" استطعنا معه تشكيل ما يمكن ان نقول عنه بلغة اليوم فرقة أو كتيبة قامت بمحاصرة القشلة التي تعتبر في حينها مركز النظام.بعدها توزعنا عُهد إليّ بمركز الصفراء فيما استولت بقية "سحار" على مدينة صعدة.في مركز مديرية الصفراء وقع قتال عنيف بيننا والملكيين وبعد فترة وجدنا أنفسنا محاصرين في مركز المديرية حصاراً شديداً استمر لمدة شهرين واجهنا خلاله ظروفآ صعبة للغاية، فعلى سبيل المثال اضطررنا إلى شرب المياه الراكدة والآسنة من المدافن، بعد حصار شهرين جاءت قوة لنصرتنا مع المرحوم أمين أبوراح وبقيادة ضابط عسكري اسمه عبدالرحمن الدرسي.. إلى جانب مجموعة من مشايخ برط وحاشد، لم تكن هذه النجدة العسكرية كبيرة أو قوية، كان سلاحها بسيطاً ثلاث أو أربع مدرعات ودبابتان فقط والقليل من السلاح الآلي، وكانت البداية متواضعة إلا أنهم استطاعوا فك الحصار المضروب علينا لنعود معهم إلى المدينة حيث كان يتواجد بقية مشايخ "سحار" حيث كنا قد استطعنا سابقاً الاستيلاء على المدينة وبسط سيطرتنا والغاء النظام السابق بعد قتال هرب خلاله من هرب وتم القبض على البعض وحبسه فيما ارتضى البقية بالنظام الجديد.. كانت تلك هي بدايات الثورة في محافظة صعدة في الوقت الذي كانت العاصمة صنعاء تسير فيه باتجاه الهدوء النسبي.لكن ذلك لم يدم لفترة طويلة فقد استطاع الأمير الحسن إلى جانب أبناء الأمير الحسين أبناء حميد الدين الدخول إلى صعدة، وتم تجميع الكثير من اتباعهم ليتمركزوا في جبل المسلحقات المطل على مدينة صعدة ثم قاموا بتوزيع السلاح على الناس الذين هرعوا بكثرة على ذلك مما منحهم قوة كبيرة استطاعوا بها مرة أخرى محاصرتنا، كان هذه المرة حصاراً شديداً وعنيفاً لم نستطع الفكاك منه إلا مع مجي القوات المصرية إلى المحافظة، والتي قامت في البداية واثناء الحصار بإنزال مظلي ليدور بعد ذلك قتال عنيف ثبتنا خلاله بمساعدة المصريين الذين لا يمكن ان ننكر دورهم الكبير والهام معنا خلال هذه الفترة فقد كانت الكتائب المصرية تعززنا مع اشتداد القتال حتى وصل تعداد اللواء المصري المتواجد في المحافظة إلى رقم يجعله أكبر لواء مصري في اليمن، ذلك لان منطقة صعدة شهدت أكبر وأعنف المعارك دفاعاً عن الجمهورية.وبعد تثبيت الوضع الأمني في صعدة اتجهنا إلى صنعاء للمساهمة فيما يمكن المساهمة به. واستمر هذا الوضع وتكرر فيما بعد كثيراً، نذهب إلى صنعاء إذا اشتدت المعارك فيها للمساهمة، وإذا اشتدت المعارك في صعدة يأتي من يساعدنا من صنعاء.استمر هذا الوضع ست سنوات كانت خلالها الغلبة لنا حتى حدثت نكسة 1967م في مصر، بعدها أعلن الجيش المصري في اليمن عن انسحابه، كنت حينها في صعدة مع القائد المصري في المحافظة في قلعة السنارة حيث كنا قد منحناها لهم للتمركز فيها، قال لي حينها "نحن منسحبون" وكانوا قد لغموا المراكز التي كانوا يستولون عليها حتى لا يتمركز فيها الملكيون، حينها شعرت بغضب شديد خاصة وأنا اسمع الألغام تنفجر لأقول للقائد المصري "الله المستعان كتبت في قلوبنا اليأس.." وكلام كثير أنهم خذلوا الجمهورية، وانه لا ثقة فيهم ولا أمن منهم.. كنت في حالة غضب شديد.. لكنه رد علي "أخي ايش نسوي هذه أوامر لنا بالانسحاب"على أثر هذا الانسحاب قويت شوكة الملكيين ومع دعم كبير كان يصلهم استطاعوا شن الكثير من الغارات علينا وكنا نرد عليهم.. نستولي على منطقة لفترة بسيطة ثم يستولون عليها.. نتراجع إلى صنعاء ثم نعود إلى صعدة ونطردهم منها لفترة بسيطة، يعودون ليجبرونا على التراجع إلى صنعاء، استمرينا على هذا المنوال ست سنوات تخربت خلالها بيوتنا ثلاث مرات.. نعود وننتصر ونقوم ببنائها ثم يعودون لتهديمها وهكذا حتى اشتدت قوة الملكيين لينتصروا وأجبرت حينئذ على التراجع إلى جبل "بني عوير" وهو جبل عال قريب من المدينة ومسقط رأسي لأعيد ترتيب الوضع من جديد.