دالياعبدالقادرعبدالوهاب * في الوقت الذي وقع فيه جورج بوش وثيقة الأمن القومي للولايات المتحدة الأمريكية، في مارس 2006، ليعلن انتصار امريكا في حربها علي الإرهاب ونجاح سياستها في كل من أفغانستان والعراق، واستمرار الاعتماد علي القوة العسكرية لنشر قيم الديمقراطية، جاء كتاب فرانسيس فوكوياما الجديد أمريكا في مفترق الطرق.. الديمقراطية والقوة وميراث المحافظين الجدد ليكشف عن ضعف السياسة الأمريكية بشقيها النظري والعملي. فوكوياما يعيد تقييم السياسة الخارجية الأمريكية في وقت تصاعدت فيه الأصوات المعارضة للسياسة الأمريكية الحالية في الشرق الأوسط . وبخلاف المفكرين والمحللين السياسيين والناقدين لسياسة الإدارة ألأمريكية من أمثال برنت سكوكروفت وهوارد دين، فإن فوكوياما أحد أقطاب فريق المحافظين الجدد. وكما يشير في مقدمة كتابه، فقد اشترك في الكثير من أعمالهم البحثية والفكرية، بل إن فوكوياما هو صاحب المقالة الشهيرة نهاية التاريخ في عام 1989، والتي تم تطويرها فيما بعد إلي كتابه الشهير نهاية التاريخ والإنسان الأخير الذي صدر في عام 1992، والذي تضمن رؤيته أن تاريخ القرن العشرين ما هو إلا تاريخ الصراع الأيديولوجي بين الليبرالية والديمقراطية من ناحية، والنظم الفاشية والشيوعية من ناحية أخري، وقد انتهي هذا الصراع بالانتصار الحاسم للفكر الغربي الديمقراطي بانتهاء الحرب الباردة وسقوط الشيوعية.اعتبر هذا الكتاب أحد أسس فكر المحافظين الجدد، وبرز فوكوياما كأحد أعلام هذا التيار الفكري الذي كان بدوره مؤثرا في رسم السياسة الخارجية الأمريكية. في ضوء هذه الخلفية، جاء كتاب فوكوياما الجديد، في 2006 ، ليوجه لطمة قوية لفريق المحافظين الجدد والإدارة الأمريكية التي تدين بمبادئه، فقد أعلن فيه تحوله وانشقاقه عن الفريق بمقولته الشهيرة إن حركة المحافظين الجدد كرمز سياسي وكيان فكري تطورت الي شيء لا أستطيع بعد الآن تأييده.في بداية كتابه، يوضح فوكوياما الأصول الفكرية للمحافظين الجدد، والتي تعود الي مجموعة من المفكرين اليهود الذين ظهروا في حقبتي الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي، وعرفوا بمجموعة سيتي كوليدج أوف نيويورك من أمثال ارفينج كريستول، ودانيال بل، وارفينج هوي، وسيمون مارتن ليبست، وفيليب سلزنيك، وناثان جليزر، ودانيال باتريك موينيهان، الذي انضم إليهم فيما بعد. ومن المفارقة أن بدايتهم الفكرية جاءت بالانتماء إلي الفكر اليساري التحرري، متمثلا في القيم الاجتماعية والاقتصادية التي تنادي بالمساواة. ولكن مع مرور الوقت، والتحفظ علي الحكم الحديدي الشيوعي، متمثلا في سياسات ستالين، تحولوا إلي معاداة الشيوعية. ويعترف فوكوياما بأن المحافظين الجدد لايشكلون حزبا سياسيا بقدر ما هم تيار أيديولوجي فضفاض يتسع لميراث فكري متعدد، ولكن يتفق علي أربعة مباديء عامة تؤثر في السياسة الخارجية، هي:* أهمية شكل ونظام الحكم الداخلي والقيم المصاحبة له والتي تحدد السياسة الخارجية. وعليه، فان السياسة الخارجية للنظم الديمقراطية تعكس قيم المجتمعات الليبرالية، فنظام الحكم هو محور السياسة.*القوة الأمريكية تستخدم للوصول إلي أهداف أخلاقية، وتقع علي الولايات المتحدة مسئولية حماية أمن المجتمع الدولي، وقد اتضح هذا خلال الحرب العالمية الثانية وحرب البلقان.