أمهات في مـهب الموت !!
تحقيق / فاطمة رشاد - ابتسام العسيري- بلقيس الحنشغصة في الحلق تعتصر قلوب أطفال فرض عليهم اليتم غصبا عنهم بسبب رحيل أمهاتهم اللاتي لم يترك لهن الموت طريقا للبقاء بينهم والسبب في ذلك هو المخاطر التي تتعرض لها الأم أثناء الحمل والولادة وفي النفاس.. فالصراخ والعويل والانتحاب والذهول الذي تشهده عشرات المنازل في اليمن سببه إهمال وتسيب في إنقاذ أمهات من شبح الموت ..أسماء تتكرر كل يوم.. مريم ماتت أثناء الولادة وخلفت خلفها خمسة أطفال تشربهم اليتم، ودنيا تعرضت لمضاعفات فترة حملها وأخرى لم يسعفها الحظ لتصل إلى المركز الصحي البعيد عن قريتها ليعود أهلها يحملون جثثتها .. أو لعلهم عادوا بجثة الاثنين معاً.. حالات لم يغفلها الرقم «365» هذا الرقم الشبح لوفيات الأمهات في اليمن .. ميلاد حزين لطفل غادرته أمه ، ورحيل أكثر حزنا لام خلفت بعدها اليتم . [c1]غصات[/c]الطريق تطول والصراخ يتعالى داخل سيارة ضاقت بالبشر من حول الأخت (و.ن).. ستة عشر عاما هوعمر فرحها في الحياة لم تنعم بحياة زوجية طويلة لتحمل وهي في سن غير مهيأة للإنجاب فلم تكن تعلم أنها على موعد مع شبح الموت بعد ما اضطر أفراد أسرتها إلى أخذها من ريف منطقة يافع في محافظة لحج إلى محافظة عدن كان الطريق طويلاً ووعراً وساعات طويلة قضتها في منزلها تصارع الألم وهي في حملها الأول بعد زواج لم يدم أكثر من عام فعند وصولها إلى المستشفى كانت قد أصيبت بغيبوبة بعد ارتفاع الضغط إلا أن القابلات والطبيبة المناوبة عملن المستحيل لإنقاذها وحدث ذلك إلا أن الطبيبة فوجئت بسوء حالتها والسبب في ذلك إهمال أفراد أسرتها في إخبار الطبيبة أن ابنتهم مصابة بمرض في الدماغ هكذا سرقت الفرحة من شفاههم بعدما حملوا المولودة بين أذرعهم غير أن شبح الموت كان اقرب لان يخطف الأم التي كانت قد دخلت مرحلة الخطروعادت إلى قريتها في يافع جثة هامدة وصغيرتها تحمل يتمها وحدها في قطعة قماش بيضاء..[c1]حيل مفجع[/c]أم احمد لم يمض على ولادتها إلا يومان فقط لتصاب بنزيف حاد لم يستطع الأطباء إيقافه لترحل بصمت وذهول الأطباء الذين وقفوا في حيرة من الأمر فلم تكن هذه هي الولادة الأولى لأم احمد التي تبلغ من العمر 33 عاماً إنها الولادة الــ13 ولم يظهرعليها أي أعراض مرضية أثناء فترة الحمل ولكن عدم جاهزية المستشفى الذي تم نقلها إليه كان السبب في رحيلها.. حالة أم احمد كثيرا ما تحدث في قرى محافظات الجمهورية التي تشكو من بعد المسافة وعدم جاهزيتها لكي تستقبل حالات كهذه.[c1]صرخة ألم[/c]لم تكن رضية تدري ما يخبئ لها القدر ففي حملها الرابع مات جنينها في بطنها بسبب التسمم الحملي الذي أصيبت به ولكن في حملها الخامس كانت على موعد آخر مع القدر فقد أصيبت بتشنجات شديدة ونزيف حاد عند الولادة ما جعلها تدخل إلى غرفة العمليات لكي يجري لها عملية قصيرية، اضطرت الطبيبة إنقاذها والتضحية بالجنين ولكن الأدهى من ذلك أنها لن تنجب بعد اليوم بسبب انفجار الرحم المفاجئ الذي