شهرة غير مسبوقة لوزيرين غير محسودين
في حين يتردد ذكر بعض الأسماء وتشتهر ولا تنسى، لأنها استطاعت دخول التاريخ من باب المغامرة والإنجاز المشهود، فهنالك أسماء تذكر وتشتهر هي الأخرى، لمجرد أنها خرجت من التاريخ بفرقعة مدوية لا تنسى، أو بــــ « منكر» لا يغتفر، إذا ما استعرنا من لغة الفقهاء.ويستبعد كاتب هذه السطور أن يكون وزير العدل الحالي الدكتور غازي الاغبري من الصنف المتهافت على تحصيل شهرة لن تأتيه بعوائد أكثر من تلك التي حصدها أحد أسلافه، وهو وزير سابق للعدل اشتهر بـــ « فتوى» إباحة دماء أهالي عدن وغيرها من المحافظات الجنوبية من المتترس بهم من قبل الكفار الاشتراكيين أثناء اندلاع حرب 1994 وذاعت شهرته من ذلك اليوم، وأصبح اسمه يذكر بمنكر تلك الفتوى الكارثية، وصار من علاماتها الفارقة واللصيقة، ولم يعد بالإمكان فصل أحدهما عن الآخر، فهو الحرب والحرب هو، ولا فرق، ولا يتسع المجال لأكثر من الإفصاح عن الحرف الأول من اسمه: الدكتور عبدالوهاب الديلمي.لم نكن في وارد عقد هذه المقارنة بين الوزيرين. ولسنا بصدد الذهاب مع غوايتها إلى أبعد مما يحتمل المقام والمقال، وإن كان الواجب يدعونا إلى لفت قيادة وزارة العدل ووزيرها نحو كارثة طارئة تستهدف إلغاء الركيزة الأساسية التي يقوم عليها الشرط الوجودي والإنساني والسيادي لليمن، كما تستهدف هدم جسر التواصل واللقاء مع الإنسانية المعاصرة.ذلك ما تعنيه آخر وأخطر الضربات التصفوية للمرأة، من المجالين العام والخاص، وهي الضربة التي تمثلت بحذف المساحة الخاصة بتوقيع المرأة، الزوجة، على عقد الزواج، بوصفها طرفاً في العقد، واستبدالها بمساحة لتوقيع ولي الزوجة، ما يعني حذفها فيزيائياً، وجودياً، إنسانياً... الخ. ولما كانت هذه الضربة بالغة العنف، بعيدة المدى، فقد صار من الوارد أن تجرجرنا إلى المربع الصفري لنتخبط بالبداهات ونتحوصل في سؤال العقد: وكيف يكون؟عقد الزواج الذي يقضي بتصنم العلاقة بين شريكين من جنسين مختلفين، وبالأفصح رجل وامرأة، هل يجوز أن يبرم بين رجل وآخر؟!وبما أن شطب المساحة الخاصة بتوقيع المرأة على عقد الزواج ينسف العقد من أساسه ويستبطن تصغيرها وتحقيرها وشطبها، في مخالفة فجة لمنطق البداهات الحقوقية والحضارية والفلسفية التي أصلت وأسست وأطرت لعملية اندراج البشرية ضمن أفق الرشد العقلاني الحداثي المحكوم بـــ«العقد الاجتماعي» ومتوالية العقود الأخرى الناظمة لشتى مجالات الحياة؛ فإن ذلك «الشطب» يفصح عن رجعة إلى ما قبل السياسة، والوطن وإحصاء الأمة بنزع الشدة المنصوبة من فوق الميم واستبضاع النساء كجوار وإماء... الخ.ولأن المجال أضيق من أن يتسع للتحديق في مآلات هذا «الشطب» فقد كان لا بد من تسجيل ملاحظة سريعة خاصة بملابسات هذه الضربة التي تشير إلى أن من أعدوا لها كانوا من ذوي الاختصاص والخبرة بهندسة الوصفات الناجعة للكوارث، ولذلك حرصوا على أن تكون مباغتة وقد ورد في أسبوعية «الميثاق» الصادرة عن الحزب الحاكم أن الأمناء الشرعيين والمخولين بكتابة وتوثيق العقود الشرعية فوجئوا بنزول نموذج لعقود الزواج صادر عن الإدارة العامة للتوثيق والتسجيل بوزارة العدل تخلو من مساحة لتوقيع الزوجة.. في الوقت الذي يعلم الجميع أنه ليس كل النساء اللواتي يتزوجن يكون أولياء أمورهن آباؤهن، كما ليس كل النساء يتزوجن أبكاراً، حتى تلغى توقيعاتهن، ويكتفي بتوقيعات أولياء أمورهن «الميثاق، 1رمضان/ سبتمبر».وهنالك أشياء لم تخطر على بال «الميثاق» ولا تخطر على بال أي أحد حتى الآن. ومن الراجح أن ينسحب هذا «الشطب» على مجالات وشؤون كثيرة، وأن يلقي بظلاله على مساحات أكبر، ويخنق هوامش حركة المرأة وحقها في التعليم، والسفر، والمشاركة في الشأن العام وغير ذلك!من الراجح، أيضاً، أن تستدعي الخبرات الطالبانية لتقدم التفسيرات والإجابات المصاحبة لهذا «الشطب» الذي يستلزم إعادة توصيف اليمن بما يستوعب طبيعة توطنها في ما قبل «العقد الاجتماعي» ورجعتها إلى ما دون «العقد البدائي». إلى هنا ومازالت جملة «الشطب» تحتاج إلى المزيد من الحفر والتوسيع.