* الاعتقاد بأن محاولات تحقيق العدالة الاجتماعية عن طريق تدخل الدولة تفتت العلاقات الاجتماعية وتدمر الكيان الاجتماعي، وتأتي بنتائج عكسية، ويشير هنا الي حكم ستالين في الأربعينيات من القرن الماضي.* عدم الثقة في فاعلية القانون الدولي ومؤسساته للوصول الي الأمن والعدل.تمت ترجمة هذه الأسس النظرية إلي سياسة خارجية مناهضة للمدرسة الواقعية للسياسة الخارجية - كما رسمها هنري كيسنجر، والتي اشتهرت بمفهوم الردع المتبادل والوفاق - علي يد بعض رموز هذا التيار مثل البرت هولستتر، وولفويتز وآخرين. وقد اعترض المحافظون الجدد علي مبدأ مهادنة الاتحاد السوفيتي خلال فترة حكم نيكسون وكيسنجر. ومع بزوغ الثمانينيات، حدث بعض التلاقي الفكري بين المحافظين الجدد وإدارة الرئيس رونالد ريجان، الذي اتسمت سياسته الخارجية بالتشدد تجاه الاتحاد السوفيتي، والذي أطلق عليه إمبراطورية الشر. التلاحم الفكري بين المحافظين واليمينيين أخذ في النمو خلال حقبة الثمانينيات، فقد اتحدوا في مواجهة الفكر الواقعي والسياسة الخارجية المترتبة عليه، والتي تميزت بمهادنة الاتحاد السوفيتي. يري فوكوياما ان نمو شكيمة تيار المحافظين الجدد في حقبة التسعينيات جاء نتيجة حدثين تاريخيين، الأول: سقوط الشيوعية، والثاني: الثورة التكنولوجية.كان انتهاء الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفيتي المفاجئ في 1989 بمثابة إعلان واعتراف بانتصار الفكر الرأسمالي والليبرالي، وكان لهما أكبر الأثر في تعزيز تيار المحافظين الجدد و إحياء الثقة في أفكاره. غياب العدو خلق لدي المحافظين الجدد وهم التفوق الساحق للفكر الليبرالي في مواجهة نظيره الشيوعي، وصاحب هذا تولد الاعتقاد بأن الحكومات المستبدة قابلة للسقوط بسهولة وبدون آثار سلبية، وأنه بمجرد انهيار النظام، فان الديمقراطية ستكون تحصيل حاصل. ترتب علي هذا الاعتقاد اعتماد سياسة التدخل المباشر باستخدام القوة لإسقاط نظام حكم صدام حسين في العراق.التطور الثاني، الذي عزز موقف المحافظين الجدد، هو الثورة التكنولوجية وظهور الأسلحة الذكية وتفوق أسلحة التحكم عن بعد والتصويب الدقيق، والتي كان لها أكبر الأثر في دحر عقدة فيتنام والخوف من التورط في حروب إقليمية تعرض الجيش الأمريكي لخسائر في الأرواح، وتستنزف معنويات المجتمع الأمريكي ككل. ومما لا شك فيه أن التطور التكنولوجي الهائل في الصناعة العسكرية أثر في توجهات السياسة الخارجية، التي أصبحت أكثر جرأة في اعتماد الحل العسكري، حيث إن النجاح في كوسوفو وحرب الخليج الأولي أعطي ثقة ومصداقية لفكر المحافظين الجدد، ولم يبق إلا أن تترجم الأفكار إلي سياسة.انتقل فوكوياما لتقييم السياسة الخارجية الأمريكية لإدارة جورج دبليو بوش، التي اعتمدت مباديء المحافظين الجدد، مما أدي إلي تحول ملحوظ في السياسة الأمريكية منذ توليه السلطة في 2001. ومنذ ذلك الحين، ظهر في قاموس السياسة الخارجية واستراتيجية الأمن القومي الأمريكي مصطلحات جديدة أثرت علي الفكر والممارسة السياسية، مثل: الهيمنة الأمريكية الحميدة، التغيير الجبري لنظم الحكم، شرعية استخدام القوة العسكرية في حرب مانعة بالمقارنة ب- الحرب الوقائية، والاستثنائية الأمريكية.تللك المعادلة الفكرية نتج عنها أجندة سياسية تبيح للولايات المتحدة بالتحديد، وليس أي قوة أخري، حق التدخل العسكري للإطاحة بأي حكم تري أنه يهدر قيم الديمقراطية ويهدد الاستقرار العالمي، تحت إطار القيام بمسئوليتها كقوة عظمى، منوط بها الأمن والسلام الدولي.