حدث لها .. كانت هذه هي المأساة التي انتظرتها بعد خروجها. [c1] حلم مهزوز [/c]كأي أم حامل غادرت منزلها لتلد في أحد مستشفيات محافظة حضرموت .. ذهبت وهي تأمل الفرح في أخذ وليدها الأول لتتكرر العملية في حمل أول وثان وثالث ولكن القدر لم يمنحها هذه الأمنية إلا مرة واحدة ، عمرها لم يتجاوز العشرين لكي تتعرض لإهمال لا حدود له بسبب خطأ طبي سبب لها انفجارا في الرحم لتصير بلا أمومتها تحمل طفلا واحدا ترسم به أحلام الغد بخوف من أن تفقده .[c1]بعد فوات الأوان[/c]القابلة منال غالب تقول : من خلال عملي في مهنة التوليد مرت حالات أبكتنا فعلا بسبب إهمال الزوج في متابعة صحة زوجته أثناء الحمل لان الولادة تأتي بعدما تتعدى المرأة خطورة الحمل مع أن الخطورة تظل حتى بعد الولادة لان هناك تحدث مضاعفات للمرأة وأهمها النزيف والحمى الولادية التي تصاب بها كثير من النساء ولقد شهدنا حالات مؤلمة فمنهن من تأتي إلينا ووضعها خطر جداً بسبب إهمال الأهل أو القابلة التي تولدها في المنزل وهناك من تأتي ألينا وهي تصارع الموت وهذا يحدث للحوامل الصغيرات اللاتي يأتين من مناطق بعيدة خاصة القرى.ما يؤلمنا هو عودة الزوج من دون زوجته شريكته في الحياة والتي لم يمر مثلا على زواجهما أكثر من عام أو أن يعود وقد فقد الأم والجنين فمثل هذه المواقف التي نشاهدها تؤلمنا ولكننا لا نقصرفي أداء واجبنا في إنقاذ الأم والجنين.وأما الأخت كاتبة علي التي تعمل في مجال التوليد منذ أكثر من 19 عامـا فلم تختلف عن غيرها من القابلات حول حالات النزيف وانفجار الرحم التي تصل إلى المستشفى فتقول : تصل إلينا حالات قد انفجر الرحم فيها وهنا تكون المرأة الأم قد دخلت مرحلة الخطورة وانصح الناس بالتعامل مع المرأة الحامل والموشكة على الولادة بحذر وحيطة وإسعافها إلى المستشفى قبل فوات الأوان لان الأطباء لدينا يعملون جهدهم في الحفاظ على حياة الأمهات و في المستشفى يتم عمل اللازم عند حدوث أي طارئ فمثلاً جاءتنا حالة كانت مستقرة وفجأة وجد الأطباء أن الضغط ينخفض فدخلت من مرحلة الاستقرار إلى الخطورة و في لحظة و كان الأطباء حولها وحاولوا توليدها ونجحوا ولكن للأسف ماتت الأم والجنين لهذا لابد أن يعلم الناس أن هناك حالات طارئة قد تحدث للام الحامل في أي لحظة والكشف المبكر والمستمر والإسعاف السريع مهم لحياتها.رئيس الجمعية الوطنية للقابلات اليمنيات سعاد قاسم صالح تقول: لا توجد قابلة مؤهلة في كل قرية ونسبة الولادات التي تتم في المنازل تصل إلى 87 بالمائة والاحتياج العاجل من القابلات «5000» قابلة في أمانة العاصمة من إجمالي عدد الاحتياج المقرر بعشرين ألف قابلة إلا انه يوجد في الوقت الراهن قابلة فقط لكل(21) ألف امرأة في بعض المحافظات اليمنية ، وقابلة لكل (900) امرأة في أمانة العاصمة لوحدها.