محمد رجب أبو رجب:زحف جيش المسلمين سنة 638م بقيادة عمرو بن العاص لفتح مدينة (كابيتولينا) القدس لكنه لاقى مقاومة عنيفة من الروم بعكس المناطق الأخرى.حاصر عمرو بن العاص بجيش من المسلمين المدينة حصاراً طويلاً وقاسياً ما ا ضطر أهلها إلى طلب الاستسلام فقام البطريك “صفرونيوس” باسم أهل المدينة بإرسال رسالة إلى القائد عمرو بن العاص مع رسول خاص أبلغه أنهم على استعداد لتسليم المدينة دون قتال ولا خسائر لكنهم – أي أهل إيليا – يشترطون تسليمها إلى خليفة المسلمين العادل عمر بن الخطاب شخصياً, فأرسل عمرو بن العاص رسولاً إلى الخليفة عمر بن الخطاب أعلمه شرط أهل المدينة بحضوره فوافق وشد الرحال إلى المدينة لتسلمها.موافقة الخليفة عمر على الذهاب إلى القدس تتبع من أهمية هذه المدينة ومكانتها العظيمة عند الأديان السماوية الثلاث عامة, والإسلام خاصة.لقد تعددت أسماء هذه المدينة عبر التاريخ ففي البداية كانت (أور إسلام) أي بيت الإسلام, أو دار السلام, ومن ثم أورشليم وقديتس وإيليا إلى أن أطلق عليها المسلمون اسم “ القدس” وكل هذه الأسماء معناها العام واحد وهو أن هذه المدينة العبادة والسلام والأمن والطهر والبركات. من هنا جاء الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليتسلم مفاتيح القدس من البطريك“صفرونيوس” ووقع معه وثيقة سميت أو اشتهرت بالوثيقة (العمرية) وهي من الوثائق السياسية المهمة التي جسدت روح الإسلام وتسامحه, واحترامه لإتباع الديانات الأخرى ومقدساتهم, حيث أعطاهم سيدنا عمر الأمان على أنفسهم وكنائسهم ودورهم وصلبانهم وعقيدتهم, ولقد شهد لهذا التسامح الإسلامي مؤرخون من العرب, حيث يصف أحدهم للبابا أوضاع المسيحيين في القدس قائلاً له :( أن المسيحيين والمسلمين واليهود يعيشون في تفاهم ومحبة وأمن), ولهذا يعد الحكم العربي الإسلامي من أزهى المراحل في تاريخ القدس, حيث كان الجميع بغض النظر عن جنسه وعقيدته يؤدون شعائرهم وصلواتهم وطقوسهم بحرية وأمان.وحول قدسية هذه الأرض يقول ابن خلدون :( أعلم أن الله سبحانه وتعالى فضل من الأرض بقاعاً اختصها تشريفه, وجعلها مواطن لعبادته, يضاعف فيها الثواب, وينمو فيها الأجور, من هنا كانت المساجد الثلاث, المسجد الحرام والمسجد الأقصى والمسجد النبوي الشرف من أفضل بقاع الأرض, وقد ثبت في الصحيحين وهما مكة والمدينة وبيت المقدس..).لقد أثبتت آيات قرآنية كثرة قدسية هذه المدينة مباركة الله وتطهيرها من الشرك والوثنية وجعلها خالصة لوجهه الكريم, ومهبط رسالاته, وموضع أنبيائه ورسله لإقامة ديانة التوحيد على أرض المعمورة كلها.أما اليهود الذين حرفوا دين التوحيد الذي جاء به إبراهيم وإسحاق ويعقوب وموسى وهارون وغيرهم, غضب الله عليهم وكتب عليهم الشتات في الأرض لمخالفتهم أوامر الله ورسله, فأفسدوا في الأرض فطردهم الله سبحانه وتعالى وحلهم من الاستخلاف لأنهم نكثوا الشروط التي كتبها الله عليهم في كتبه المنزلة على أنبيائهم ورسلهم.وفي سنة 685م شاد الخليفة عبد الملك بن مروان مسجد قبة الصخرة المشرفة في القدس, كما شاد ابنه الوليد من بعده المسجد الأقصى المبارك, وهما تراثان إسلاميان رائعان في غاية الأبهة والفن والجمال تقابلها كنيسة القيامة المشهورة شادتها هيلانه والدة الإمبراطور الروماني قسطنطين, وحافظ المسلمون على الكنائس محافظتهم على مساجدهم ونشروا العدل والمساواة بين المواطنين كافة.أما الحديث عن الهيكل اليوم, فيقول أكثر المؤرخين أنه لا وجود للهيكل أو لبقاياه في بيت المقدس لأنه تعرض للدمار والتخريب عقب الحكومات المتعاقبة على أرض فلسطين, وبالذات الرومان الذين طردوا اليهود وحولوا هيكلهم أو معبدهم إلى معبد وثني ومن ثم إلى مكان لجمع القمامة بعد اعتناق قسطنطين للنصرانية.المشكلة تكمن في الحركة الصهيونية وعملية الدس التي تقوم فيها والتي تستهدف طمس معالم القدس العربية والإسلامية, المشكلة تكمن في الإستراتيجية الصهيونية والتي تحتل فيها القدس أهمية خاصة في مشروعهم الاستيطاني ومخططاتهم في فلسطين, وما الأعمال التي يقومون بها اليوم إلا استمرار لمشروعهم, وقيامهم بتهويد هذه المدينة عن طريق إزالة المعالم الحضارية للعرب والمسلمين ورسم مشاهد مستقبلية لما سيكون عليه وضع القدس.كتب د. وليد غفنوري البدري بحثاً حمل عنوان ( القدي ودس الصهاينة لطمس معالمها العربية والإسلامية), استعرض فيه تاريخ مدينة القدس منذ نشأتها الأولى قبل خمسة آلاف سنة, ويقول أن الصهاينة اليوم يحاولون طمس معالم المدينة وذلك من خلال بناء المستوطنات حولها ومحاولة تهويدها, وتعطيل التعليم بالعربية وتعطيل المناهج العلمية ومحاربة كل ما هو عربي وإسلامي. يجب ان يفهم العرب والمسلمون أن محاولات الصهاينة لن تتوقف بالشأن الداخلي للقدس وللمسجد الأقصى المبارك بشكل خاص والذي يسعون إلى هدمه, وقبل أن تفاجئ هذه الأمة العربية والإسلامية بهدمه عليها أن تقوم بواجباتها تجاه حماية القدس والأقصى وتوحد الصف وتترك الخلافات جانباً, عليها أن تقوم بدعم الشعب الفلسطيني الصابر الصامد المحاصر الذي يدافع عن القدس بدمه, عليها أن توفر الأموال اللازمة لحماية وصيانة الأقصى, عليها التوجه إلى المحافل الدولية والمنظمات الأممية ذات الصلة للعمل على وقف الحفريات وإلزام حكومة أولمرت بالتوقف عن الاعتداءات المتكررة.هل سيفعل العرب والمسلمون هذا.. وقبل فوات الأوان..؟[c1]المراجع :[/c]1. محاولات إسرائيل متواصلة للتدخل بالأقصى المبارك, نداء القدس- المجلد الرابع- العدد 39 و 40- ديسمبر 2005م.2. مؤتمر القدس السنوي الثاني – اتحاد المؤرخين العرب – وزارة التعليم العالي- جامعة تكريت – تشرين الأول 2000م.3. فلسطين تاريخاً ونضالاً – دار الجليل, عمان – نجيب الأحمد.
|
ثقافة
القدس في الأديان السماوية
أخبار متعلقة