لكن الوضع بشكل عام لم يكن يسير في صالحنا، فالملكيون يزدادون قوة يوماً بعد آخر خاصة مع الدعم المادي والمعنوي المستمر الذي كان يصلهم ويمكنهم من تعزيز وضعهم بينما الدعم الوحيد الذي كنا نحصل عليه هو من مصر وكان قد ألغي بعد نكسة 1967م وما تبعها من انسحاب للجيش المصري.وبمرور الوقت كان الملكيون يستولون على المزيد من المناطق ويبسطون سيطرتهم عليها، وكان حينها "ابن الحسن" في منطقة حرف سفيان ومع القوة المستمرة للملكيين خاف الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر من وقوع مدينة حوث في يده فخرج لملاقاته واستطاع ان يطرده من الحرف إلى صعدة.دار في تفكيرنا نحن ان نقطع طريق العودة إلى صعدة على "ابن الحسن"، لكنه استطاع عن طريق دائري أن يتجاوزنا ويعود إلى المدينة، مما زاد ذلك المزيد من القوة المضافة للملكيين في صعدة.. كان ذلك في بدايات حصار السبعين حيث وصلت قوة الملكيين في صعدة إلى أوسع مراحلها.. واستطاعت ان تتغلب علينا وتحاصرنا، عندها لم نجد من وسيلة سوى الرضوخ لتدخلات بعض المصلحين الذين طرحوا فكرة "ان الملكية تعود إلى المحافظة وقائد شويط ومن معه يرحلون إلى صنعاء حقناً للدماء".لم يكن لنا من حل سوى الرضوخ تماماً لذلك، فالمعونات كانت قد توقفت عنا تماماً، والحصار أزداد سوءاً.ومازلت أتذكر حتى هذه اللحظة صباح ذلك اليوم الذي بدأنا فيه بالانسحاب إلى صنعاء، كان يوماً أسوداً بالنسبة لنا، كابوساً مريعاً فقدنا فيه الأمل وسلمنا أنفسنا لليأس، بكينا من شدة القهر وفقدنا الأمل تماماً بإمكانية عودة الجمهورية.وفي الطريق التقينا بالشيخ عبدالله بن حسين الأحمر في منطقة حرف سفيان تحركنا باتجاه عمران وكانت حينها منقسمة إلى مناطق جمهورية وأخرى ملكية قلنا لابد من تصفيتها.قال لي الشيخ عبدالله: "ياقائد أنت وجماعتك اتجهوا إلى جنوب منطقة "عيال سريح" وكانت من المناطق الملكية وذلك لتطويقها من الجنوب واحنا من الشمال".كان الوقت عصراً واجبته بالموافقة، لكني خالفت رأيه لأني رأيت أن أصعد الجبل عصراً حتى لا يصل الخبر إلى المقاتلين المتواجدين في عيال سريح فيستولوا على الجبل قبل أن أصل مما يصعب من مهمتي خاصة وأن أفرادي كانوا قلة بينما كان مع الشيخ عبدالله الآلاف من الأفراد.وبالفعل صعدت إلى قمة الجبل، استغليت الفراغ الموجود واستوليت على المكان دون قتال، كان هناك قتال في عمران، فأردت أن أشير لهم بوجودي، كان الوقت ليلآ قمت بإحراق بعض الخشب وعندما رأى الملكيون اشتعال منطقتهم في الجنوب فروا من المنطقة واستطعنا الاستيلاء عليها دون قتال.بعد ذلك دخلنا وادي ظهر واستولينا عليه وحللنا بدار الحجر وزارنا حسين العمري الله يرحمه وكان حينها القائد العام ورئيس الوزراء وحسين الدفعي وزير الدفاع حينها وعبدالرقيب عبدالوهاب نعمان وكان مقاتلاً صادقاً ورجلآ "يسوى الدنيا".بعدها ذهبنا إلى صنعاء ودخلناها بزواملنا وأسلحتنا.. وذهبنا إلى القصر الجمهوري والتقينا بالعمري.كان الحصار يشتد على صنعاء يوم بعد آخر، ومع دخولنا حوصرت بالكامل ومن كل اتجاه، توزعنا كلاً في اتجاه للدفاع عن صنعاء وكان تمركزي مع جماعتي في منطقة سعوان في ظهر حمير وكان يسمى حينها "ظهر حمار".