[c1]الموت المجاني[/c]يذكر الأطباء المختصون أن هناك ثلاثة أسباب لوفيات الأمهات في اليمن هي تأخر اتخاذ قرار إسعاف الأم الحامل وتأخر وصول المسعفة إلى المركز الصحي بسبب بعد المسافة ووعورة الطريق وثالثها تأخر تقديم الخدمات الصحية تقول الدكتورة ابتسام المعاري - اختصاصية نساء وتوليد في مستشفى السبعين بصنعاء : نقص الإمكانيات من المواد الطبية اللازمة «علبة التوليد» مثل القفازات الطبية والحقن، وكذلك عدم توفر فصائل الدم لدى المستشفى تؤدي إلى كوارث خاصة وان الزوج يعجز عن شراء العقاقير والمستلزمات الصحية الخاصة بالولادة ومابعد الولادة وهذا يؤخرعلاج الحالة ويسبب مضاعفات بعد الولادة مايستدعي إسعافهن وغالباً مايكون اتخاذ ذلك الإجراء متأخراً وهوما يساهم في حدوث مضاعفات إما نزيف حاد أوانفجار في الرحم أو حمى وهذه مشاكل تؤدي إلى الوفاة في حالة التأخر بالإسعاف.أما لدكتورة لمياء القباطي استشارية أمراض نساء وولادة وعقم - دكتوراه في النساء والتوليد في مستشفى الثورة بصنعاء تحدثت قائلة : لابد من العلم أن حالات الخطورة بالنسبة للمرأة الحامل في البلدان النامية تتمثل في النزيف بعد الولادة وبالتالي تزداد نسبة الوفيات للنساء الحوامل إضافة إلى الضغط مع الحمل.وهناك حالة الجلطة الصدرية التي قد توجد في الدول المتقدمة لان النزيف أو الضغط قد تجاوزتها تلك الدول لكن عندما نتحدث عن حالات الخطورة للمرأة سواء أثناء الحمل أو الولادة أو بعدها فكثير من الحالات تصل إلينا متأخرة وقد تتوفى الأمهات بسبب النزيف وعدم إسعاف المرأة بسرعة وقد يكون بسبب السكن الذي قد يبعد عن المركز الصحي بمسافات طويلة ولهذا أريد أن أقول إن المراة الحامل عندما يكون الحمل هو الأول لها أي كما نسميه ( البكر) هناك خطورة لابد أن تعيها الأسر والولادة البكرية لابد وأن تتم في المستشفى لان هناك مخاطر كثيرة قد تصادف أثناء التوليد فيما إذا كانت الولادة منزلية كما تقول الأخت لمياء القباطي وتضيف قائلة : أحياناً تأتينا حالات قد تمت لها الولادة من قبل في المنزل فقد تلد الأول والثاني والثالث دون مشاكل لكن في مولودها الرابع قد يحدث تعسر للام ومن ثم نزيف . وتضيف القباطي بقولها : تأتينا حالات تكون فاقدة للوعي ونجد صعوبة في إنقاذها فتموت والسبب أنها تأتينا متأخرة سواء كانت قادمة من الأرياف أو حتى من الأمانة.ولكن اغلب الحالات الخطرة تأتينا من القرى فقد تصل إلينا الأم مصابة بالتشنج الحملي والذي يكون سببه ارتفاع ضغط الدم وقد تتكرر حالات التشنج فتصل الأم إلى الغيبوبة وهنا نضطر إلى إنهاء الحمل حفاظاً على سلامتها. أهم شيء أريد قوله : هو كلما تأخرت الحالة ازدادت الخطورة على حياتها لهذا لابد للحامل أن تتابع وتزور المراكز الصحية أثناء الحمل تحسبا لأي طارئ كما أن المتابعة المستمرة تظهر للطبيب مثلا حالة الضغط العادية أو الشديدة وبالتالي نستطيع عمل اللازم ففكرة المتابعة للمرأة الحامل للمراكز الصحية تقلل الوقوع في مرحلة الخطر.