انتقد فوكوياما غزو العراق، الذي استند الي استخبارات مضللة، واعتمد علي معلومات غير مؤكدة عن وجود أسلحة الدمار الشامل بالعراق ووجود علاقة بين صدام حسين وتنظيم القاعدة، مما يجعل هناك فرصة لأن توضع أسلحة الدمار الشامل تحت سيطرة قوي التطرف الاسلامي. ومن وجهة نظر فوكوياما، فإن أخطاء السياسه الأمريكية تنحصر في المبالغة في تجسيد خطر التطرف الاسلامي، وعدم توقع رد الفعل والآثار السلبية الناجمة عن الهيمنة الأمريكية. كما أنه ينتقد قصور الرؤية لدي الإدارة الأمريكية في توقعاتها بأن يؤدي التدخل العسكري إلي إحلال السلام. ويمكن تلخيص جوهر الخلاف بين فوكوياما والإدارة الأمريكية في النقاط الآتية :* خطر الإسلام المتطرف: يرى فوكوياما أن التطرف الاسلامي ليس بعودة للسلفية بقدر ما هو رد فعل للعولمة والحداثة في القرن الحادي والعشرين، والتي أدت الي خلخلة هويتهم تحت وطأة طغيان المادة. وفي ضوء ذلك، يري ان المسلمين بصفة عامة لا يشكلون خطرا أمنيا علي الولايات المتحدة، ولا يشككون في جدوي قيم الديمقراطية، ولكنهم يعترضون علي السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط. ويعتبر فوكوياما أن مصدر التهديد الحقيقي لأمريكا يكمن في المجتمعات الإسلامية في الغرب، والتي تعاني الاغتراب وفقدان الهوية.* إرساء الديمقراطية في الشرق الأوسط لا يعني بالضرورة أمن الولايات المتحدة: لا يري فوكوياما علاقة مباشرة بين ديمقراطية النظم في الشرق الأوسط وأمن الولايات المتحدة، فالتطرف الاسلامي ليس بالضرورة نتيجة لغياب الديمقراطية، بل بالأساس نتيجة لفقدان الهوية والذاتية في مواجهة الحداثة. ولذلك، فإن انتشار الديمقراطية قد يؤدي إلي مزيد من الاغتراب والتطرف. وقد أدت السياسة الأمريكية إلي الدفع بالتيار الإسلامي إلي الصدارة، كما اتضح في فوز حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية، وصعود الإخوان المسلمين في انتخابات مجلس الشعب المصري، وتأجج التيارات الدينية الطائفية في العراق.* شرعية استخدام القوة العسكرية: يشير فوكوياما الي حدود فاعلية القوة العسكرية بالذات في محاربة المد الاسلامي المتطرف، فمقاومة المجاهدين في أفغانستان والعراق لا تحتاج إلي تدخل عسكري بل إلي احتواء سياسي، يستهدف عقل وضمير الشعوب الإسلامية في أنحاء العالم.يوضح فوكوياما ان كشف حساب السياسة الخارجية الأمريكية سلبي في محصلته، فالقوات الأمريكية متورطة في حرب ممتدة في العراق تعيد للأذهان حرب فيتنام، وتواجه انعدام مصداقية وعداء متناميا في المجتمعات الإسلامية التي تضم حوالي مليار نسمة، كما أنها تتعرض لفتور حلفائها التقليديين في أوروبا وآسيا. والأهم من ذلك، أنها في خضم حربها علي التطرف الإسلامي، حولت انتباهها بعيدا عن التحدي الحقيقي المتمثل في القوي الصاعدة في آسيا، التي تتطلع الي منافسة الولايات المتحدة علي مركز القوة العظمي.بعد هذا النقد الشامل لفكر المحافظين الجدد والسياسة الخارجية الأمريكية خلال إدارة جورج دبليو بوش، يكشف فوكوياما عن مخاوفه من أن تؤدي هذه التجاوزات الي رد فعل عكسي متمثل في موجة جديدة من انعزال الولايات المتحدة كما حدث عقب حرب فيتنام، مما سيكون بمثابة إهدار تاريخي لثقل ومكانة الولايات المتحدة العسكرية والاقتصادية.