شددت إجراءات استخراج تأشيرات دخول الروس
موسكو/تفليس/14 أكتوبر/اوليج شيدروف: يفسر شعور قوي بأن الغرب حرم موسكو من تحسن في العلاقات كان وعدها به بعد الحرب الباردة الدافع وراء رفض روسيا أن يتم تهديدها بسبب جورجيا ومطالبتها بأن يتم الاستماع لوجهة نظرها. وعلق مسئول بالكرملين قائلا «كان من الممكن أن تكون جورجيا أو شيء آخر لكن كان هناك موقف يمكن وصفه بالقشة التي قصمت ظهر البعير في انتظار الحدوث.» وتابع «لا يمكن أن ننسحب بابتسامة على وجوهنا إلى الأبد.» وأشعل الرد العسكري الروسي على محاولة جورجيا استعادة السيطرة على إقليمي اوسيتيا الجنوبية وابخازيا الانفصاليين اللذين تدعمهما موسكو واعتراف روسيا لاحقا باستقلالهما التكهنات الغربية بأن إمبراطورية سوفيتية ولدت من جديد وبدأت ترد. لكن الأمور تبدو مختلفة تماما من وجهة نظر موسكو المحبطة مما تعتبره إخفاقا من الغرب في وضع العلاقات على قدم المساواة معها ومحاولاته إحاطة موسكو بحاجز واق جديد. ويرجع شعور المرارة إلى عام 1990 حين وافق الرئيس الإصلاحي السوفيتي ميخائيل جورباتشوف الذي كان حريصا على بدء عهد جديد في العلاقات مع الغرب على سحب قوات من ألمانيا الشرقية سابقا وإعطاء الضوء الأخضر لتوحيد ألمانيا. وتقول روسيا إن حلف شمال الأطلسي خلف وعدا مهما. وقال دبلوماسي روسي بارز شارك في المحادثات «شرط موسكو الوحيد كان الا ينشر حلف الأطلسي قوات في ألمانيا الشرقية... قطع الوعد لكن سرعان ما نسي.» ويعترض بعض مسئولي حلف شمال الأطلسي على هذا قائلين إنه لم تقطع أي وعود. وفي الأعوام التالية توترت العلاقات مع الغرب بدرجة اكبر حين أعطى حلف الأطلسي عضويته لدول كانت خاضعة لسيطرة الاتحاد السوفيتي السابق في شرق أوروبا فضلا عن جمهوريات البلطيق السوفيتية السابقة لاتفيا واستونيا وليتوانيا. ومنذ ذلك الحين أصبحت بولندا ودول البلطيق منتقدين لروسيا داخل الحلف الذي تقوده الولايات المتحدة. وفي عام 1999 احتجت روسيا هباء على قصف حلف الأطلسي لبلجراد في حملة عسكرية قادت الغرب في نهاية المطاف إلى الاعتراف باستقلال إقليم كوسوفو عن صربيا في وقت سابق من هذا العام. وشكا مسئولون روس بارزون من أن التعاون بين موسكو والغرب في قضايا عالمية أساسية مثل الحرب ضد الإرهاب وأفغانستان وإيران وكوريا الشمالية لم يترجم إلى تغير نوعي في العلاقات. وصرح رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين -الذي كان رئيسا لروسيا لثماني سنوات حتى مايو الماضي- ذات يوم للصحفيين بأن «هناك شعورا بأن الغرب يعامل روسيا على أنها الخاسر في الحرب الباردة ويجب أن تلعب وفقا لقواعد الفائزين.» وفي التسعينات حين كان الاقتصاد الروسي في حالة سيئة أخفت موسكو كبرياءها. لكن في الأعوام الثمانية الأخيرة سمحت طفرة اقتصادية لروسيا التي نهضت من جديد بلعب دور أكثر ثقة في الاقتصاد العالمي والدبلوماسية الدولية. وقررت روسيا وهي مورد رئيسي للطاقة لأوروبا ومكان