أضواء
حمزة قبلان المزيني كتب الباحثان في علم النفس، جيمي بارلت ومايكل كنج، مقالا في مجلة prospect البريطانية بعنوان “رخصة للقتل” (أبريل 2009)، ناقشا فيه استهواء الإثارة الناجمة عن “الجهاد” لـ”الشباب” المسلمين، وهو ما يوجب على الحكومات أن تجعل “القاعدة” تبدو مملة لئلا يعود الانتماء إليها مغريا.يقول الباحثان إن الحكومات الغربية مغرمة ببرامج مكافحة التطرف التي تهدف إلى إبعاد الشباب عن المتطرفين “الإسلاميين”. فيرغب الحمائم في بريطانيا أن يوجهوا اهتمامهم نحو مؤيدي التطرف العنيف، لكنهم لا يمانعون أن يغضوا الطرف عن جماعات أكثر تطرفا من أجل احتواء المسلمين ـ بل إنهم يعملون مع تلك الجماعات. أما الصقور في الحكومة الآن فيرغبون في انتهاج مسلك أكثر تشددا، في مواجهة أعداء الديموقراطية. وتسعى الاستراتيجية الحكومية الجديدة إلى تأكيد الحاجة إلى البحث عن القيم المشتركة (بين الغرب والمسلمين). لكن هذه المقاربة ـ وإن كانت إيجابية عموما ـ لن تنجح لعدم فهم السبب الذي يجعل التطرف العنيف على هذه الدرجة من الإغراء. ويعرض الباحثان إلى الحالة البريطانية التي تشهد بالإجماع على أن الشباب المسلمين المحبَطين يكافِحون من أجل الموازنة بين هوياتهم المتعددة، ويجدون العزاء في النظرة الثنائية للعالم التي تقدمها مجموعات كـ”القاعدة”. ويسمح الغرب باسم التعددية الثقافية للخطباء المتطرفين بأن يدفعوا هؤلاء الشباب الغاضبين إلى مناصبته العداء.لكن هناك أسبابا أخرى، بل إن هذه الأسباب ليست إلا جزءا من القصة. فالعنف المتطرف يُغري لأنه يوفر للشباب الشعور بالمغامرة والإثارة والشهرة. فقد أوضحت الأبحاث الأخيرة التي دَرست الشبكاتِ المتطرفة أن أعضاء الشبكات في المجموعات الإرهابية غالبا ما يكونون من صغار السن ولا يتمتعون إلا بمعرفة دينية ضحلة لا تتجاوز بعض النتف غير المترابطة من الكتب الجهادية المشهورة.وتحوِّل القاعدةُ الشبابَ المنبوذين ليصبحوا أبطالا مشهورين. فقد فسَّر مراد بن شيلالي، وهو شاب فرنسي، درَّبته القاعدة في أفغانستان سنة 2001، كيف أنه كان يريد أن يتدرب على السلاح، ويختبر قدراته الجسدية و”يقترب من الحرب بشرط ألا يتعرض لكثير من المخاطر”. وتخيَّل أحد الذين اشتركوا مؤخرا في مؤامرة لإحراق بعض النوادي الليلية البريطانية، وكان تدرب في معسكر للقاعدة في باكستان، شيئاً شبيها بالتدريب على الرمي ودروس للهجوم، كالذي رآه في التلفزيون. وكان يتأسف على أن الأمر كان مختلفا عن ذلك كثيرا. واشتكى بعض قيادي القاعدة، كأبي مصعب السوري، من أن كثيرا من الشباب نظروا إلى المعسكرات وكأنها ميادين للمغامرة أو طريقا لتطهير أنفسهم “بعد الأوقات التي قضوها برفقة المومسات في بانكوك”.واستعمل الباحثون في علم النفس في جامعة مونتريال بكندا بعض التمثيلات المخبرية لتقصي دوافع الإرهابيين. وكان يُطلب من المشاركين في التجربة أن يمثِّلوا أدوار أناس من مجموعة أقلوية اختيروا لينفذوا هجوما إرهابيا. ثم يُسألون إن كانوا سيفكرون بإخبار الشرطة، أو بتجاهل مجنِّديهم، أم سيشاركون في المؤامرة؟ وقد حقق الذين يرغبون في المشاركة رقما أعلى على المقياس النفسي لقياس البحث عن الإثارة. ويعرف المجنِّدون هذه الزاوية ويستخدمونها بشكل يشبه الدعاية للرحلات الاستجمامية الرخيصة. فقد عُثر على خطبة في أحد مساجد باريس بعد الحادي عشر من سبتمبر تحض الشباب على حمل السلاح مؤكِّدة أن “الجهاد أفضل من رحلة استجمامية في لوس أنجلوس”.وليست “أفكار القاعدة” هي ما ينبغي تفكيكه في نهاية الأمر، بل “فكرة” القاعدة. وكما برهنت التحذيرات غير المفيدة ضد المخدرات، فإن أي شيء تمنعه الحكومة يمكن أن يصبح مثيرا للشباب. ويكمن مفتاح محاربة فكرة القاعدة في تجريدها من أسطورتها، وتبيين أن اليوم العادي للمتطرف أقرب إلى يوم المجرم العادي منه إلى يوم العميل السري. (وهذا صحيح: ذلك أن سبعة من عشرة من المتطرفين الأوروبيين في معسكرات القاعدة عادوا إلى بلدانهم بسبب التدريب القاسي ولمعاملتهم كالخدم).والطريق الآخر أن تسخر منهم، وهي فكرة تناولها مايكل وولر في كتاب بعنوان “حرب الأفكار كحرب حقيقية” (2007). وبعد ذلك كله فقد خسرت منظمة الكلوكلوكس كلان كثيرا من أعضائها بعد أن سخرت منها إحدى مجلات الأطفال. ويوجب هذا أن نتخلى عن ذكر عضوية المتطرفين العنيفين في القاعدة، بدلا من وصفهم بأنهم “ناشطون”، ونركز على االتخبط التخطيطي الذي تشتهر به المؤامرات الإرهابية. وقد بين رصد جماعة (تورنتو 18) في كندا أن المخططين لا يستطيعون حتى معرفة اسم رئيس الوزراء الكندي الذي كانوا يخططون لمهاجمته. ويقال إن الممثل الفكاهي البريطاني سليط اللسان كريس مورس يخطط لإنتاج فيلم عن الإرهاب الإسلامي. ويمكن أن يحقق نجاحا يفوق ما يحققه الصقور والحمائم مجتمعين.ويمكن الاستفادة مما عرضه الباحثان من أجل السخرية بالخارجين على وطننا وحرمانهم من الشعور بالبطولة. وهو ما نضفيه عليهم بغير قصد. ومن أمثلة ذلك النقاش “الجدّي” الذي قوبل به كتاب “إدارة التوحش” مؤخرا. مع أنه كتاب تافه لا يستحق إلا السخرية.ولنتذكر السخرية المرة التي برع بها الممثل عادل إمام في مقاومة الجماعات الإرهابية المصرية في الثمانينات والتسعينات. وذلك من خلال عرض مسرحياته الساخرة بهم في معاقلهم، وإنتاجه أفلاما مشهورة صورهم فيها بأشكال ساخرة تدعو إلى النفور منهم.وتعد “لغة الجسد” التي يستخدمها زعماء الإرهاب في بياناتهم المصورة ممثًّلَة في حركات أيديهم التائهة وتصوبات رؤوسهم وملابسهم الكاريكاتورية موضوعا جيدا للسخرية منه. وقد عرض التلفزيون السعودي مؤخرا واحدا منهم يصلح نموذجا. فهو بدا مشتت الذهن بائسا. ويمكن مقارنة تمثيله المتعثر الملآن بادعاءاته برؤية الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعمر بن الخطاب (رضي الله عنه) في منامه وهما يعنفانه على فعله، حين ظهر في الفيلم الذي صوِّر حين كان في اليمن. ويظهر فيه ممثلا من الدرجة العاشرة يعوِّض ضآلته بـ”تحمير العيون” وإشارات يديه المتوعدتين اللتين تكشفان عن نفسيته القلقة.ألا تستحق هذه الفكرة إضافتها إلى التدابير الأمنية والمناصحة؟ [c1]* صحيفة (الوطن ) السعودية[/c]