يحاول فوكوياما في كتابه طرح اطار فكري جديد للسياسة الخارجية الأمريكية، وهو مزيج من الواقعية والويلسونية، ويطلق عليه الويلسونية الواقعية. تتفق هذه الرؤية الفكرية مع المحافظين الجدد في الاعتقاد بأهمية طبيعة نظم الحكم، وتفوق الفكر الديمقراطي والقيم المصاحبة له، ومسئولية الولايات المتحدة تجاه ترويج مباديء الديمقراطية والاستقرار العالمي، ولكنها تختلف جذريا معهم في الاعتماد المطلق علي القوة العسكرية للوصول الي تلك الأهداف. يرتكز هذا البديل الفكري علي الحد من استخدام القوة العسكرية، ووضع معايير واضحة لاستخدام القوة في حالة الحرب المانعة Preventive War. يري فوكوياما اعتماد أساليب أخري للسياسة الخارجية، اعتمادا علي القوة الناعمة، التي تركز علي الدفع الذاتي للمجتمعات نحو الديمقراطية عن طريق إيجاد مؤسسات قوية وقنوات للمشاركة والحكم السليم. يركز فوكوياما علي أن قوة الولايات المتحدة تكون أكثر فاعلية عندما تكون مستترة Latent Power بحيث لا تستفز حلفاءها لتكوين تكتلات مضادة، ويسترشد في هذا بنموذج بسمارك المستشار الألماني الذي قام بغزو النمسا وفرنسا وتوحيد المانيا عام 1871، ولكن سرعان ما تدارك أهمية استيعاب أعدائه وتهدئتهم بدفعهم للاعتقاد بأنه لا يريد سوي المحافظة علي الوضع الراهن، وأن ألمانيا لاترمي الي طموحات جديدة بأكثر مما كسبت. وقد أثبت التاريخ ان حنكة بسمارك في عدم المغالاة في استخدام القوة عززت مكانة ألمانيا. ولم يستوعب خليفة بسمارك مغزي القوة المستترة، وانجرف في سياسة استعراض القوة التي أدت إلي تحالف بين انجلترا وفرنسا وروسيا، مما شكل مقدمة للحرب العالمية الأولي وهزيمة ألمانيا.وبالرغم من ان مضمون الكتاب من حيث نقد السياسة الأمريكية ليس بجديد، فهناك عدة أعمال تطرقت لقصور وفشل السياسة الأمريكية بالذات في الشرق الأوسط، ومنها كتاب العسكرة الأمريكية الجديدة The New American Militarism الصادر في 2005 ل- اندرو باشفيتش Andrew J. Bacevich والمقال الشهير حرب غير ضرورية - ستيفن والت وجون ميرشهايمر Stephen Walt and John Mearshimer والذي نشر في مجلة فورين بوليسي، عدد يناير/فبراير 2003، إلا أن قيمة كتاب أمريكا في مفترق الطرق .. الديمقراطية والقوة وميراث المحافظين الجدد تكمن بدرجة كبيرة في التحول الفكري والصراع الذي خاضه فوكوياما شخصيا، ليلمس وهن مبادئ المحافظين الجدد. كما يحسب للكتاب انه جمع بين العنصرين النظري والعملي، فهو يمزج بين عرض للتيارات الأيديولوجية والسياسة الخارجية، والعلاقات البينية التي تحكمهم.أهم ما يميز الإطار التحليلي لفوكوياما هو اعتماده العنصر غير المادي كعامل مؤثر في تفسير السياسة وادراكه لحدود العنصر المادي المتمثل في القوة العسكرية. فهو يري ان التهديدات الأمنية التي يمثلها التطرف الإسلامي إنما نشأت نتيجة لضعف وتآكل هوية المجتمعات الإسلامية، ويؤكد حدود القوة العسكرية في مواجهتها. وباستناده إلي العنصر المعنوي غير المادي، يتلاقي فوكوياما مع أدبيات مدرسة ما بعد الحداثة التي ظهرت خلال التسعينيات من القرن الماضي، وكان لها أثر ملحوظ في أدبيات الأمن القومي. هذه المدرسة، رغم تسليمها بأهمية المفهوم المادي التقليدي للأمن القومي ببعديه العسكري والاقتصادي، إلا أنها أوجدت منهجا جديدا يركز علي البعد المعنوي غير المادي لمفهوم الأمن. وقد نتج عن هذه المدرسة ظهور الاقتراب البنائي Constructivist Approach للتحليل السياسي، والذي يعرف الأمن القومي بوصفه عملية إدراك التهديد، والذي يتحدد بعاملين : الثقافة السياسية، والهوية السياسية.