منبر التراث
[c1]الطوفان[/c]لسنا نبالغ إذا قلنا أن عدن القديمة ( كريتر ) في حاجة ماسة وضرورية وعاجلة في الحفاظ عليها من طوفان التعدي الصريح والسافر لمعالمها التاريخية والأثرية الضاربة جذورها في أعماق التاريخ الإنساني البعيد . ولا يفهم من ذلك أن نقف سدا وحاجزا منيعا ضد تيار إيقاع الحياة العصرية الذي يسود حياتنا اليوم وألاّ نكون انطوينا على أنفسنا. ولكي لا يحدث التصادم بين الحفاظ على تاريخنا وآثارنا القابعة في عدن القديمة ( كريتر ) والعمارة الحديثة يجب ويتوجب أن يكون هناك تنسيقاُ بين الجهات المعنية في الحفاظ على التاريخ والآثار في المدينة ، ومحافظة عدن ، ووزارة الثقافة ، ووزارة التخطيط . [c1]طراز عدن المعماري[/c]والحقيقة أن الكثير من الشواهد تدل بأن العمارة الحديثة التي تطفو على وجه عدن بنيت دون التنسيق مع تلك الجهات المعنية في الحفاظ على تراث وآثار وتاريخ المدينة العتيقة . وهذا يدل على غياب الوعي الثقافي بأهمية الحفاظ على معالم عدن التراثية الأصلية والأصيلة . ولقد تحدث المؤرخون ، والأثريون ، والباحثون في ندوات علمية عديدة عن طرز عدن المعماري القديم الذي يجسد العديد منها العمارة الإسلامية والتي وصلت ذروتها في القرن الرابع الهجري ( العاشر الميلادي ) . والحقيقة أن عدن كما هو معروف تعاقبت عليها الكثير من الدول اليمنية المركزية عبر العصور مثل الدولة الصليحية ، الرسولية ، الطاهرية ومصر المملوكية وأيضا الدولة العثمانية وكانت كل دول من تلك الدول تضيف ملامحها المعمارية الخاصة بها . [c1]المشربيات[/c] ومن يطوف في أحياء عدن القديمة مثل حي الحسين الذي كان يسمى حي الشاذلي ، ويعد من أقدم الأحياء الشعبية في عدن تشم منه رائحة التاريخ العتيق ، وإن لم يكن من أقدم الأحياء الشعبية في اليمن على الإطلاق ـ دون مبالغة ـ يلفت نظرنا إلى المشربيات الخشبية ( النوافذ ) التي تعود صناعتها إلى عهد المماليك . وإذا عملنا مقارنا بين تلك المشربيات الخشبية ، والمشربيات في الأحياء المصرية القديمة مثل خان الخليلي أو بين القصرين أو حي السيدة زينب جنوب القاهرة سيلفت نظرنا التطابق الكبير بين تلك المشربيات في حي الحسين في ( كريتر) وحي خان الخليلي . ولكن الفرق هناك أن الجهات المعنية بشؤون الحفاظ على الآثار في مصر أولت عناية فائقة في ترميم وصيانة تلك المشربيات الخشبية التي يعود إلى عهد مصر المملوكية التي حكمت مصر والعالم العربي نحو أكثر من مائتي عام ( 648 / 922هـ ـ 1250 / 1517م ) . [c1]الأسبلة[/c]ولكن مع الأسف ـ العميق ـ عندما تشاهد بعينيك ، وتلمس بيديك المشربيات القليلة النادرة في واجهات البيوت القديمة الذي شرب عليها الدهر وأكل تشعر بالحزن والأسى الكبيرين فهي معرضة لعوامل التعرية والإهمال التي تلتهم كل ملامحها الأصلية والشيء الذي يحزن في النفس أن أصحاب تلك البيوت الأثرية ـ إن صح ذلك التعبير ـ يجهلون تماما الأهمية الأثرية لتلك المشربيات الخشبية العتيقة التي تمثل جزءاً هاماً من تاريخ مدينة عدن الإسلامية . والشيء بالشيء يذكر فإن السبيل أو الأسبلة وهو مكان خاص لشرب المياه النظيفة للمارة . من المحتمل وجودها في عدد من أحياء عدن القديمة ولكن مع الأسف الشديد لم نعثر على أثر منها ، ونأمل من الأثريين البحث والتنقيب في تلك الأسبلة التي ربما أنشـأت في عهد المماليك والعثمانيين . ومن المرجح أنها أنشأت في عهد الدولة الطاهرية ( 858 ـ 933هـ / 1453 ـ 1527م ) التي كان في عهدها الكثير من المصريين . ولقد شهدت عدن في عهدها ازدهارا اقتصاديا وتجاريا كبيرا . ومرة أخرى نكرر ونقول على المسئولين في محافظة عدن ، والجهات المعنية والمهتمة بالحفاظ على تاريخ وآثار المدينة ترميم وصيانة بصورة دائمة عمارة الأحياء الشعبية العتيقة من جهة وحراسة المدينة من تعديات المباني الحديثة التي تشوب تراثها الذي هو جزء لا يتجزأ من نسيج تراث اليمن العظيم .