أما النساء المصابات بأمراض مزمنة مثل القلب والسكري فهن معرضات للمضاعفات هن وأولادهن وفي هذه الحالة فإن المتابعة المستمرة مهمة وضرورية حتى وان كانت الولادة تتم في البيت لابد وان تكون القابلة التي تقوم بعملية التوليد ذات خبرة ومعترفا بها لأنها ستعرف ما إذا كانت هذه الولادة طبيعية أو متعسرة وأنا أفضل الولادة تكون في المستشفى خاصة للبكرية وحتى نتجنب الوقوع في خطر سواء كان نزيفاً أو انفجارا في الرحم فبعض القابلات يستمررن في توليد حالة تكون أصلاً متعسرة فلقد وصلت إلينا حالة كانت قد وصلت إلى مرحلة انفجار في الرحم لان القابلة في المنزل أعطتها حقنة طلق ، أو قد تحدث حمى النفاس والتي تأتي بعد الولادة ويكون سببها استخدام أدوات غير معقمة وكذلك بقايا من المشيمة في بطن الأم .وختمت حديثها بضرورة الاهتمام بالمرأة الحامل من خلال الزيادة المتكررة للمراكز الصحية كذلك الاهتمام بإسعافها قبل أن تتطور الحالة إلى مرحلة الخطورة أثناء الوضع إضافة إلى أهمية الاهتمام بها بعد الوضع . [c1]مراكز رعاية الأمومة في عدن [/c]بحسب إحصائيات أفادتنا بها الأخت نادية سعد قائد مدير مكتب الرعاية الأولية في محافظة عدن توفيت ( 9 ) نساء من بين ( 9274 ) ولادة حية خلال العام الماضي ولعل محافظة عدن التي يوجد فيها مستشفيان شاملان رئيسان خاصان بالتوليد و( 5 ) وحدات صحية للتوليد الطبيعي بالإضافة إلى ( 20 ) مركزا لتقديم الرعاية الصحية للحامل تتوزع على كافة مديريات المحافظة تكون أفضل حالا بالرغم من تكرار اغلب المسببات لوفيات الأمهات . [c1]المشكلة في أرقام[/c]يذكر مؤشر المسح الديموجرافي لصحة الأسرة في اليمن أن عدد وفيات الأمهات في اليمن ( 365 ) لكل مائةألف ولادة حية رقم يجب التركيز عليه عدم إغفاله من قبل الجميع لأنه مسؤولية عامة يجب التنبه إلى أهميتها وخطورة إغفالها ، والعمل على تفعيل العوامل التي تخفض هذا الرقم المخيف خلال السنوات الست القادمة بهدف تحقيق إستراتيجية الألفية التي وضعتها وزارة الصحة العامة والسكان لتخفيض وفيات الأمهات إلى ( 75 ) حالة لكل ( 100) ألف حالة حية بحلول العام 2015م ، إن موت ( 365) حالة لكل ( 100,000) ولادة حية أي بمعدل ( 2000) حالة وفاة للأمهات في العام و (7 )حالات وفاة في اليوم الواحد!! يشكل نسبة كبيرة من الوفيات بين النساء في سن الإنجاب ( 15 - 45 ) سنة ، وبمقارنتها مع الدول العربية لإقليم شرق المتوسط - مصر ، السودان .. الخ - وكذلك العالم ، يتضح أنها واحدة من أعلى المعدلات.. ففي دول إقليم شرق المتوسط : ما يقارب من ( 175)وفاة بين الأمهات لكل ( 100.000 ) ولادة حية. . أما في الدول المتقدمة: لا يزيد معدل وفيات الأمهات عن (9) حالات وفاة لكل (100.000) ولادة حية.[c1]الحل [/c]وبحسب الدكتورة جميلة الراعبي وكيلة وزارة الصحة العامة والسكان « فإن خفض معدل وفيات الأمهات محدد بثلاث اتجاهات وهي مساعدة المجتمع وتدريب الكادر الصحي وتكثيف التوعية بالمعلومات الصحيحة « ، .. غير أن الدكتورة أنهار عبد الوارث وتوافقها الدكتورة ابتسام المعري و الدكتورة نادية سعد قائد بأن عدم توفر الخدمات الصحية الكاملة وكذا الكادر المؤهل الملتزم يشكل عائقا دون تحقيق ذلك .