ولايمكن إغفال أن عنصر الاقتصاد والمصلحة المادية سقط من المكون التحليلي للكتاب، فهو يعطي الانطباع بأن السياسة الخارجية - إلي حد كبير - تحركها المبادئ الأيديولوجية والتيارات الفكرية، ولم يتطرق للدوافع الاقتصادية التي أدت الي تلك السياسة. فهو في كثير من الأحيان يئول الأخطاء السياسية الي سوء فهم للمبادئ، وقصور في تطبيقها، مما يعطي الإحساس بأن المادة التحليلية في الكتاب تفتقد الواقعية.فمن الصعب تحليل السياسة الخارجية للولايات المتحدة خلال إدارة جورج دبليو بوش بدون التطرق لدور المصالح الاقتصادية للمؤسسات الاحتكارية، خاصة شركات الطاقة والصناعات الحربية كمحرك أساسي، ووجود ترابط عضوي بين القوة الاقتصادية والفئة الحاكمة. فعلي سبيل المثال لا الحصر، شغل ديك تشيني، النائب الحالي لجورج دبليو بوش، منصب رئيس شركة هاليبرتون، كبري الشركات الأمريكية في مجال الخدمات والمقاولات البترولية، وليس معروفا عنه أنه أحد أقطاب فكر المحافظين الجدد. ولكن المبادئ العامة لهذا التيار أتاحت أفضل غطاء ايديولوجي يبرر ويجمل النزعة للسيطرة علي منابع النفط، وأيضا علي طرق ومعابر مروره تحت شعار ترويج الديمقراطية ونشر المبادئ الليبرالية. إن الوجود الأمريكي في أفغانستان والعراق يرمي إلي بسط النفوذ للهيمنة علي منطقة آسيا الوسطي وبحر قزوين، بالإضافة الي منطقة الخليج العربي، وهما بمثابة رأسي الحربة لإحكام سيطرة الولايات المتحدة علي مقدرات العالم الاقتصادية والاستراتيجية.كتاب فوكوياما في جوهره يتخطي كونه تقييما لفكر المحافظين الجدد أو السياسة الخارجية الأمريكية لإدارة جورج دبليو بوش، فهو يقترب الي كونه سردا لمأزق النظام الديمقراطي الرأسمالي، الذي وقع فريسة لوهم الانتصار علي الشيوعية، واستشعر نشوة الإحساس بالقوة. يحذر فوكوياما من الاستخدام المفرط للقوة بالانغماس في العسكرة. أهم الدروس التي لم تدركها الولايات المتحدة أن الاتحاد السوفيتي سقط وهو في أوج قوته العسكرية، وأنه لم ينهر نتيجة لهزيمته عسكريا. يبرز فوكوياما البعد غير المادي المفقود في المعادلة الاستراتيجية الأمريكية. إن الكتاب يذكرنا بفكر بول كنيدي في كتابه انهيار وسقوط القوي العظمي، الذي تناول فيه أهم أسباب سقوط الإمبراطوريات، وهو الامتداد الامبريالي Imperial Overstretch ونوه فيه إلي أن الولايات المتحدة مقبلة علي نهايتها، وسوف تواجه مصير إمبراطوريات سبقتها إلي الزوال، مثل امبراطورية الهابسبورج، والإمبراطوريتين الإسبانية، والبريطانية.وبعد مرور أكثر من عقد من الزمان علي صدور كتابه نهاية التاريخ والإنسان الأخير الذي أعلن فيه إن الصراع الايديولوجي قد حسم نهائيا لصالح الليبرالية، وصولا إلي نهاية التاريخ، يأتي كتابه الجديد أمريكا في مفترق الطرق .. الديمقراطية والقوة وميراث المحافظين الجدد ليوحي ببداية فصل جديد من التاريخ، يبدأ من تناقضات الفكر الليبرالي الديمقراطي والحاجة الي بديل.* نقلا عن مجلة السياسة الدولية - مصر
|
فكر
فوكوياما والانقلاب على المحافظين الجدد
أخبار متعلقة