ودار قتال عنيف مع الملكيين وسط حصار عنيف وشديد أدى إلى ظروف صعبة عايشناها من ارتفاع الاسعار وقلة الموارد المعيشية إلى مستوى انعدامها إلى جانب ان العتاد العسكري كان بسيطاً وغير كاف لكن الناس قاتلوا وصبروا وكان للعمري ومجاهد ابوشوارب دور كبير في الصمود والمواصلة.واستمر هذا الحال حتى استطاع احمد العواضي ان يكسر هذا الحصار بعد ان دار من عدن إلى تعز ثم الحديدة ليخترق هذا الحصار عن طريق الحديدة، كان قد جاء ومعه تجار تعز والحديدة ببضائعهم إلى صنعاء ليخلقوا حالة من الهدوء الذي رفع من معنوياتنا، لكن القتال استمر في قوته، وكان قد رحل من صنعاء كل سفراء الدول الأجنبية والعربية إما إلى تعز أو إلى بلدانهم باستثناء سفيري سوريا وروسيا فقط.واستمرت طريق الحديدة هي المتنفس لنا إلا أن الملكيين استطاعوا قطعها في منطقة "الحليلة" وكان هناك شخص اسمه "شردة" هو الذي يتكفل بذلك ميدانياً، تكفلت شخصياً ومع جماعتي بفتح الطريق واستطعنا السيطرة عليها تماماً وبقيت هناك لفترة طويلة.ومازلت أذكر أنه وصلت إلى ميناء الحديدة كتيبة من الدبابات (22 دبابة) واحترنا بكيفية إيصالها إلى صنعاء أثناء قطع الطريق، وفي النهاية لم نستطع إيصالها إلى صنعاء إلا بحرب طاحنة.[c1]- بعد ذلك متى عدت إلى صعدة؟[/c]- بعد فترة طويلة وبعد ان هدأت الأوضاع في صنعاء مع عودتي كانت القوات الملكية مازالت متمركزة في الجبال وفي قلعة السنارة كنت مع الشيخ قايد مجلي والشيخ فيصل السري والشيخ قايد أبو عبيد والشيخ فيصل مناع، كانت ظروفنا في صنعاء صعبة للغاية ومع وصولنا إلى صعدة لم نكن نملك شيئاً، لكننا بالتصميم والإرادة استطعنا تشكيل جبهة من ثلاثين فرد وفرضنا على أنفسنا تدبير تمويل هذه الجبهة، والحقيقة ان هذه الجبهة استطاعت اثارة الرعب بين أوساط الملكيين والاستيلاء على أسلحتهم بالقوة ومقاتلتهم.. تخوفوا وأزداد الضغط عليهم وتشجعنا لنستمر وقد فرضت الظروف الاعتراف بناء وسهل علينا الاستيلاء على صعدة وفروا منها إلى نجران.- أعود بك شيخ قائد إلى المقدمة.. ما هي حكاية المرتزقة التي قيل انها جاءت لتقاتل مع الملكيين؟- بالفعل كان هناك ناس يأتون من مختلف الدول وكانوا يوزعون السلاح على الناس ويدربوهم على القتال وزراعة الألغام وما شابه ذلك؟[c1]- هل التقيتم بهم وجهاً ولوجه؟[/c]- كنا نرسل أفراد يندسون مع بقية الناس للحصول على سلاح ونقل أخبارهم إلينا.. وأذكر انهم حاولوا في احدى المرات زرع الغام لنا في بوابة قلعة السنارة لتفجير أبوابها لانها كانت حصينة واستهدافنا أيضاً لكنهم فشلوا.[c1]- برأيك ما هو دور الجيش المصري في الثورة؟[/c]- بالطبع كان لهم دوراً كبيراً في دعم الثورة ولا يمكن انكار ذلك، كما إن انسحابهم عقب نكسة 1967م سبب سلبياً وبشكل كبير على الثورة.- قبل الختام شيخ قائد.. نود أن نسألك عن بعض الشخصيات الجدلية في تاريخ الثورة اليمنية وحقيقة دورهم من عدمه مثل الدكتور عبدالرحمن البيضاني وغيره.- في الحقيقة معرفتي كانت بجميع الثوار وعلاقاتي بهم طيبة للغاية لكن الدكتور عبدالرحمن البيضاني ليس من رجال الثورة وليس له علاقة بها لا من قريب ولا من بعيد.[c1]- لكن كان نائباً للسلال ووزير الخارجية في بداية الثورة؟[/c]- لم يحدث كل ما اعرفه واستطيع التأكيد عليه انه جاء إلى صنعاء لمدة أسبوعين ثم رحل لأ أقل ولا أكثر./ كلمة أخيرة شيخ قايد شكراً..