مربح للاستثمار أن لديها ما يكفي من الميزات والموارد للحديث بنبرة مختلفة، ولم يلحظ الغرب هذا التغير. وحث بوتين وخليفته ديمتري ميدفيديف الغرب على معاملة روسيا كشريك مساو في سياق اوروبي اوسع نطاقا ومراجعة الترتيبات الأمنية التي تضع مصالحها في الاعتبار، لكن موسكو تقول إن الاحتجاجات الروسية نحيت جانبا مجددا حين قررت واشنطن نشر أجزاء من نظام الدرع الصاروخية الخاص بها في شرق أوروبا. ونظرت موسكو إلى هذه الخطوة على أنها تهديد مباشر لأمنها على الرغم من إصرار الولايات المتحدة على أن المشروع يهدف إلى صد أي هجوم محتمل من جانب إيران ولا يمثل أي تهديد سياسي أو عسكري لروسيا. كما ضغطت الولايات المتحدة بشدة لمنح عضوية حلف الأطلسي لجورجيا وأوكرانيا الأمر الذي يثير استياء روسيا بسبب العلاقات التاريخية العميقة التي تربطها بالبلدين اللذين تشترك معهما في حدود مباشرة. وأرسلت روسيا عدة إشارات تفيد بأن صبرها بدأ ينفد لكن الغرب نحى جانبا كلمة شديدة اللهجة ألقاها بوتين في ميونيخ عام 2007 باعتبارها من قبيل الخطابة وحسب. وعلى نفس المنوال لم يصدر الغرب أي رد فعل على طلقات تحذيرية أخرى أطلقتها موسكو مثل استئناف الطلعات الجوية بقاذفاتها الإستراتيجية فوق المحيط الأطلسي وتجميد التزامات موسكو بموجب اتفاق رئيسي يحد من الأسلحة التقليدية في أوروبا. وأوضح تدخل روسيا في جورجيا أن موسكو وضعت أخيرا خطا احمر. وقال ديمتري روجوزين مندوب روسيا بحلف شمال الأطلسي إن «الاتفاق الودي لم ينجح» مشيرا إلى اتفاقات بين بريطانيا وفرنسا وقعت في أوائل القرن العشرين وأنهت عقودا من العداء والصراع، وأضاف «يجب أن تكون العلاقات الآن عملية.» وتابع قائلا «الأداء الجيد الذي أظهره جيشنا في اوسيتيا أذهل شركاءنا بالفعل... يجب أن نفعل كل شيء للحفاظ على هذا الانطباع وإنهاء إلى الأبد أي إغراء لشركائنا لحل أي مشاكل بالقوة.» على صعيد آخر أعلنت الحكومة الجورجية أمس السبت تشديد إجراءات استخراج تأشيرات دخول المواطنين الروس في أعقاب قرار الكرملين الاعتراف باستقلال إقليمين انفصاليين في جورجيا. وكان الروس يحصلون على تأشيرات دخول جورجيا المجاورة في السابق عند الحدود. وأعلنت وزارة الخارجية الجورجية في بيان أنه اعتبارا من الثامن من سبتمبر لن يحصل الروس على تأشيرات دخول جورجيا سوى من القنصليات والمكاتب الدبلوماسية الجورجية. وستلزم جورجيا المتقدمين بطلب الحصول على تأشيرة بتقديم خطاب دعوة ومن الممكن استخراج تأشيرات للزيارات العائلية والإنسانية ورحلات العمل. وتأتي هذه الخطوة بعد قرار تفليس الجمعة قطع العلاقات الدبلوماسية مع موسكو بسبب دعمها لاستقلال إقليمي أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا الانفصاليين. وقالت الخارجية الجورجية إنها ستبلغ السفير الروسي كتابة بقرار قطاع العلاقات الدبلوماسية قبل أن تستدعي دبلوماسييها من موسكو. وأعلنت روسيا أنها ستغلق سفارتها في تبليسي.